مأساة كرينك… ضحايا وشهود عيان يدلون بإفادات خطيرة (الجزء الثاني)

 

تقرير: أنس آدم– splmn.net

للمرة الثانية …  تجدّد الهجمات على “كرينك” بولاية غرب دارفور

تجدّدت هجمات مليشيات الجنجويد صباح الأحد 24 أبريل 2022 على منطقة كرينك بولاية غرب دارفور للمرة الثانية على التوالي خلال ثلاثة أيام. وأفادت التقارير الواردة من موقع الحدث بواسطة شبكة المراسلين التابعة للموقع الرسمى “splmn.net” أن مليشيات الجنجويد شنت هجوما واسعا على كرينك” التى تبعد “80” كلم شرق مدينة الجنينة – حاضرة الولاية، من جميع الإتجاهات مستخدمة الأسلحة الثقيلة والخفيفة على متن عربات ذات الدفع الرباعي والدراجات النارية والجمال والحصين، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، إلى جانب نهب وحرق منازل المواطنين.

وأبان تجمع معسكرات النازحين واللاجئين بدار مساليت فى بيان أصدره الأحد 24 أبريل، أن قوات الدعم السريع التابعة للجنة أمن الولاية والتي توجد بكرينك مشاركة أصيلة في ما أسماه “الهجوم الغادر”. وكشف التجمع، عن طائرة تابعة للحكومة، قال “انها حلِّقت مساء السبت 23 أبريل 2022 فى سماء محلية كرينك، لإعطاء فرصة وخطة كافية لترتيب وعودة الجنجويد من جديد وبصورة أكثر وحشية”.

هذا، فقد أجرت شبكة مراسلى الموقع الرسمى “splmn.net” مقابلات حصرية مع شهود عيان وناجين من المجزرة التى وصفها مراقبون “بالجريمة البشعة”. ورأى الموقع الإلكترونى، لإعتبارت منها أمنية ضرورة حجب أسماء شهود عيان، الذين نجوا من الموت المحتم باعجوبة، وأدلوا بدورهم بشهادات وإفادات مهمة وخطيرة تعكس واقع مأساة مواطن كرينك.

هجمات فى ثلاثة إتجاهات … وتدمير كامل لسوق كرينك

أفاد أحد شهود عيان نجا من المجزرة، أن مليشيات مسلحة تحركت صباح الأحد 24 أبريل في ثلاثة إتجاهات “مشاة” مع إطلاق كثيف للنيران من جميع الأسلحة الثقيلة والخفيفة – فى الإتجاة الغربى من منطقة معسكر “أبوجا” وأسفر الهجوم عن نهب وحرق المنازل وتدمير كامل لسوق كرينك، وبالإضافة إلى حالات إغتصاب بين النساء، فضلا عن إعتداء المليشيات على مستشفى كرينك وتصفيتها لجرحى هجمات يوم الجمعة 22 أبريل الذين كانوا يتلِّقون العلاج داخل المستشفى. ويروي شاهد عيان ان المواطنين من نساء، أطفال وكبار السن عاشوا لحظات صعبة، أصبحوا مشردين فى العراء وسط موجات الجوع والعطش… مستنجدا بالقوات الأممية لحماية المدنيين والمنظمات الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية.

مقتل “9” شيوخ داخل مسجد

ولدى إدلائه بشهادته حول المجزرة، وصف “ح.م.ا” البالغ من العمر “35” عاما، إدعاءات المليشيات بأنّها كانت تبحث عن مجرمين دخلوا كرينك، “بالخدعة” تبريرا لهجماتها على كرينك. قائلا: “وهذا ما حدث فعلا” متهما الحكومة بضلوعها فى هذه الجريمة. ووفقا لوجهة نظره، فإن الصراع فى ولاية غرب دارفور يتمحور حول الأرض والموارد، مثل ما حدث فى جبل مون وجبل عامر، مفيدا بأن مجزرة كرينك بتاريخ 24 أبريل راح ضحيتها “203” شهيدا من بينهم الأطفال والنساء. ويقول فى روايته: “منهم من لقى حتفه زبحا بلا رحمة داخل مستشفى كرينك وهناك “9” شيوخ قتلوا بدم بارد داخل مسجد كرينك بالإضافة إلى إصابة نحو “136” آخرين. وتابع:  “وبالتالى الصراع في كرينك بين الدولة والمواطن، بإعتبار أن مليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو هى التى نفذت الجريمة، “نقولها بالواضح ودون تخوف. “على حد قوله”.

وأماط “ح.م.ا” اللّثام عن حجم القوة التى هاجمت كرينك، مبينا أنّها تُقدر ب “6” ألف فرد من المليشيات وأكثر من “250” عربة رباعية الدفع و”2″ دبابة. وقال: “إنها ليست قوات عادية، والهدف معروف بالنسبة لنا وهو إبادة البشرة السوداء، وهذه الإبادة مستمرة منذ العام 2003.” وإستطرد فى حديثه قائلا: “هذه المليشيات لا ميثاق لها”. ويرى “ح.م.ا” أن آفاق الحلول تكمن فى تقرير مصير دار مساليت وفق إتفاق قيلاني فى العام 1922. حاثا المنظمات الدولية والمجتمع الدولى بالتدخل العاجل لوضع حد لإستهدافات المليشيات. وإنتقد “ح.م.ا” وهو أحد شهود عيان، إتفاق جوبا، جازما أنِّه تسبب فى تفاقم المشكلة وزاد الوضع سوءا، خاصة في كرينك. ذاكرا حصيلة مجازر كرينك المتكررة بعد إتفاق جوبا والتى بلغت “600” شهيدا “حسب روايته”. وعبِّر عن رفضهم القاطع لإتفاق جوبا – ونقول بالصوت العالى هذا الإتفاق لا يمثلنا ونطالب بالحماية الدولية تحت البند السابع “على حد تعبيره”.

صراع قديم … وإستهداف للبشرة السوداء

وأكد (ا.ع –29 عاما) أن الصراع في المنطقة قديم بسبب الموارد وإستهداف للبشرة السوداء. وقال: “لذلك يقتلوننا فى ظل صمت القوات النظامية، مما يثبت تورطها وتواطئها مع هذه المليشيات” وأضاف: “حلِّقت طائرة فى كرينك بتاريخ 23 أبريل لمدة “4” ساعات قبل الهجوم وكذلك أثناء تنفيذ الهجمات بتاريخ 24 أبريل”، رافضا وصف ما يحدث بأنه صراع قبلي مقارنة بحجم العتاد العسكرى الذي تمتلكه المليشيات المعتدية، علاوة على مشاركة مليشيات الدعم السريع بعربات دفع رباعى. وأردف: “الحكومة الإنقلابية لا تستطيع أن توفر الأمن، لذلك لابد من تغييرها”.

مجلس الفرش … والتلويح بممارسة حق تقرير المصير

وفى خطوة تصعيدية، لوٍّح مجلس ديوان الفرش بورقة حق تقرير المصير بناءا على إتفاق قيلاني للعام 1922 وذلك فى حال إستمرار الأوضاع على ما هي عليه. وأوضح مجلس ديوان الفرش، الذي يُعد المكون الأساسي للحواكير وفروشيات السلطنة فى بيان أصدره على خلفية مجزرة كرينك، أن قرى وحواضر دار مساليت تعرضت منذ ديسمبر 2019 إلى ما أسماه “بالهجمات البربرية والوحشية” من قبل المليشيات المسلحة، المدعومة والمسنودة من قوات الدعم السريع بهدف تنفيذ الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وتدمير القدرات الإقتصادية وإخضاع السُكان الأصليين.

وطالب ديوان الفرش، الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بوضع دار مساليت تحت الحماية الدولية وفق البند السابع لحماية المدنيين من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، مشددا على الإبعاد الكامل والفوري لقوات الدعم السريع من السلطنة بعد تورطها وفق الأدلة الموثقة في كل الجرائم التي ارتكبت و ما زالت ترتكب في حق المدنيين العزل بالمنطقة. مناشدا المنظمات الإنسانية بالإسراع فى تقديم خدماتها للمتأثرين من أحداث العنف الدامية بالسلطنة.

ويرى الناطق الرسمى بإسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين – آدم رجال، أن المليشيات والحكومة أعدت خطة لإستيطان الوافدين، معتقدا أنه عمل مرتب ومنظم من أجل إستيطان الوافدين فى دارفور. وأشار رجال، إلى أن هذه الخطة منذ عهد البشير والأن تسير فى ذات الإتجاه فى مناطق غرب ووسط وجنوب دارفور. وفى معرض رده عن سؤال (ماذا عن إتفاق جوبا والتعامل مع الوضع؟) قال رجال: “كل ما يتعلق بإتفاق جوبا، نحن كنازحين أو منسقية عامة لا يمثلنا لا من قريب ولا من بعيد”، مضيفا: “لم يتم مشاورتنا بل وصلوا وأخذوا أناس بالوكالة عن المنسقية العامة ومشوا مثلونا، هم ما كان بمثلوا النازحين”. وأردف: “حتى الذين ذهبوا عند عودتهم لا يستطيعون التحدث لأنهم لم يذهبوا بإرادة النازحين”.

ومن جهته، قال الناطق الرسمى بإسم حركة/جيش تحرير السُّودان – محمد عبد الرحمن الناير فى حوار نشره “القدس العربى” قال: “إن قضية السُّودان فى دارفور شائكة ومعقدة كتعقيدات الواقع السُّودانى”، نافيا أن تكون حربا بين قبائل ومكونات إجتماعية كما يزعم البعض، بل هى مصنوعة بواسطة الصفوة السياسية قبل وبعد نظام المؤتمر الوطنى. “على حد قوله”. وأشار الناير، إلى أن القبائل تم تسليحها على أساس عرقى لتنفيذ مخططات الحكومات التى تسعى لإستدامة حكمها، معبّرا عن أسفه لأن الموقعين على الإتفاق بإسم دارفور لم يكلفوا أنفسهم حتى بزيارة المناطق المنكوبة فى أحداث غرب دارفور الأخيرة لتأدية واجب العزاء فقط.

القراي ينتفض … “جثث متناثرة هنا وهناك”

وقال د. عمر القراي الذى وصف الحادثة “بالمجزرة الفظيعة” فى مقال كتبه على خلفية مجزرة كرينك، قال: (جثثت متناثرة هنا وهناك، لأطفال ونساء وعجائز وعجزة، وقطاطي وبيوت مشتعلة بالنيران، وأخرى أصبحت بما فيها رماداً.. وصراخ الأطفال وبكاء النساء، وتكبير وحوقلة الرجال، تملأ الفضاء بين القرية والمقابر.. والناس يحملون الجنائز الى  حيث يحفر الشباب صفاً من القبور).

وتابع القراي، (نحن نود أن نسأل البرهان أين كانت القوات المسلحة حين استبيحت كرينك” ؟! لماذا لم يدافعوا عنها في وجه المعتدين ؟!  فإن كانوا يخافون قوات الدعم السريع فما أضعفهم، وإن كانوا متآمرين معها فما أحقرهم، وأبعدهم عن الوطنية).

وهاجم القراي القوى السياسية، متسائلا أين الأحزاب السياسية؟! لماذا لم تدن مجزرة  “كرينك”؟ ولماذا لم تحمل مسؤوليتها للمكون العسكري للحكومة، لأنه الذي يدير البلاد الآن، بعد أن عجز عن تكوين حكومة مدنية؟! وما موقف الأحزاب والمجموعات المسلحة التي دعمت انقلاب البرهان؟

تقارير … وردود أفعال دولية

وكشف تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية – أوتشا بالسُّودان، بعد نحو “11” يوم من مجزرة كرينك” عن حالات النزوح التى تراوحت ما بين “85” إلى “115” ألفا نزحوا” جراء أحداث العنف الأخيرة فى ولاية غرب دارفور السُّودانية”. وأوضح التقرير، أن الوضع فى “كرينك” بعد زيارة بعثة منظمات غير حكومية محلية ودولية فى الشهر الماضى يشكل مصدر قلق كبير مع نقص مواد الإغاثة الرئيسية.

وألقت بريطانيا بثقلها على ملف الإنتهاكات بدارفور لا سيما الجرائم الأخيرة التى إرتكبتها المليشيات فى كرينك، حيث حمِّل السفير البريطانى لدى السُّودان- جايلز ليفر، الجمعة 29 أبريل 2022، السُّلطات السُّودانية والحركات المسلحة في السُّودان مسئولية حماية المدنيين، مشددا على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى دارفور. وفى تغريدة له، أبان ليفر: “أنه إلتقى مع المبعوث البريطانى الخاص للقرن الافريقى والبحر الأحمر فيليب بارهام، بناشطات من دارفور، مشيرا إلى أن تحليلهن للوضع على الأرض في دافور “مقلق للغاية”.

ومن جهتهم إستنكر ممثلو الإتحاد الأوروبى والدول الخمس الذين زاروا الخرطوم، ما وصفوه “بالوضع الهشّ” لعملية السلام في السُّودان الذى يعكسه بشكل مأساوى مقتل أكثر من “200” شخص مؤخرا فى غرب دارفور”. وعبِّر الوفد عن “إدانته الشديدة للعنف” مؤكدا أن “السلام المستدام فى دارفور ومناطق أخرى من السُودان مرتبط بشكل وثيق بالإنتقال المدنى إلى الديموقراطية”.

وتُجدر الإشارة إلى أن لجنة أطباء السُّودان المركزية، أعلنت إرتفاع حصيلة ضحايا مجزرة كرينك بولاية غرب دارفور إلى “200” قتيل، بعد يوم من تشكيل النيابة لجنة تحقيق فى تلك الأحداث. وقالت “إنّه جرى دفن آخرين قبل توثيق وفاتهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.