حول الأزمة الوطنيَّة في السُّودان (3 من 4)

 

الدكتور عمر مصطفى شركيان
[email protected]

الإنقاذ.. أسوأ تجلِّيات الحكم في السُّودان

التنمية المتوازية هي السياسة التي تبنَّتها حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وخصَّص لها وزارة أسماها وزارة التنمية الأفقيَّة-الرأسيَّة (Levelling-up Ministry)، وعيَّن على رأسها مايكل قوف، وبعد استقالة حكومة جونسون، وخلفته ليز تروس، أصبح سايمون كلارك وزيراً لهذه الوزارة. وقد هدفت الوزارة – فيما هدفت – على قفل الفجوة بين الأقاليم الغنيَّة من ناحية، والفقيرة من ناحية أخرى في بريطانيا، والوعد بوضع الثروة والسلطة في قوى الشعب العاملة. اشتمل برنامج السيِّد قوف على 12 برنامجاً قوميَّاً، مع وجود خطط مدروسة لتحسين مجالات الاقتصاد والإسكان والتعليم والنقل والثقافة بحلول العام 2030م، حتى تستطيع المجتمعات المستضعفة أن تسترد سيطرتها على مصائرها. من جانب آخر، صرَّح وزير الدولة المكلَّف بتنفيذ برنامج التنمية الأفقيَّة-الرأسيَّة نيل أوبراين أنَّ فكرة التنمية الأفقيَّة-الرأسيَّة هذه لا تقتصر على الفوارق التنمويَّة القائمة بين الشمال والجنوب فحسب، بل تشمل كذلك تحسين البنى التحتيَّة، والأبحاث ومصادر التنمية، ونتائج التعليم، ونوعيَّة المعيشة في جميع أنحاء البلاد، على أن يتم تحقيقها في شكل أهداف مرحليَّة حتى تكتمل بحلول العام 2030م. وقد أقرَّ السيِّد قوف أنَّ المواهب موزَّعة على طول وعرض المملكة المتحدة، إلا أنَّ الفرص لا تُحظى بهذا القدر من التوزيع. إذاً، ما هي هذه الخطط الاثني عشر التي كشف عن غطائها السيِّد قوف، ومثَّلت سياسة وزارته؟
(1) زيادة الأجور والإنتاج ومحاربة البطالة في جميع أرجاء المملكة المتحدة، حتى تنافس كل منطقة أيَّة مدينة عالميَّاً.
(2) الاستثمار المحلي في الأبحاث والتنمية خارج المنطقة الجنوبيَّة-الشرقيَّة في إنجلترا سيرتفع على الأقل بنسبة 40%. الطريقة المثلى لإرساء لبنات التغيير المستدامة هي التحوُّل الاقتصادي الراديكالي، الذي يبدأ ببرنامج استثمار ضخم على غرار برنامج مارشال (Marshal Plan)، كما تمَّ تنفيذه في أوروبا بعد انتهاء الحرب العالميَّة الثانية العام 1945م. إذ ينبغي أن يستهدف هذا البرنامج المناطق التي تمَّ تجاهلها تنمويَّاً، ثمَّ يجري الاستثمار في الوظائف، والخدمات الاجتماعيَّة والاقتصاد المحلي. إزاء ذلك يمكن التخلُّص من اللامساواة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والخدمات الصحيَّة، وفي التباين الجغرافي.
(3) مساواة وسائل النقل العامة في أرجاء البلاد مع مدينة لندن، وتحسين الخدمات الاجتماعيَّة، وجعل فئات التذاكر رخيصة ومتكاملة، بحيث يمكن استخدامها في جميع وسائل النقل.
(4) تعميم الإنترنيت في المملكة المتحدة، واستخدام الجيل الرابع (4G) للتغطية، والجيل الخامس (5G) لتغطية غالبيَّة السكان.
(5) حصول 90% من أطفال المدارس الابتدائيَّة في إنجلترا على المستويات المتوقعة في القراءة والكتابة والرياضيات، مع ارتفاع الأهداف المتوقعة بنسبة الثلث في المناطق الأسوأ تحصيلاً.
(6) حصول حوالي 200.000 شخص في إنجلترا على التدريب العالي في المهارات سنويَّاً، بما في ذلك 80.000 شخصاً في المناطق الأدنى مهارة في مجال القدرات.
(7) تضييق الفجوة في معدَّل الحياة الصحيَّة (Healthy life expectancy) بين أعلى المناطق وبين أدناها، وبحلول العام 2035م سوف ترتفع نسبة الحياة الصحيَّة بمعدَّل خمس سنوات.
(8) تحسين الرفاه في جميع أنحاء المملكة المتحدة، مع إغلاق الفجوة بين المناطق الأعلى رفاه والأدنى.
(9) تحسين عوامل “الاعتداد بالمنطقة” في كل أرجاء المملكة المتحدة، حيث يتم تقييمه بمعايير ارتضاء النَّاس بميادين مدنهم، وانخراطهم في الثقافة المحليَّة والمساهمة في المجتمع.
(10) ينبغي أن تكون لمستأجري المنازل طرق مضمونة لامتلاكها، مع ازدياد أعداد المشترين لأوَّل مرَّة في كل المناطق، وانخفاض عدد المنازل غير الجيدة المأجورة بمعدل 50%.
(11) السعي إلى تخفيض معدَّل الانتحار والعنف المفرط والجرائم في الأحياء السكنيَّة، مع التركيز على المناطق الأكثر تأثراً بهذه الجرائم.
(12) منح أي جزء من أجزاء إنجلترا يرغب في تفويض السلطات حقه في ذلك، مع توفير تمويل مبسَّط وعلى المدى الطويل، مما يعضد مسألة التكافليَّة. ومن هنا يأتي تعريف عبارة التكافليَّة على أنَّها الفكرة التي تهدف إلى أن يكون للسلطة المركزيَّة دور ثانوي، على أن يقتصر هذا الدور في القضايا التي لا يمكن التعامل معها على المستوى المحلي. وبريطانيا التي ظلَّت موحَّدة منذ العام 1707م (انضمام إسكتلندا لإنجلترا) اضطرَّت لمنح إسكتلندا حكماً ذاتيَّاَ واسعاً، كما مكَّنت أيرلندا الشماليَّة وويلز من الحفاظ على خصائصهما الثقافيَّة، وبخاصة في التعليم باللغة غير الإنجليزيَّة. ولهذا أخذت بريطانيا مؤخَّراً تصف نفسها بأنَّها وطن الأوطان (A nation of nations).
إذاً، ما هو الجديد الذي جاء به السيِّد قوف؟ كل ما أتى به السيِّد قوف هو في الأساس إعادة اكتشاف ما تناوله رئيس الوزراء السابق (حزب العمال) الدكتور غوردون براون في مسألة اللامساواة الإقليميَّة، وإنَّ كثيراً أو قليلاً من القضايا المطروحة ما هي إلا عبارة عن إعادة تدوير مباشر لها. هذا ما دعا إليه حزب العمال حين نادى بشيء من الحزم شديد بنقل الثروة والسلطة إلى قوى الشعب العاملة؛ وما جاء في سياسة قوف أعلاه ما هو إلا النقل ب”ضبانته” (أي حرفيَّاً) – كما يقول أهل السُّودان – من مانيفيستو حزب العمال في شباط (فبراير) 1974م، وفي شكل أشبه بالسرقة السياسيَّة.

للمقال خلاصة،،،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.