16 مايو الميلاد الذهبي
تهاني الخليفة
عندما استدعي قلمي لأكتب عن الحركة الشعبية اتأكد أولاً أن أسطوانة حِبره مهزولة الفصيل لأني لا أكتب فقط بل أستدعي ذاك الكفاح البطولي الممتدة لقرابة الأربعة عقود من الزمان، أكتب عن تضحيات شعبنا من أجل الحرية والكرامة، ومناهضة الديكتاتوريات وإنتهاك حقوق الإنسان، أكتب عن نضال من أجل تحقيق إستقرار دستوري لم يتذوق طعمه السودان قط، نضال ضد قوى القمع، الإعتساف، الإستبداد والتعصب بشتى أشكاله.
يوم ١٦ مايو من العام ١٩٨٣، يوم إستثنائي أحدث تحولات في مسار النضال السوداني، هو تاريخ يستحق الإحتفاء والوقوف عنده، فاليوم ليس بعادي أنه تسعة وثلاثون عام من التضحيات والبحث والتطوير والتحديث والتنقيب عن جذور الأزمات، تسعة وثلاثون عاماً قدّم فيها شعبنا أرتال من الشهداء ونهور من الدماء وتضحيات أخرى لايُثمنها الإ تحقيق الأهداف السامية كالحرية.
نحن رفاق ورفيقات الحركة الشعبية نحتفل في هذا اليوم العظيم ليس فقط لأنه يوم تأسيس وإنطلاق لأطول كفاح في أفريقيا، وليس إستعادة فقط للذاكرة البطولية، أوإعترافاً بالنضالات التاريخية لشعبنا، لأن في هذا اليوم نجدد إلتزامنا ونواثق بالتحرير الكامل لشعب السودان أجمع، كما نجدد عزمنا لبناء وطن ذو مستقبل واعد مستلهمين برؤية السودان الجديد الذي يتم فيه القضاء على كل أشكال التفاوت والتمايز الإجتماعي، السياسي والإقتصادي وأعتقد أن بناء مستقبل أفضل للسودان لايتم الإ عبر تأسيس نظام إجتماعي، سياسي وإقتصادي قائم على مبادئ التحرير، الحرية، المساواة، الديمقراطية، العدالة، إحترام حقوق الإنسان والتنمية إجتماعية كانت أو إقتصادية متوازنة لتحقيق الإزدهار.
الحركة الشعبية هي المنظومة التي لا تشيخ فهي دائماً حاضرة بقوة وحيوية وفي أوج نشاطها تنضال وتكافح بشتى السبل وتحّدث وتواكب حتى أصبح مشروع السودان الجديد وقيادته رهان وأمل الكثير من الثوار والجماهير ويعتبرونه الخلاص لهم، فالحركة الشعبية بنضالها الطويل تسعى لبناء ذاكرة سودانية خلاّقة بعيداً سياسات النادي السياسي القديم المبنية على التبعية والتماهي.
الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال قبل وبعد ثورة ديسمبر وعلى طاولة المفاوضات أيضاً ظلت تطرح وبكل قوة ضرورة مخاطبة جذور الأزمات متمثلة في الأسئلة التي فشلت الأيديولوجيات الرجعية حتى في طرحها وهي :
سؤال من نحن (سؤال الهُوية).
سؤال كيف نُحكم؟
سؤال الدين والدولة.
كيفية بناء جيش وطني مهني بعقيدة عسكرية جديدة ويعكس التنوع الذي تزخر به الدولة السودانية.
وفي هذه السطور سأتناول آخر تساؤل (بناء الجيش).
إذن لماذا طرحت الحركة الشعبية ضرورة بناء جيش وطني مهني وبعقيدة عسكرية جديدة؟
أولاً : للقضاء على السلاسل الموازية له من مليشيات التي بدورها عبارة عن جيوش مؤدلجة ومصنوعة لحماية النظام و الجيش الوطني هيئة متمايزة ومتكاملة مع النظام.
ثانيا: القضاء على العوامل التي سلبته قدرته القتالية وإحترافيته العملياتية في حماية حدود الوطن (فالجيش يحارب فقط مواطنيه ومؤخراً إنحسرت مهامه في قمع وقتل وتنكيل المتظاهرين السلميين).
ثالثا: القضاء على الزبائنية والمحسوبية وهنا ينقطع الطريق أمام صنّاع السلاسل الموازية له.
رابعا: الفصل بين العقيدة السياسية بصفتها الزمانية وبين عقيدة الجيش بصفته الثباتية في الدفاع عن حدود الوطن وحماية الدستور وهذا يعني نهاية التعلق المُستميت للعسكر بالسلطة.
المزايا أعلاه على سبيل الذكر لا الحصر صعُب على شركاء حكومة ما قبل الإنقلاب فهمُها والنتيجة إجهاض ثورة عظيمة والإنقضاض على الحكومة الإنتقالية.
الحركة الشعبية لا تنخرط في مفاوضات لا تُفضي لسلام عادل يلبى أشواق الجماهير وحريصة فقط على السلام الذي يخاطب جذور الأزمة السودانية حتى لا نعود لمربع الحروب مرة أخرى وقد صرّح به القائد عبد العزيز آدم الحلو – رئيس الحركة الشعبية في مأثوره الذي شغل الأسافير والأوساط السياسية (نحن لا نسعى إلى إتِّفاق يوفِّر مقاعد لقلةٍ من الأفراد تحصل بموجبه على إمتيازات على حساب الشعب، وإنما نُكافح من أجل سلام يُخاطب جذور المشكلة لتحقيق تغييراً شاملاً ينعكس على حياة كل سوداني عدلاً وسلاماً وإستقراراً وتنمية ورفاه).
وسلاماً وتعظيماً لرفاقنا الذين بذروا بذرة النضال الحقيقي في رحم السودان، وميلاداً ذهبياً مجيد لكل الرفاق بمختلف مستوياتهم التنظيمية وفي مختلف جغرافياتهم.