دور النخب السودانية المتأمرة في مخاطبة جذور الأزمة.
مقبول الأمين (كوكامي)
يقول عالم الإجتماع سيرجي كارا مورزا في كتابه التلاعب بالوعي: ” و يقصد بالتلاعب بالوعي إستعمار المُتلاعِب لشعبه، و ممارسة الهيمنة عبر التأثير الروحي في الناس و برمجة عقولهم و سلوكهم و حتى طريقة كلامهم و ردهم و نقدهم، و إستعمال الصور النمطية “STÉRÉOTYPE” للتلاعب بنفسية المستضعفين، أى المهمشين و التأمر على قضاياهم المتمثلة في مخاطبة جذور المشكلة (بناء دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية)، و التأثير على مخيلتهم”. و اليوم تدق ناقوس الخطر فئة قاصرة و محدودة الفكر و المستوى المعرفي لقضايا الشعوب أي نتاج لتعندهم و تعمدهم و ما زالت تمارس القهر و البلطجة السياسية منذ ما يسمى بإستقلال السودان (1956)، على جماهير الهامش و تتلاعب في مخاطبة قضاياهم العادلة.
و تبنت فلسفة النخب السودانية في التلاعب بالوعي الجماهيري لدى الهامش السوداني ليس بالعنف و قبضة السلطة كما كانت سابقة معهودة لديهم بل مؤخرآ و مع تطور الوعي لدى الهامش بقضاياه المصيرية أصبح التلاعب بالإغراء في الوظائف المرموقة و العاطفة من ثم السوفت لأندينق حتى يبدون و كأنهم يرغبون الإقرار بمصير شعب بأكمله و يكون لهم وهم الإدراك و الدراية متكامل الأركان في شؤون الدولة، لذلك إذا كان المُتلاعِب أو الممثل محترفآ، فإن إكتشاف الخداع و التلاعب يصير أمرا صعبآ أو مستحيلآ.
فمن أبرز مؤشرات التلاعب بالوعي السياسي الإجتماعي
* التأثير المخفي : يجب أن يبقى التلاعب بالوعي غير ملحوظ و نجاحه مضمون حين يُؤْمِن به المتلاعب به .
* المعارف الكبرى : المهارة البديهية الهائلة و القدرة على التلاعب بوعي المحيطين بهم .
لكن للأسف إنَّ الإنسان لا يصير ضحية للتلاعب إلّا إذا كان منخرطًا فيه بصفته مساهمًا في تألفيه و مشاركًا به، و لا يتحقق التلاعب إلا إذا أعاد الإنسان بناء وجهات نظره و آرائه و مزاجه و أهدافه تحت تأثير الإشارات الحاصل عليها، و بدأ يتصرف وفقًا للبرنامج. أمّا إذا ساوره الشكّ و عاند و دافع عن برنامجه “الروحيّ” مخاطبة جذور الأزمة فإنه لا يغدو ضحية.
قد تستخدم النخب المتأمرة في مخاطبة جذور الأزمة على مستوى مركز السلطة أساليب عديدة لجعل الفرد ضعيفًا أمام التلاعب، ومن بين هذه الأساليب: الرسائل اللاواعية، أي اللغة الرمزية. و الوظيفة الإبتدائية للكلمة كانت منذ فجر البشرية التّأثير الإيحائي و الإخضاع، لا من خلال الإدراك، بل من خلال الشعور، حيثما يَحدُث أن تعمد السلطة – و ذلك لتحقيق أهدافها المرجوة، في العصر الحداثي، خصوصًا بعد أن تمّ إبطال الإكراه و الطريقة التقليدية التي كانت تتعاطى بها السلطات، و بعد أن ظهرت الدولة الحديثة – إلى إدخال اللغة و الثقافة الإسلاموعروبية في مقابل سيطرتها على عقول الشعوب الأصيلة الناطقة بغير العربية، مثلًا عبر رسائلها اللاواعية التي تُخفيها في خطابات مسوؤليها يمكن أن تُدخل الفوضى إلى أي سلسلة منطقية، و دون أن يشعر الفرد، يصبح ضحية هذه اللغة و الثقافة العروبية الإسلامية و أساليب النخب السودانية في الرسائل التي ما تلبث أن تقوده كالأعمى إلى الإستنتاجات التي تريدها. فيحل التضليل و إخفاء الحقائق محل التحليل البنيوي لأقضايا الدولة و النقد نحو المسار الصحيح. إن إصابة الوعي بالشيزوفرينيا اصطناعيًا و إن نجح فسيغدو الناس غير قادرين على ربط الأخبار التي يحصلون عليها في منظومة منطقية، و لن يستطيعوا إدراكها بطريقة نقدية.
لذلك فإن أحد أهم أسباب نجاح التلاعب بالوعي السياسي الإجتماعي هو إمتلاك خارطة صور نمطية موثوقة لمجموعات السكان، أي الشعوب و فئاتهم المختلفة، أي السياق الثقافي للمجتمع المعني كله. فمن أهم أساليب التلاعب هو إستخدام الصور النمطية في “الإستحواذ على الأفراد” و هو أحد العمليات الأساسية للتلاعب بالوعي. حيث يجذب المتلاعب أي النخب في أثناء تنفيذها إنتباه الجمهور ثم يحافظ عليه و يضمه، أي يجعله مناصرًا لأحكامه و برامجه، فيتكيف المتلاعب في هذه المرحلة الإستثنائية مع صور الجمهور النمطية و لا يناقضها.
إذن ما تقوم به النخب السودانية المتأمرة في مركز السلطة و كما أكده رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال القائد عبد العزيز ادم الحلو إن المجلس العسكري الإنقلابي وقوَى الحرية و التغيير (المجلس المركزى) لا يرغبان في تحقيق تغيير حقيقي يُعالج جذور المشكلة في السُّودان، بل يسعيان لتسوية سياسية يقتسمان فيها السلطة. و قد إشترط المكون العسكري الحصول على ضمان حماية من الملاحقة و المُحاسبة القانونية في مقابل ذلك. وهذا الشرط هو سبب تأخر إعلان التسوية، جاء ذلك لدى مخاطبته عبر الوسائط اللقاء الذي نظَّمته جبهة طلاب السُّودان الجديد، حول قضايا الراهن السِّياسي.
و أبان الحلو أن النُخب السُّودانية ترفض التغيير في السُّودان للحفاظ على الإمتيازات التي تحصَّلوا عليها تاريخياً – ولذلك يفرضون الحروب على الهامش، وهم يؤمنون فقط بالحلول الأمنية و العسكرية ولا يريدون السَّلام و الإستقرار .
و تطرق رئيس الحركة الشعبية” إلي المخرج الوحيد المطروح في السُّودان و هو “رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال” – لأن الحركة الشعبية تسعَى لبناء دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، وهذا يحتاج لمُعالجة المشكلات من جذورها)، وأكَّد إنه لتحقيق ذلك لا بد من الآتي:
أولاً: إن يقوم الدستور الدائم بفصل الدِّين عن الدَّولة.
ثانياً: مُعالجة أزمة الهوية بتبني نظام حكم لا مركزي لفصل الهويات الثقافية و العرقية و الجهوية عن الدولة للمحافظة على وحدة السودان.
ثالثاً: إصلاح القطاع الأمني.
رابعآ: إصلاح القطاع الإقتصادي.
القراء الأماجد، كما تعلمون أن الشعب السوداني له نضالات تاريخية و تضحيات جسام لا يمكن إنكارها، و لا يقبل التلاعب بقضاياها المصيرية لذلك على النخب السودانية المتأمرة في قضايا شؤون الدولة عليها إيقاف التلاعب العبثي و ممارسة سيناريوهات الترميز التضليلي لقضايا جماهير شعبنا المشروعة و التقبل بمخاطبة جذور الأزمة للوصول لحلول مرضية تحافظ على وحدة السودان و تلبي تطلعات الشعب السوداني الأبي.
دام نضالات الشعب السودانى