هجم الضنك !
مناظير – زهير السراج
[email protected]
تحت ظل الظروف السيئة التي تعيشها البلاد والظروف المناخية السيئة وانعدام أبسط المقومات الصحية والتجاهل الرسمي المريع لمكافة الآفات والاوبئة والامراض وعدم الاهتمام بالبيئة، فضلا عن استمرار الفوضى والنزاعات الاهلية والقبلية، عاود فيروس الضنك (الحمى النزفية ــ حمى الدينج) ضربته مرة أخرى بعد اقل من سنتين وانتشر في ثمانية ولايات في الغرب والشرق واصاب حتى الآن اكثر من ألف شخص وربما أكثر، وفتك ب 10 أشخاص، تحت ظل تناقض حكومي في التصريحات ومحاولة بائسة ومفضوحة للتعتيم على الحالة الوبائية التي كانت تستدعي إعلان حالة الطوارئ الصحية في دارفور وكردفان على الاقل لاستقطاب الدعم الدولى واستغلال الامكانيات المحلية بشكل مثالي لمحاصرة الوباء خاصة مع سهولة انتشاره بواسطة البعوض المعروف ب (الزاعجة المصرية) واسعة الانتشار في السودان (وهى غير البعوضة الناقلة لمرض الملاريا)، كما أن المرض يصيب الانسان والحيوان على السواء خاصة الماشية وينتقل بينهما عن طريق لسعات البعوض، وهنالك من يتحدث عن ظهور إصابات في الماشية، ولو صح ذلك وتزامنت الحالة الوبائية في الانسان والحيوان، فقد يكون السودان معرضا لظهور حالة وبائية من الدرجة الاولي يصعب السيطرة عليها إلا بالكثير من الجهود والامكانات والوقت .. !
حمى الضنك مرض فيروسى سريع الانتشار، شديد الخطورة، يؤدى الى وفاة حوالى (5 %) من المصابين به، ولقد أصاب ما يزيد عن مليون شخص في البرازيل قبل عدة اعوام وقتل ما يزيد عن ألف شخص، كما انه تسبب في انتشار حمى الملاريا بشكل وبائي بسبب خفضه لمناعة المريض مما يسهل على طفيل الملاريا والبعوض الناقل للملاريا نشر المرض، وهو نفس ما يحدث الآن من ارتفاع نسبة الاصابة بحمى الملاريا في درافور وكرفان والنيل الابيض وشرق السودان الامر الذي يعني زيادة المعاناة وارتفاع نسبة الوفيات.
وما يزيد الأمر سوءا أن أعراض المرض لا تختلف كثيرا عن أعراض الإنفلونزا إلا عندما يتمكن من المريض، فيبدأ فى القئ المصحوب بالدم والنزف من الأنف، مما يجعل من الصعب حينها انقاذه من الموت، وهو مرض ليس له دواء سوى معالجة الأعراض!
يجب ان تتخلى الحكومة عن برودها الغريب املا في تحسن الاوضاع بشكل تلقائي بدون ان تتدخل لمحاصرة الوباء وهو ما يتطلب اعلان حالة الطوارئ الصحية الجزئية على الاقل في المناطق المتأثرة بشكل كبير مثل دارفور حتى يتحرك العالم للمساعدة في مواجهة الوضع الصحي المتردي الذى يزداد سوءا من يوم لآخر، بل من ساعة لأخرى، واستنفار الجهود المحلية، وليس هنالك ما يعيب في اعلان حالة الطوارئ الجزئية ولو أدت لاتخاذ تدابير وقائية من الدول والمنظمات في التعامل مع السودان لفترة مؤقتة، بدلا من دفن الرؤوس في الرمال، الى ان يستفحل الوضع ويخرج عن السيطرة!
لو ظن البعض أن هذا مجرد خيال او احتمال بعيد، فلينظر الى التاريخ القريب جدا لبعض الدول المحيطة بنا، مثل الكونغو وغينيا وليبيريا…إلخ، التي تفشى فيها وباء (الإيبولا) المميت قبل بضعة اعوام رغم اعلان حالة الطوارئ الصحية واتخاذ التدابير الوقائية الصارمة وانهمار سيل المساعدات الدولية الكثيفة، وانبه بهذه المناسبة الى اكتشاف العديد من الاصابات بالايبولا في دولة جنوب السودان بعد انتشاره مؤخرا في دولة يوغندا التي تعاني الآن من حالة وبائية في بعض مناطقها خاصة الشمالية المتاخمة لجنوب السودان!
وأرجو ألا يفوتنا النظر إلى الخريطة الصحية الحالية للبلاد، ونوع وخطورة الأمراض المتفشية التي يرتبط معظمها بتردي البيئة وانعدم القواعد الصحية السليمة سواء على المستوى الجماعي او الفردي، وتلوث مصادر الغذاء والماء بالميكروبات والانتشار الكثيف للذباب والبعوض (بأنواعه المختلفة) الذى ينقل الكثيرمن الامراض الخطيرة مثل الملاريا وحمى الضنك وحمى الوادي المتصدع وحمى (الشيكونغونيا) التي ضربت شرق السودان قبل عامين، وهى أمراض تنتشر بكثافة بعد انتهاء فصل الخريف واقتراب فصل الشتاء الدافئ في السودان الذى يكثر فيه انتشار البعوض لأسباب تتعلق بالظروف الطبيعية والمناخية المناسبة لتكاثره ونموه، وانتشار البرك الناتجة عن انفجار المواسير القديمة الناقلة للماء بسبب ارتفاع ضغط الماء لانخفاض نسبة الاستهلاك، بالإضافة الى عدم تجفيف المياه الراكدة في الحفر والبرك وااجهزة التكييف ..إلخ!
لا يكفى مواجهة الحالة الوبائية لحمى الضنك بالإجراءات الصحية الروتينية، وانما بإجراءات فوق العادة تستنفر كل الجهود الداخلية وتدعو العالم لتقديم المساعدة العاجلة، بدون تردد او تلكؤ او خوف، وإلا فان العاقبة ستكون وخيمة خاصة مع انعدام ابسط المقومات الصحية وانتشار سوء التغذية والحميات وعلى رأسها الملاريا بمعدلات أكثر ارتفاعا مقارنة بالاعوام السابقة رغم اننا ما زلنا في بداية موسم الانتشار، فضلا عن سوء الخدمات الصحية وغلاء العلاج … فهل تستجيب الحكومة أم تترك الناس عرضة للأذي والمعاناة والموت؟!