حول حوار القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – مع صحيفة (الديلي نيشَن) الكينية.

عادل شالوكا

 

تباينت ردود الأفعال حول الحوار الذي أجراه القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – مع صحيفة (الديلي نيشن) الكينية بتاريخ 7 ديسمبر 2022 – تابعنا ذلك في بعض الصحف ووسائل التواصل الإجتماعي، البعض يرى إن الحركة الشعبية تراجعت عن مشروعها للسُّودان الجديد وإنكفأت حول قضايا الإقليمين (جبال النوبة والفونج) آخرون يرون إننا نُمجِّد المؤتمر الوطني بإعتبار إن فترتهم كانت أفضل من الناحية الأمنية، وآخرون إستنكروا المُطالبة بحق تقرير المصير بإعتباره هروباً إلى الأمام وغير ذلك، بعض الصُحف والمواقع تعمَّدت إستقطاع جزء من الحوار ووضعه خارج السِياق لأهداف وأغراض معلومة – ونحن نريد هنا توضيح الحقائق التالية:

أولاً: الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال هي الأكثر حرصاً على وحدة السُّودان وتعمل على ذلك وتتمسَّك بها، على أن تقوم هذه الوحدة على أسس صحيحة. ولذلك تطرح الحركة الشعبية القضايا الكبرى كأساس لبناء السُّودان الجديد الموحَّد، غير إن النُخب الحالية والتي تعاقبت على حكم البلاد منذ 1956 لم تقدِّم أي مجهود للحفاظ على السُّودان الموحَّد، بل عملت على فصل جنوب السُّودان ووضعت وحدة بقية أجزاء البلاد على المحك.

ثانياً: الحديث عن جبال النوبة وإقليم الفونج يأتي في سياق إن هذه الشعوب – بالإضافة إلى دارفور – هي الأكثر تهميشاً من غيرهم والتَّهميش درجات وهؤلاء يعانون من التَّهميش المُركَّب (إقتصادي، سياسي، عرقي، ديني، جهوي، …إلخ) بقية الشعوب السُّودانية تهميشها (بسيط) وهو التَّهميش الإقتصادي أو التنموي وإن هذه الشعوب هي الأكثر تضرُّراً من الحروب العبثية التي تشنُّها عليهم الحكومات المركزية وهذه الحروب هم الذين يدفعون فاتورتها، فمناطقهم هي مسرح العمليات وهي التي يتم قصفها بالطائرات والمدافع الثقيلة وهذا لا يحدث في الخرطوم أو مدني أو شندي وغيرها من المدن، وإذا إستمرت الحروب لخمسين سنة مُقبلة، فلا يوجد ضرر سوى على هذه المناطق. فلا يوجد في بقية أجزاء السودان نازحين أو لاجئين أو فاقد تربوي لإنقطاع التعليم بسبب الحرب، ولا ضحايا بهذه الأعداد الهائلة بسبب مُمارسة الإبادة والتَّطهير العِرقي.

ثالثاً: هذه الحروب فقط لأنهم يطالبون بحقوقهم الأساسية التي لا تريد النُخب أن تكون لهم، ولا يمكن أن يواصلوا دفع هذه الفاتورة إلى ما لا نهاية فوحدة السُّودان ليست عبئاً على المناطق المُهمَّشة لوحدها بل لا بد من مُشاركة جميع السُّودانيين فيها وبقية الشعوب السُّودانية مشغولة بقضايا أخرى غالبيتها إقتصادية (المعيشة، الأسعار، …. ألخ .. إلخ). ونحن نهتم بقضايا البنية الفوقية (القوانين والتشريعات، التعليم، الإعلام، ….إلخ) لأنها هي التي تتحكُّم في البنية التحتية (علاقات السُلطة وترتيب الوضعية الإجتماعية والإقتصادية والسِّياسية للمواطنين السُّودانيين). وهذه (البنية الفوقية) وضعت أساساً للمُحافظة على الأوضاع القائمة حالياً (البنية التحتية) حيث وجود (مركز مُسيّطِر – وهامش مُبعَد) – كيانات لها (إمتيازات) تُمكِّنهم من الوصول إلى السُلطة والثروة، وكيانات أخرى وضِعت أمامهم (الموانع) التي لا تُمكِّنهم من الوصول.

رابعاً: حق تقرير المصير يأتي في السياق المذكور أعلاه، وهو حق أساسي لجميع الشعوب، وحق تقرير المصير يُمكن أن يُفضي إلى وحدة طوعية عادلة وصحيحة، ولا يعني بالضرورة الإنفصال لأن هنالك شعوب مارسته من قبل وكانت النتيجة (الوحدة) – فلم التخوُّف منه ؟ هل لأن النُخب السِّياسية السُّودانية تدرك أنها ظلمت هذه الشعوب وزرعت في نفوسهم من الغُبن ما يكفي لإتخاذ قرار الإنفصال ؟ ولماذا لا نعمل جميعا من أجل الوحدة العادلة بدلاً عن مُحاولة فرضها بالقوة ؟. حاولنا بكل ما نمكلك من قُدرة من أجل الوحدة عبر التفاوض بدعوتنا لتحقيقها بتوفير الشروط الضرورية، وفي النهاية غادر وفد الحكومة مقر التفاوض وذهب إلى الخرطوم وحدث إنقلاب 25 أكتوبر وتم التنصُّل حتى عن ما تم الإتفاق عليه من قبل – وهذا يعني إنهم يُفضِّلون الحلول العسكرية على الحوار والتفاوض. فما الذي يُمكن أن تفعله الحركة الشعبية بعد اليوم وهي تُناضِل من أجل شعوب عانت ما فيه الكفاية من الحروب والقتل والدمار ويريدون وضع نهاية لهذه الحروب التي هم الأكثر تضرُّراً منها؟.

خامساً: لا أحد يستطيع أن يُزايد على الحركة الشعبية لأنها هي التي قاتلت نظام الإنقاذ (المؤتمر الوطني) ودمَّرت له أكثر من سبعة مُتحرِّكات كبيرة في الفترة من (2011 – 2014) وإستولت على أكثر من (60) حامية عسكرية خلال ثلاثة أيام فقط، وتوسَّعت إلى مناطق أخرى كانت خارج سيطرتها ولم تستولَى عليها من قبل طوال الحرب الأولى (1983 – 2005). والحركة الشعبية هي التي أضعفت النظام الذي أنفق أموالاً طائلة للقضاء على الحركة الشعبية والجيش الشعبي، حيث أفرغ خزينة الدولة ومن بعدها ساءت الظروف المعيشية وخرجت المظاهرات والإنتفاضة التي أطاحت به في أبريل 2019، وقد شاركت الحركة الشعبية في هذه المُظاهارت بواسطة عضويتها في مناطق سيطرة الحكومة وقدَّمت عِدَّة شُهداء.

بعض ما جاء في حوار رئيس الحركة الشعبية تم إخراجه من سياق الحديث تعمُّداً – فقد ذكر إن نفس الأوضاع الأمنية التي كانت سائدة في عهد عمر البشير لا زالت قائمة إلى يومنا هذا بل وإزدادت سوءاً، وهذا صحيح، ففي عهد الحكومة الإنتقالية وصل الإستهداف العِرقي إلى مدن خارج نطاق دائرة الحرب – هذه كلها حقائق ماثلة الآن.

أخيراً: لا توجد أي جدية من النُخب السُّودانية للمُحافظة على وحدة دولتهم وإستقرارها – فقط يريدون أن يعمل الآخرون من أجل ذلك ويدفعون الفاتورة – يريدون وحدة بدون ثمن وبدون تنازُلات، فما هي الأرضية المُشتركة التي توحِّد السُّودانيين الآن؟. القوى السِّياسية الآن مشغولة بقضاياها الشخصية (كسب المُكوِّن العسكري والمُشاركة في السُلطة) أما قضايا السلام الشامل والعادل الذي يُحافظ على وحدة البلاد، فليس من أولوياتهم.

وعملياً الآن توجد مناطق خارج سيطرة الحكومة مساحتها أكبر من مساحات دول كثيرة في العالم. فكيف تستطيع الحكومة ضم هذه الأراضي إليها بدون إتفاق يُعالج جذور المُشكلة السُّودانية. وهل تخلَّت الحكومة عن هذه المناطق وإستسلمت لها لتُقرِّر مصيرها ؟ والحق يُنتزَع ولا يُمنَح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.