قراءة أولى لبيان البرهان !
مناظير - زهير السراج
لا اريد استباق ردود الفعل علي بيان البرهان، أو ابدو متشائما في التعليق عليه، وهو المسؤول عن ذلك إذ لم يترك لنا اية فرصة للتفاؤل أو الثقة فيه، ليس فقط منذ الانقلاب المشؤوم ولكن قبل ذلك بكثير منذ تعيينه رئيسا للمجلس العسكري المحلول الذي ارتكب مجزرة فض الاعتصام، ثم رئيسا لمجلس السيادة بعد الاتفاق السياسي مع قوى اعلان الحرية والتغيير في اغسطس 2019 حيث ظل حريصا على وضع العقبات أمام الحكومة والتحريض على شركائه الى ان انقلب عليهم في اكتوبر 2021 وارتكاب جرائم القتل الوحشية وقمع التظاهرات السلمية وحرية التعبير حتى قبل بضعة ايام، بالاضافة الى فترة عمله الطويلة مع النظام البائد وإنتمائه للمؤتمر الوطني المحلول وتميزه بالمكر والخبث وطبيعته الميالة للمرواغات حسب شهادة بعض زملائه في القوات المسلحة، وهو ما اثبتته التجارب خلال الثلاثة اعوام الماضية، فكيف يأتى ليحدثنا أمس عن إيمانه بالتحول الديمقراطي وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة والأسف على سقوط الضحايا وإزهاق الارواح وهو ما يصعب على أي أحد تصديقه ولو كان أكثر الناس حسن نية وصفاء قلب !
أقولها للجميع وبصراحة شديدة … لا تضعوا كل ثقتكم في البرهان ولا تأمنوا له، واحذروه حتى لا تلدغوا منه ومن الجحر الذي ينتمي إليه مرة أخرى، خاصة أنه ملئ بالافاعي السامة من شاكلة (على كرتي) وغيره، كما انه لا يتحرك ويفعل شيئا إلا باستشارة بعض القادة الاقليميين الذين لا يريدون خيرا للسودان ولا يرغبون في رؤيته دولة مدنية ديمقراطية صاحبة ارادة حرة تتمتع بالحرية والعمل السياسي الحر مما يجر عليهم الكثير من المشاكل، خاصة مع الازمات الاقتصادية الخانقة التي يعانون منها ويخشون من تداعياتها على سلطتهم !
كانت تلك مقدمة ضرورية لا بد منها للدخول في البيان الذي يتلخص في الآتي:
ــ عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في مفاوضات الآلية الثلاثية.
ــ إفساح المجال للقوى السياسية والثورية لتشكيل حكومة كفاءات من خلال الحوار.
ــ حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة والدعم السريع بعد تشكيل الحكومة، يتولى القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسؤولا عن الأمن والدفاع.
ــ لن تكون القوات المسلحة مطية لاية جهة سياسية وستبقى حارسا لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
ــ تحقيق االعدلة للضحايا.
كانت تلك ابرز النقاط التي وردت في البيان، ونبدأ بالنقطة الأخيرة ــ تحقيق العدالة للضحايا، وبدون الدخول في تفاصيل وإظهار روح تشاؤمية، فلقد ظللنا نسمع الكثير عن هذا الموضوع على لسان البرهان وبقية الطغمة الانقلابية منذ مجزرة فض اعتصام القيادة قبل ثلاثة اعوام بدون أن يتحقق أى شئ من ذلك ولو تقديم متهم واحد فقط للمحاكمة، بل ظلوا ينكرون كلما سقط المزيد من الشهداء ان تكون قواتهم هى التي تسببت في ذلك، وإنما جهات أخرى ظلوا يطلقون عليها إسم (الطرف الثالث)، كما انهم ظلوا منذ اللحظة الاولى لتكوين لجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام يضعون العقبات في طريقها ومنعها من ممارسة عملها بطريقة أو بأخرى، فلم نر لها أى انجاز ولم نسمع منها شيئا مفيدا غير بضعة أحاديث يدلي بها رئيسها الاستاذ (نبيل أديب) لاجهزة الاعلام من حين لآخر متحدثا عن المشاكل الفنية التي تعيق سير التحقيق، فكيف تراودنا أية ثقة في حديث البرهان أمس عن تحقيق العدالة للضحايا، إلا إذا كنا أغبياء لا نفهم شيئا، أو أن البرهان الذي نعرفه وخبرناه جيدا، تحول فجأة من شيطان الى ملاك قرر أخيرا الاعتراف بجرائمه وتحقيق العدالة للضحايا؟!
النقطة الثانية: الحديث عن افساح المجال للقوى السياسية لتكوين حكومة كفاءات من خلال الحوار يحمل في جوفه الكثير من المكر والدهاء، خاصة أن البيان ربط حل مجلس السيادة وتكوين المجلس الاعلى للقوات المسلحة ونأيها عن العمل السياسي بتشكيل الحكومة من خلال الحوار، وهى عملية طويلة ومعقدة قد تأخذ الكثير من الوقت والجهد مع التباينات الكثيرة بين القوى السياسية وتحالف بعضها مع الطغمة العسكرية الانقلابية ومشاركتها في السلطة وادارة الدولة في الوقت الحالي، الأمر الذي يعني أن تستمر الطغمة العسكرية الانقلابية وحلفاؤهم في ادارة شؤون الدولة اطول فترة ممكنة وربما حتى انتهاء الفترة الانتقالية إذا لم تصل أطراف الحوار الى اتفاق في وقت قريب، وهو في الغالب ما يريده الانقلابيون بالحديث عن تشكيل الحكومة عبر الحوار واللعب على خلافات الاضداد خاصة ان بعضهم لا يتحرك الا بموافقة الانقلابيين، بينما كان الطريق الاسهل والاسرع هو التراجع عن الانقلاب والاجراءات والقرارات التي اصدرها الانقلابيون الأمر الذي يسهل عملية الحوار والاتفاق بين الاطراف المختلفة !
غدا اواصل الحديث إن شاء الله، إنتظروني!