لماذا قحت غير صادقة تجاه قضية إصلاح القطاع الأمنى ؟
✍🏿: على الزين
حينما تطرح أي قوى إجتماعية/سياسية شعارا للإصلاح فإن ذلك الإصلاح لا يتحدد بمضمونه فقط بل يرتبط بطبيعة القوى صاحبة هذا الشعار..
هنالك قوى تقدم مشروع لتغيير الدولة وأخرى لتغيير النظام ولأن الدولة ليست النظام (مجموعة من الأفراد الذين يمارسون السلطة بإسم الدولة) هنا يكمن الفرق بين التغيير الجذرى (تغيير الدولة) والأخر التسووى البرجوازي (تغيير السلطة) وقد كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال وقائدها الرفيق عبد العزيز الحلو هى من حقنت مفهوم إصلاح القطاع الأمنى بجسد الخطاب السياسي لثورة ديسمبر متجاوزة النموذج التقليدي لبرامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج إلى قضية أعمق.
ولأن خطاب التغيير الجذرى الشامل قد أصبح هو الخطاب المتروبولي للقوى الجماهيرية المنتفضة في أنحاء البلاد التي تتخذ من (سلطة الشعب) شعارا لها فإن قضية مثل إصلاح الأجهزة الأمنية يصبح مفروضا على قوى التسوية من خارجها ولذلك يظل مجرد أسطوانة خلفية خافته تكذبها الممارسة السياسية والأحداث
ولذا يكون السؤال بفجاجة، ولأ مواربة- لماذا قحت غير صادقة في قضية إصلاح الأجهزة الأمنية وتكرر إعترافها بجنجويد الدعم السريع في كافة مواثيقها إبتداءا من الوثيقة الدستورية وليس إنتهاءا بمشروع الدستور؟
مليشيات الجنجويد هى صناعة الأنظمة السودانية ولو لم تصنع بواسطة البشير لكانت سوف تصنع بواسطة أخرين كان لهم السبق في وضع بذور التأسيس (تسليح قوات المراحيل) فهى مليشيات لا يمكن أن تكون كيان مستقل او جوهر مفارق أو لها وجود ضدي للنظام الحاكم مهما إختلفت تسمياته وتكون تابعة ما لم يحدث التغيير في الدولة نفسها وليس في مجرد النظام وهذا ما يغري قوى التسوية وممثلها الشرعي (قحت) ويجعلهم مترددين و غير صادقين في قضية الإصلاح الأمني بل هم يحلمون بوراثة تلك المليشيات حال وصولهم إلى السلطة ويقف شاهدا علي ذلك فشل تلك المجموعة بصورة لا تقبل التأويل في الإختبار الأول الذي وضعتهم فيه الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال في مفاوضات الإتفاق الإطارى عندما إشترطت إصلاح القطاع الأمنى والعسكرى قبل تنفيذ الترتيبات الأمنية، وبناء على ذلك تقدمت بمقترح دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة. ولم تكتفي المجموعة المدنية المشاركة في وفد التفاوض من جانب الحكومة الإنتقالية بالإنتكاس فقط بل مارست أيضا التضليل من خلال تصريحات وزير شئون رئاسة مجلس الوزراء و المتحدث الرسمي بإسم وفد الحكومة الإنتقالية خالد عمر الذي أدلى بتصريحات إعلامية عن توافق بين طرفي التفاوض في تلك القضية لتضليل الرأي العام وإهدار أعظم الفرص التاريخية وبروز سمة التناقض التي ظلت ملازمة (لقحت) وكان مفهوما حينها الغرق الكامل لتلك المجموعة في بحر مصالح النخب السياسية والعسكرية.
ما يعزز زعمنا بأن المليشيات الحكومية في بلادنا وثيقة الإرتباط بنمط الأنظمة الحاكمة السابقة والقادمة ما لم يحدث تغيير في الدولة هو إرتكاز تمويلها على الإستحواذ على الموارد والرعاية الأجنبية وهي ذات طبيعة أهداف قوى الحرية والتغيير وسيتكاملان معا في شراكة سلطوية توفر فيها الأخيرة للأولى الغطاء السياسي بمعنى أن الشراكة نفسها في مفهوم قوى السودان القديم يكون بين أطراف سلطة ولكنها في حقيقتها هيمنة على الثروة والسلطة.
فالمليشيات الحكومية ترتبط بالنظام الحاكم كما أسلفنا ولكنها تعمل بصورة مضادة للدولة ويكون لديها حجم من القوة يفوق قوة الدولة ولذا هى ليست ضمن أدوات تغيير الدولة بل من أسباب إنهيار وزوال الدولة أي خارج مشروع التغيير الجذري ومنحازة للتغيير التسووي وفي خدمة السلطة البرجوازية خاصة تلك التي لا تمتلك مشروع سياسي يتضمن الإرادة والإستقلالية ومبادئ السيادة وقيم العدالة ومصالح الجماهير وقد شهدنا كيف شرعت المجموعة المدنية لقحت إبان تسلمها مقاليد السلطة في الفترة الإنتقالية برفع الدعم عن السلع والوقود، ولأن الدولة هي الدعم فقد شرعوا في إنهاء الدعم كأول معول في تحطيم الدولة فالدعم لديهم لا يعني غير الدعم السريع.