أطفالنا والتشرد فى الشوارع مأساة لا تنتهى

✍🏿: نضال الطيب حامد

 

ظلت العاصمة السودانية الخرطوم وبعض المدن السودانية الأخرى تشهد زيادة كبيرة فى معدلات الأطفال المشردين، وذلك بأسباب كثيرة ومختلفة، منها الفقر والتفكك الأسرى أو الحرب الأهلية.. ويعتمد أغلب هؤلاء الأطفال المشردين على قضاء الليل والنوم في الأماكن العامة، مثل الأسواق والأزقة والبنايات الجديدة تحت التشييد، يبحثون عن الطعام فى فضلات المطاعم ومكبات النفايات وأطراف الدكاكين والقمامة، ولا يجدون الرعاية الصحية المطلوبة.

ومن المتوقع إرتفاع عدد هؤلاء الأطفال المشردين إلى أكبر نسبة خلال الفترة المقبلة، بسبب الظروف الإقتصادية الحالية السيئة التى تعيشها البلاد، وإفرازات الحرب الأهلية التى تندلع فى بعض مناطق الهامش السودانى.

وقد يقع هؤلاء الأطفال عرضة للإستغلال من بعض ضعاف النفوس فى الشبكات الإجرامية المنظمة، التى تجبرهم على التسول والقيام بالأعمال الإجرامية، وقد تتفاقم المشاكل التي تواجه الأطفال المشردين، لا سيما مع تطاول فترة التشرد بسبب عدم وجود المأوى، أو الإدمان على المخدرات وتعاطى مادة ( السلسيون ). وقد لا يستطيع أن يلجأ الطفل المشرد فى حالة المرض إلى المراكز الصحية للعلاج، لأن الإجراءات فى هذه المراكز الصحية معقدة جدأ، وتتطلب أورنيك ( ٨) الخاص من أقسام الشرطة، وهم يتعرضون لعدد من الإصابات أثناء حركتهم اليومية الدائمة فى وسط الأسواق.

إذاً تشرد هؤلاء الأطفال هو نتاج للفقر المدقع، بالإضافة إلى الأوضاع البيئية، وهذا يرتبط بالبناء المجتمعي غير السليم ومحتواه المحاط بالقيم والعادات والنزاعات المختلفة، وعدم شمولية العطاء المجتمعي الخير لهؤلاء الأطفال.. لذلك أصبح تشرد الأطفال إحدى وصمات العار التى تتسم بها مجتمعاتنا بعد ترهل الكثير من أعمدته الأساسية في التخلف والجهل وعدم التوعية بالمحافظة على الإطار السليم.

إن الحياة فى الشوارع قاسية جدأ، فى ظل ظروف إقتصادية صعبة، جعلت الحصول على لقمة العيش والكسرة وقطعة الخبز من أصعب الأمور على هؤلاء الأطفال، لذلك كثيرا ما نشاهد صور ومشاهد مؤلمة لأطفال مشردين يعتمدون بصورة أساسية على فضلات المطاعم فى تناول وجباتهم اليومية. وبالرغم من أن السودان به إختلاف فى أعراقه ومناطقهم المختلفة، يظل هناك تبنى معيار خاطئ لمفهوم الوعى المجتمعى، وسيبقى ويظل عقيماً بمقاييس التربية الصحيحة بين الدول إن لم يتغير، وهذا نتاج طبيعي لإنتشار الجهل بعدم معرفة التعامل مع شخصيات هؤلاء الأطفال النفسية فى أعمارهم المختلفة، وعدم الإهتمام بقدراتهم الذاتية، لأن شؤون وزارة الرعاية الإجتماعية تعتبر صورية فقط بالدولة لا تقوم بدورها المطلوب تجاه المجتمع بأكمله ناهيك عن أطفال التشرد.

لذلك أصبح التشرد هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام هؤلاء الأطفال للهروب من المشاكل الأسرية، ومن قضايا المجتمع الذى لا ينظر إلى حقوقهم وإحتياجاتهم النفسية والإقتصادية، فكان رد فعلهم الطبيعى هو الإبتعاد عن تقاليد هذا المجتمع والنزوح والتشرد، وكل ذلك ناتج عن عدم التعامل الإجتماعى والأخلاقى تجاههم.

إن تعاطى المواد المخدرة هو بمثابة أسلوب حياة، ونوع من أنواع الهروب اللاإرادى من العيش على هامش الحياة فى الأزقة والخيران بعيداً عن زخم المجتمع الذى ينظر إليهم بإحتقار إلى درجة أنهم فى أحياناً كثيرة يعينون من يحكمهم ويأتمرون بأمره، ويتواجدون في الشوارع كمناطق مقسمة بينهم، ولهم لغة خاصة بهم يتخاطبون بها تسمى لغة ( الرندوق). والنتيجة هى الخوف وسخط وغضب من المجتمع ومحاولة الإستقلالية بعيداً عنه.

لذلك على المجتمع السوداني، أن ينتبه إلى خطر ظاهرة تشرد الأطفال، ولا بد من تناول هذا الملف من منظور مسؤولية الدولة وإداراتها، من خلال تنظيم برنامج لتأهيل الصغار وتدريبهم على المهن المختلفة، وتأهيلهم بالتعليم وبالوعى المجتمعى وحقوقه وتذليل كل العقبات من أمامهم.. وعدم مخاطبتهم بالشماسة أو أولاد الشوارع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.