المصالحة مع الاسلاميين !

✍🏻 زهير السراج

 

 يخرج علينا بين حين وآخر من يتحدث عن المصالحة مع الاسلاميين منذ ما قبل سقوط نظامهم البائد، ومن بين تحدثوا عن ذلك الدكتور الشفيع خضر والأستاذ ياسر عرمان الذي غير رأيه فيما بعد، والأستاذ إبراهيم الشيخ (الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني) وغيرهم، وقد يكون فى ما اثاروه من افكار وملاحظات ما هو جدير بالنظر والتفكير، منها أنه بدون المصالحة مع الاسلاميين سيكون من الصعب الوصول الى الدولة المدنية الديمقراطية والاتفاق على التنافس السلمي على السلطة، الأمر الذي سيطيل أمد الازمة السياسية ويؤدي لاستمرار الدائرة الشريرة واستخدام القوة للسيطرة على السلطة وحرمان الآخرين منها، وقد يبدو هذا صحيحا، ولكن بأي شروط تتم هذه المصالحة، ومن الذي يضعها وهل يقبل الاسلاميون بها إذا تضمنت المحاسبة على الجرائم والأخطاء التي ارتكبوها طيلة الثلاثين عاما التي حكموا فيها السودان وأحدثوا الكثير من الدمار والخراب ؟!

* جاء في مقال للمرحوم (ابراهيم منعم منصور) قبل حوالى عامين ونصف ردا على دعوة الدكتور الشفيع خضر للمصالحة مع الاسلاميين، لخصه الأستاذ كمال الجزولي ما يلي:

* في عهد الإنقاذ اتَّخذ «الظلم» أشكالاً متعدِّدة تصبُّ في انتهاك حقوقنا «كمواطنين»؛ ومن هذه الأشكال:

1 – التَّمكين، كدرجة من الظلم أقسى من «الموت» عبَّر عنها صدَّام حسين، بقوله «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»! وكان ظلم الإنقاذ بالآلاف، فعمَّ البلاء كلَّ السُّودان.

2 – الاعتقال، ليس لأسابيع أو شهور، وإنَّما لسنوات طوال!

3 – التعذيب، لإذلال البشر، وقد تدرَّب ممارسوه في معاهد لإهانة الإنسان الذي كرمه الله، بالضَّرب، والصَّعق، والتَّجويع، وعدم العلاج المفضي إلى الموت البطيء ..إلخ، ولكن إرادة الله غالبة!

4 – إنتهاك حرمات البيوت والأسر، وكأن الذين يفعلون ذلك ليست لديهم أمهات وأخوات وزوجات!

5 – اغتصاب النِّساء، بل و والرِّجال، ولا أفيض فيه تقزُّزاً !

6 – التَّدمير بالحرق والقتل والنَّهب في دارفور، وتهجير النَّاس، وحراستهم في زرائب كالسَّوام لسنين عددا، لا يخرجون حتَّى وهم بحراسة دوليَّة تحميهم من حكومة بلادهم وجنودها النِّظاميِّين، وغير النظاميِّين، وبالمثل فيما أطلق عليه «المنطقتين: جنوب كردفان والنِّيل الأزرق»، لا لسبب، باعتراف رأس الدَّولة نفسها، وباعتراف راس النظام أيضاً، وارتكاب «الجَّريمة الأخرى» التي فاخر بها تفاخراً دنيئاً، ولا نتعرَّض لها إكراماً للحرائر!

7 – تدمير الشَّباب باستيراد حاويات المخدِّرات، وما كان لذلك أن يحدث دون حماية السُّلطة، بل دون قيام السُّلطة به، فهي للآن، لم تصل إلى مَن جلب هذه الحاويات للشَّباب!

8 – تدمير الحركة النقابيَّة والاتحادات الفئويَّة بتاريخها الناصع في تحقيق الاستقلال، وتفتيت الأحزاب بالمناصب والرَّشاوي، وتقسيم الأقاليم إلى كيانات صغيرة!

9 – تدمير الوطن، بإعادة القبليَّة، والإثنيَّة، والجِّهويَّة البغيضة.

* أخي الشَّفيع، ما أوردته قليل من كثير، فلم أذكر لك، وأنت الطبيب، الأدوية، والمحاليل المضروبة، ولم أتعرض للجُّرم الأكبر في تاريخ السُّودان، إن لم يكن في تاريخ الإنسانيَّة: «فضِّ الاعتصام» قتلاً، وحرقاً، واغتصاباً، وإغراقاً في النِّيل، وإخفاءً قسريَّاً للآدميين: جرائم لم يتمَّ حصرها، ولا حصر مرتكبيها، بل و«جنازات» لم تدفن، أو «يُرفع فراشها»، بعد!

* تعلم، أخي الشَّفيع، التدمير الذي حدث للسودان .. «مشروع الجزيرة – السِّكَّة حديد – النَّقل النَّهري – النَّقل الجَّوِّي – الخدمة المدنيَّة – المدارس القوميَّة – بخت الرِّضا – الحكم الاتِّحادي – النقابات والاتِّحادات – القوَّات النِّظاميَّة – القضاء»، وما تعرفه أكثر منِّي!

* إذا ضُمِّدت الجِّراح، و«رُفع الفراش»، وسُوِّيت الظلامات، وهدأت النُّفوس، ونزع الله «الثأر» من القلوب، فإن الروابط الأسريَّة، والجِّهويَّة، والنَّوازع الدِّينيَّة «بألا يهجر المسلم أخاه ، أو لا يدخل الجَّنَّة قاطع رحم» ستساعدنا على قبول بعضنا البعض؛ وعندئذٍ، وفي التَّوقيت الإنساني المناسب، سنستقبل الوفود!

* أمَّا من دمَّروا السُّودان بالفساد والإفساد، فكريَّاً وأيدولوجيَّاً، بإصرار وعمد، فسيصعب، إن لم يكن يستحيل، ان يتقبَّلهم الذين يعملون، الآن، على إعادة البناء. فالجرثومة التَّدميريَّة في دواخلهم لا تموت، بل تنمو دواماً، وتعمل بنفس الرُّوح، كلَّ يوم، وكلَّ ساعة، على خلق الأزمات، بمعاول الهدم، في تحدٍّ يتَّخذ من مناخ «الحريَّة» و«العدالة البطيئة» تربة للتَّخريب!

* ما لم يتم الوصول إلى نتائج ترتضيها النُّفوس والقلوب حول المصائب التي خلفها الإنقاذيُّون، لن يجد «التَّسامح» طريقه إلى العلاقات الوطنيَّة (انتهى).

* ذلك ما كتبه المرحوم (ابراهيم منعم منصور) ردا على دكتور الشفيع، ويبقى السؤال قائما، بأي شروط يتم التصالح ومن يكتبها وهل يقبل الاسلاميون بالاعتذار عن جرائمهم والمحاسبة عليها ؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.