دلالات حديث عرمان وإصرار قحت على شرعنة الدعم السريع
✍🏿: الجاك محمود أحمد الجاك
إستمعت لحديث ياسر عرمان عضو المجلس المركزى لقوى الحرية والتغيير لقناة الجزيرة بوم الأحد ٨ نوفمبر ٢٠٢٢ وهو ينفى وجود أى علاقة له بحميدتى، زاعما أن ما يقال عنه فى هذا الخصوص يأتى فى سياق إستهدافه الشخصى من قبل المؤتمر الوطنى وأبواقه الإعلامية. وقال عرمان نحن ضد كل ما من شأنه أن يوتر العلاقات بين القوات المسلحة والدعم السريع، ونرى الحل فى تقارب القوات المسلحة والدعم السريع. الدعم السريع وحده لن يصل إلى إلى حل، والقوات المسلحة وحدها بدون القوات النظامية موحدة لن تصل إلى حل. هذا يحتاج إلى القوات النظامية موحدة لتصل إلى عملية سياسية موحدة يقبلها الشعب.
ورغم نفيه وجود أى علاقة له بحميدتى، لكن يفهم من كلام عرمان إعترافه بقوات الدعم السريع سيئة السمعة كجيش نظامى محترف. وبينما يصر عرمان على نفى وجود أى تقارب بين قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع السريع وهو ما يكذبه الواقع، يصف الإتهام بوجود تقارب بين قحت وقوات الدعم السريع بأنه محاولات لتشويه صورة الحرية والتغيير وشيطنة قواتالدعمالسريع، وتابع عرمان قائلا: (حتى تشويه صورة الدعم السريع غير مقبول ومضر بالشعب ومضر بالعملية السياسية). فالحقيقة التى لا جدال حولها أن الشارع هو من يمثل الشعب وقوى التغيير الحية، وقد قال الشارع كلمته (أن لا شرعية ولا تفاوض، وأن العسكر للثكنات والجنجويد يتحل)، فلا ندرى أى شعب يتحدث عنه هذا العرمان وهو يسبح بمكره المعهود وكبريائه الزائف عكس تيار الثورة ويحاول إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، ويصر على الوقوف فى الجانب الخطأ من التاريخ؟! إن حديث عرمان الذى يعتقد فى قدرته على التذاكى على الشارع وإستحماره فى ندوة قوى الحرية والتغيير فى عطبرة فى فى الخامس من أكتوبر الماضى عندما قال: (إن قوات الدعم السريع تصلح لأن تكون نواة للجيش الوطنى السودانى) يكذب نفيه لوجود تقارب بين الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع، فقد إستخف كثير من المتابعين بحديث عرمان فى ندوة عطبرة، فحسبه البعض مجرد تهريج سياسى، وأن الرجل صار أضحوكة ومثار للسخرية والتندر. لكن تحدثنا الحقائق والمعطيات على الأرض بأن عرمان قد قرر العودة إلى حاضنته العروبية متشبثا بثوابت المشروع الإسلاموعروبى، وأنه قرر أن يعمل وبهمة شديدة لتثبيت وفرض المشروع الإسلاموعروبى، وأن الرجل قد فارق مشروع السودان الجديد من غير رجعة لتنكشف حقيقته كجلابى عروبى وجنجويدى قح بعد نفاق ومخادعة طويلة للثوار عندما كان مدسوسا فى صفوفهم لأكثر من ثلاثة عقود متظاهرا بأنه مع مشروع السودان الجديد، وانه مع الوحدة العادلة ودولة المواطنة بلا تمييز…..يا للعهر السياسى! What a political prostitution!
ينسحب تحليلنا وتفسيرنا لحديث عرمان عن قوات الدعم السريع على حديث القيادى بقوى الحريه والتغيير البعثى والعروبى وجدى صالح عندما قال: (يا جماعة عشان أنحنا نكون واضحين ومنصفين، الدعم السريع تصدى لكل حركات التمرد وقام بدور، وتصدى لتفلتات أمنية…يعنى الدعم السريع ده أصبح جزء من المكونات وجزء من السلطة). إذن فقد إعترف وجدى صالح هو الآخر بقوات الدعم السريع وأضفى لها شرعية غير مستحقة، وهذا ما يفسر لماذا إعترفت قحت بقوات الدعم السريع أصلا، وقامت بشرعنتها فى الوثيقة الدستورية، وجعلت منها جيشا موازيا للقوات المسلحة! لقد سمعنا وشاهدنا البعثى العروبى والعنصرى وجدى وهو يمدح قوات الدعم السريع التى ينظر لها كجيش نظامى ووطنى ويصور ما قامت به من تطهير عرقى وإبادة جماعية وتنفيذها لسياسة الأرض المحروقة على أنها تصدى للتمرد، وهذا تواطؤ واضح ومفضوح مع جرائم الإبادة الجماعية والتطهيرالعرقى وجرائم الحرب والجرائم ضدالإنسانية، ولذلك لا نستغرب من صمت وسكوت هذا البعثى والعنصرى وجدى صالح وغيره من القحاتة أحفاد تجار الرقيق عن مجازر وفظائع قوات الدعم السريع فى قريضة وكرينك وجبل مون ومسترى ولقاوة وود الماحى والرصيرص والدمازين بإعتبار أن ضحايا الجنجويد فى تلك المناطق لا يشبهونهم (زى ماوقال ديل ما بشبهونا)، لأنه يعتبر مجرد وجودهم تشويه لشعار حزبه (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة!). بالطبع لم نرصد لحزب الأمة كقوة رئيسية فى تحالف قحت موقفا معلنا وواضحا حول مصير قوات الدعم السريع، لكن هذا لا يعنى تبرئة حزب الأمة من مشاركته فى ما جرى ويجرى طبخه من تسوية نتنة فى الغرف المغلقة، خاصة وأن تاريخ حزب الأمة يجعل منه الأب الشرعى والراعى والمرجعية التى أسست لفكرة التجمع العربى فى دارفور فى أعقاب مؤتمر الفارولينا ١٩٦٧، هذا التجمع العنصرى الذى خرجت من رحمه مليشيات الجنجويد والتى تم تطويرها فيما بعد إلى قوات الدعم السريع. كما أن حزب الأمة هو من أسس قوات المراحيل عندما قام وزير دفاع حكومة الصادق المهدى إبان الديكتاتورية المدنية الثالثة، ورئيس حزب الأمة حاليا اللواء فضل الله برمة ناصر بتسليح البقارة فى جبال النوبة، الأمر الذى دفع النوبة إلى حمل السلاح فى وجه المركز لممارسة حقهم المشروع فى الدفاع عن النفس بعد شعورهم بتهديد وجودى (Existential threat). وقد باركت حكومة الجبهة الإسلامية القومية فكرة قوات المراحيل وقامت بتطويرها إلى قوات الدفاع الشعبى بعد إعلان فتوى الجهاد على النوبة من الأبيض فى العام ١٩٩٢، تلك الفتوى التى إستباحت دماء النوبة وأرضهم وأموالهم وأعراضهم. وقوات الدفاع الشعبى هى مليشيات جهادية سيئة السمعة وقد أصدر رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الجنرال عبدالفتاح البرهان مرسوما قضى بتغيير إسمها إلى قوات الإحتياط وإتباعها رسميا لإدارة الإحتياط كوحدة عسكرية ضمن وحدات القوات المسلحة. ويعتبر تواطؤ وإجماع قوى الحرية والتغيير والعسكر والبيوتات الطائفية والتيارات السلفية على شرعنة قوات الدعم السريع وفرضها كأمر واقع نقطة تحول وعلامة فارقة فى تاريخ إدارة الأزمة والصراع فى السودان، وسوف يقود هذا التطور الخطير إلى الصوملة. فأى دولة تتبنى توجهات إستئصالية ضد جزء من شعوبها هى دولة غير قابلة للحياة، خاصة وأن الأقلية الحاكمة متمسكة بفرض ثوابتها بالقوة، وما زالت مسألة الهوية الوطنية تشكل القضية المحورية وأساس الصراع المستمر فى السودان منذ ستة وستون عاما، وبسببها ظلت تعمل الدولة على قهر وإخضاع وإبادة الآخر الثقافى والعرقى وتشريده من موطنه الأصلى، لا لسبب سوى أنه يمثل الآخر الثقافى فى بلده. وهذا ما يعطى هذا الآخر الثقافى الذى يواجه تهديد وجودى من الدولة حق طرح السؤال المشروع: (هل ما زالت هنالك مقومات حقيقية وموضوعية للوحدة العادلة فى السودان فى ظل إستمرار أزمة الهوية الوطنية وغياب العقد الإجتماعى وعدم وجود مشروع وطنى حقيقى منذ ما يسمى بإستقلال السودان)؟! أليس من الأفضل إعادة طرح حق تقرير المصير، وإن قادت ممارسة هذا الحق إلى إستقلال بعض أقاليم السودان ليبقى المركز وسدنته بهويته ونقاءه العرقى المزعوم وشريعته ليحكم نفسه كيفما شاء؟! أليس هذا أفضل بكثير من خيار الحرب والتى قد يؤدى إلى زوال السودان – كل السودان من الخارطة الجيوسياسية؟!
أرى أنه من السذاجة الإعتقاد بأن قحت كانت صادقة عندما نادت بإصلاح القطاع الأمنى. وقد تأكد لنا كذب ونفاق هؤلاء القحاتة عن بكرة أبيهم عندما إختبرنا مصداقيتهم وجديتهم بخصوص إصلاح القطاع الأمنى على طاولة التفاوض فى آخر جولة من محادثات السلام مع الحكومة الإنتقالية فى جوبا، فإتضح لنا حينها أن من كنا نفاوضهم هم سدنة المركز، أولاد الجلابة وأحفاد تجار الرقيق. بل تفيد تسريبات التسوية الثنائية الجارية بين قوى الحرية والتغيير والعسكر بوجود إتفاق بين الطرفين على منح قوات الدعم السريع الإستقلالية الكاملة من القوات المسلحة وتبعيتها لرأس الدولة، وواضح أن الهدف من ذلك هو تمكين قوات الدعم السريع حتى يتسنى لها تطوير قدراتها العسكرية فى التسليح بشراء وإمتلاك الأسلحة الإستراتيجية كالمدرعات والطيران والمسيرات. وتؤكد كل المعطيات والمؤشرات أن هذه البلطجة السياسية هى أساس الصفقة الحقيقية بين قحت والعسكر والجنجويد، ولكن هذه الصفقة إن حدثت بالفعل فستعد تطورا خطيرا وغير مسبوق، لأنها ستجعل من قوات الدعم السريع بمثابة حزب الله، ومن المؤكد أن هذه الخطوة ستغلق الباب مرة واحدة، وإلى الأبد أمام أى مسعى لبناء جيش وطنى واحد a unified national Sudanese army ، وسيترتب على ذلك نقل الصراع فى السودان إلى مرحلة جديدة ومختلفة كليا. هذا الصراع باتت نذره ومقدماته واضحة وشاخصة من خلال ما تقوم به قوات الدعم السريع على الأرض بصورة شبه يومية من هجمات ومجازر وقتل لشعبنا على أساس عرقى فى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وغيرها من أطراف السودان فى ظل صمت الجيش والقوات النظامية الأخرى، مقروءا مع صمت وتواطؤ الإعلام الرسمى وصمت قحت، فالواضح أن قوات الدعم السريع التى قامت بتفريخها إستخبارات القوات المسلحة تقوم بتنفيذ دقيق ومحكم لمهام وتكتيكات موكلة لها وفق سيناريو ومخطط مدروس من مركز السلطة فى الخرطوم….تقوم هذه القوات بشن حرب عنصرية غير معلنة رسميا، وتعمل على نقل نموذج دارفور إلى جبال النوبة والنبل الأزرق وتحاول إستفزاز وإستدراج الجيش الشعبى وجره إلى مربع المواجهة توطئة لإعلان حرب شاملة فى البلاد بهدف خلط الأوراق وقطع الطريق أمام التغيير. وما حدث فى لقاوة وودالماحى والدمازين، بالإضافة إلى ظهور سلسلة إغتيالات وتصفيات ممنهجة إستهدفت أبناء النوبة فى أجزاء متفرقة من جنوب كردفان يقوم بتنفيذها منسوبوا الدعم السريع من أبناء المسيرية والبقارة هذه الأيام ما هى إلا مقدمة لإعلان الحرب.
يبقى السؤال المحورى ما هو الهدف الحقيقى وراء إصرار قحت والعسكر على وجود جيوش قطاع خاص فى الدولة؟! جيوش ذات إستقلالية عن القوات المسلحة، وتتمتع بنفوذ سياسى وإقتصادى كبير، وعلاقات خارجية ولديها تحالفاتها الإقليمية والدولية المعلومة؟! أهو الشعور بخطر إنهيار جيش كتشنر، هذا الجيش الذى تشكل أساسه قوة دفاع السودان Sudan Defese Force والذى إستنزفته وأضعفته حروباته العبثية والعنصرية التى إستمرت ضد شعوب الهامش والشعوب الأصيلة فى السودان منذ العام ١٩٥٥، وأعياه فايروس التدخل فى السياسة والإنقلابات العسكرية؟! أم هو إستراتيجية جديدة من نخب المركز (عسكر وساسة أدمنوا الفشل) كنتاج لإصرارهم على فرض ثوابت المركز الإسلاموعروبى بهدف الإبقاء على هيمنة الأقلية الحاكمة والمحافظة على إمتيازاتها وإصرارها على الحيلولة دون المساس ببنية الدولة القديمة من خلال تكريس مشروعية العنف والغلبة؟!