مأساة كرينك… ضحايا وشهود عيان يدلون بإفادات خطيرة (الجزء الأول)
أنس ادم ابراهيم
شكلت مجزرة مدينة كرينك التى إرتكبتها مليشيات الدعم السريع والجنجويد فى نهاية أبريل الماضى، وصمة عار ليست فى جبين السُلطة الإنقلابية وحدها بل حتى النخبة المركزية بمختلف قواها السياسية والمدنية التى إكتفت بعضها ببيانات الإدانة والإستنكار وأخرى لازت بالصمت .. مجزرة كرينك التى هزت الضمير الإنسانى العالمى وشغلت حيزا كبيرا فى تقارير المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية والأمم المتحدة ووكالاتها وبيانات السفارات والبعثات الدبلوماسية، تعاطت معاها بعض القوى السياسية كحدث عابر وبطريقة لا ترتقى وحجم الجريمة، بيانات فاترة، صدرت من باب حفظ ماء الوجه، “بحسب الضحايا أنفسهم” الذين رأوا عدم إيلاء الإهتمام الكافى لمأساتهم حتى من القوى التى تعتقد أنّها ثورية. هكذا أعادت مجزرة كرينك العديد من الأسئلة الجوهرية إلى الواجهة .. الهوية الوطنية .. هل الوجدان السُّودانى واحد؟ .. العدالة والمحاسبة.. المواطنة المتساوية .. قضية الأرض..العنصرية… الخ.
ظلت وما تزال قرى ومحليات فى ولايات دارفور تحت رحمة هجمات وفوضى مليشيات الدعم السريع والجنجويد، لا سيما ولاية غرب دارفور التى وقعت عليها العبء الأكبر من عبث المليشيات العربية المسلحة … حيث الإنتهاكات المستمرة والممنهجة من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.. “إغتصابات، قتل عشوائي، تشريد، نهب، إختفاء قسري، وحرق القرى” كل هذه الإستهدافات تتم فى ظل صمت مريب ودعم من الحكومات المركزية. فكانت كريندنق، مستري، الجبل، قيلو، جبل مون، بئر دقيق، تنجكي، قيلاني، أديكونق، خور سلالم، كرينك حتى الجنينة، جرائم بشعة تصدرت مانشيتات الصحف، المواقع الإلكترونية وإمتلأت بها صفحات تقارير المنظمات الإقليمية والدولية.
كرينك المكلومة… كيف بدأت المجزرة؟
أفادت التقارير الوارد من كرينك بواسطة شبكة المراسلين، التابعة للمواقع الرسمى “splmn.net” إلى أن مليشيات الجنجويد جاءت إلى مدينة كرينك يوم الجمعة 22 أبريل 2022. وزعمت انها تبحث عن مجرمين – جناة قتلوا شخصين فى منطقة نائية ثم هربوا – وقالت المليشيات “إنها تتبعت أثر هؤلاء الجناة، إلى أن إنتهت بهم عملية البحث على مسافة تبعد أكثر من “10” كيلومتر من مدينة كرينك وإختفى الأثر. وطلبت مليشيات الجنجويد من المدير التنفيذي لمحلية كرينك، تسليم الجناة والسلاح الذي أرتكب به جريمة القتل “من العدم وفى غضون ساعتين”.
وبحسب تأكيدات شهود عيان ومواطنى المنطقة، أوضحوا أنّه لا يوجد جناة أو مجرمين دخلوا مدينة كرينك، وإعتبر مواطنو المنطقة رواية المليشيات بمثابة إختلاق لمشكلة، كما انها لا تعدو كونها حبكة وزريعة لإستباحة كرينك. “على حد قول مواطني كرينك”. وقامت مليشيات الجنجويد قبل الموعد الذى قطعته للمدير التنفيذى لتسليم الجناة من عدم، بشن هجوم مكثف، مستخدمة جميع الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأسفر الهجوم عن قتلى وجرحى نقلوا إلى مستشفى كرينك لتلقى العلاج.
وإتهم تجمع معسكرات النازحين واللاجئين بدار مساليت فى بيان له رقم “43” مليشيات الجنجويد بشن هجوم، صباح الجمعة 22 أبريل 2022 على مواطني كرينك بولاية غرب دارفور، وأسفر عن سقوط “8” شهداء و”16″ جريحا.
مجزرة كرينك بعيون الضحايا.. الناجين وشهود عيان
هذا، فقد تمكنت شبكة مراسلى الموقع الرسمى “splmn.net” من إجراء مقابلات حصرية مع شهود عيان والناجين من المجزرة التى وصفها مراقبون “بالجريمة البشعة”، الذين أدلوا بدورهم بإفادات خطيرة. ولإعتبارات منها أمنية رأى الموقع الإلكترونى عدم نشر أسماء الناجين وشهود عيان، الذين قدّموا شهاداتهم وإفاداتهم فى هذا التقرير.
وفى معرض حديثه حول المجزرة البشعة، قال (ح. ي ع) – يبلغ من العمر “23” والذى تعرض لإصابة فى الرجلين اليمين واليسار، قال: “بدأت مجزرة كرينك يوم الجمعة 22 أبريل، بمجئ مليشيات الجنجويد والدعم السريع يوم الجمعة 22 أبريل إلى المنطقة بزريعة البحث عن جناة قتلوا شخصين”. وأوضح (ح.ي.ع)، أن المشكلة ليست قبلية كما تحاول بعض الجهات الترويج لها، فهى مشكلة سياسية بحته، وذلك بدليل أن القوة التى هاجمت كانت كبيرة و بعتادة عسكرى لا يمكن أن يمتلكه مواطنين عاديين، مبينا أن المليشيات التى هاجمت كرينك كانت على متن سيارات رباعية الدفع تقدّر عددها بــ “300” عربة، أغلبيتها تحمل لوحات الدعم السريع. قائلا: “لذلك نقول إنها مشكلة سياسية”. وأضاف معلقا على إتفاق جوبا: “إن إتفاق جوبا لم ولن تحل مشكلة، وطالب المجتمع الدولى، بالتدخل العاجل لحماية المدنيين، معتبرا الإتفاقيات التى وقعت بين الإدارات الأهلية لحل المشكلة، فبركة وضحك على الأبرياء ولن تساهم فى حل الأزمة، لجهة أنها أكبر من مستوى الإدرارت الأهلية.
نجاة من الموت باعجوبة:
وكشف (إ. آ) عن تعرضه للعنف المميت والتعذيب الشديد بواسطة مليشيات الجنجويد التى هاجمت كرينك، وأنه تم رميه فى النار، ولحسن حظه نجا من الموت المحتم باعجوبة، ليتم نقله بعد ما أسماه “كابوسا” لن ينساه إلى مستشفى الجنينة لتلقى العلاج. “نحنا مواطنين مسالمين وما عندنا أسلحة ولا شئ ندافع بيهو عن أنفسنا “على حد قوله”.
قصة مروعة … تفاصيلها إصابات وسط العائلة ومقتل شقيق
وأكد (ن. م. أ – “33” عاما) والذى أصيب فى رجله بالرصاص الحى، أن ما حدث فى كرينك ليس صراعا قبليا، وإنما صراعات من أجل السيطرة على الأرض، من خلال إتباع سياسية الأرض المحروقة وتهجير وتشريد السُّكان الأصليين، شارحا حيثيات المجزرة بأنها هجمات عنيفة من مليشيات الجنجويد والدعم السريع بــ أكثر من”250″ عربة رباعية الدفع، “150” منها بلوحات الدعم السريع و”100″ عربة أخرى بدون لوحات. وقال (ن.م.أ) “بينما كنتُ فى المنزل أثناء الهجوم، سمعنا دوي الأسلحة الثقيلة والخفيفة، هربتُ ومعى عائلتى، فقامت هذه المليشيات بمطاردتنا مع إطلاق نار كثيف فى إتجاهنا وعندما وصلنا نهاية المنطقة، تعرضتُ لإصابة خطيرة وكذلك إبن أختى، فيما لقى شقيقى حتفه فى الحال متأثرا بجراحه”. وتابع: “لقد رأيتُ هذا المشهد الفظيع بعينى وسيارات الدعم السريع حولنا بلوحات واضحة لا يمكن إنكارها، فضلا عن تحليق طائرة أنتنوف فوق كرينك أثناء الهجوم، وعلى الأرجح كانت تقوم بتوفير غطاء أمنى جوي للمليشيات”. وشكك (م.ن.أ) فى مصداقية الحكومة والوفود التى جاءت من الخرطوم لحل الأزمة، واصفا إياها “بالمنحازة”، ومشددا على أن إتفاق جوبا لا يمثلهم وأنهم كمواطنين رفضوا هذا الإتفاق، بإعتباره إتفاق محاصصة. وجدد مطالبتهم بقوات أممية لإنقاذ أرواح المواطنين العزل.
غطاء أمنى .. وضوء أخضر من الحكومة:
وقال أحد الناجين من المجزرة – شاهد عيان، إن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، مؤكدا أن مليشيات الجنجويد قامت بالهجوم على كرينك فى العام 2022 فقط “6” مرات. ونبّه إلى وجود تطهير عرقي ممنهج تقوم به مليشيات الدعم السريع ضد المجموعات الافريقية بولاية غرب دارفور، كاشفا عن تحضيرات تمت قبل الهجوم على كرينك، بحشد مليشيات من شرق كبكابية “بوادي حراز” والتى إحتفلت (المليشيات) قبل إنطلاقة الهجمات، مؤكدا أن جزء كبير من هذه المليشيات جاءت من النيجر وتشاد مع تحفيز كل فرد منهم بملغ قدره “4” مليارات سُّودانى، يتم تسليمه بعد تنفيذ مهمة الهجوم. وإتهم شاهد (أحد الناجين): الحكومة بإعطاء الضوء الأخضر للمليشيات لتنفيذ المخطط، مبررا بأن الحكومة كانت لديها معلومات كافية حول مخطط الهجوم قبل تنفيذه، علاوة على ذلك ، تحركت هذه المليشيات تحت غطاءا أمنيا مكون من أفراد يتبعون لإستخبارات الدعم السريع، كانوا على متن “22” عربة تاتشر ويرتدون زي القوات المسلحة.
الخدعة .. طائرة انتنوف تقوم بمهام تضليل المواطنين:
إلى ذلك، أبان (م.أ) من كتلة ثوار ولاية غرب دارفور، أن هجمات يوم الجمعة 22 أبريل 2022 على كرينك، كانت بقيادة ثلاثة ضباط من الدعم السريع، وهم رائد/ حسان بكاي، ونقيب/ موسى جاوين وملازم أول/ جمعة جودة. موضحا أن طائرة أنتنوف شاركت فى الهجوم بمهام تضليل مواطني كرينك بأنهم تحت حماية الدولة والقوات النظامية. قائلا: “تلك كانت خدعة خبيثة لإفساح المجال لتلك المليشيات لإرتكاب الفظائع و الإنتهاكات وإستباحة كرينك. وإعتبر (م. أ) خطة الهجوم على محلية كرينك ما هى إلا مواصلة لإستراتيجية وسياسات تغيير الهوية الإفريقية وإستمرارا لحملة نهب الموارد. وإعتقد (م.أ) أن الموارد سبب رئيسى فى الإستهدافات الممنهجة من قتل للنساء، الأطفال وكبار السن حتى الحيوانات، كاشفا عن حجم المليشيات التى نفذت الهجوم، بحشد وتعبئة من مناطق “خوربرنقا، وأم دخن ، وكبكابية” ومعها “300” عربة رباعية الدفع، دراجات نارية وبالإضافة إلى الخيول.
وفى سياق زى صلة، قالت كتلة ثوار ولاية غرب دارفور فى بيان أصدرته الجمعة 22 أبريل 2022 “شنت مليشيات الجنجويد صباح الجمعة، هجمات بالأسلحة الثقيلة على محلية كرينك مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. وتابع البيان، “تأتي هذه الهجمات المستمرة على مناطق وأماكن متفرقة من الولاية فى الوقت الذى تنشغل فيه حكومة ولاية غرب دارفور بإقامة الإفطارات الرمضانية والليالي الساهرة فى الفنادق الفاخرة على حساب الضحايا من النازحين واللاجئين.
وأدانت الكتلة فى بيانها، ما أسمته “الهجمات الوحشية” على المواطنين، متهمة الوالى فى الإشتراك فى المخططات التى تهدف لإقتحام مناطق السُكان الأصليين من حين لآخر. بدليل عدم إتخاذه القرارات الحاسمة لحماية الضحايا والمدنيين، فضلا عن “تواطئه وتغطيته للجرائم المرتكبة بواسطة قوات الدعم السريع والتى تؤكد أنه جزء أساسى فى تنفيذ سياسات المليشيا بل راعى رسمى لها”. بحسب البيان. وطالبت الكتلة، المجتمع الدولى والأمم المتحدة عبر بعثة اليونيتامس بالتدخل العاجل والسريع لإنقاذ حياة المدنيين العزل من الإعتداءات المستمرة من قبل مليشيات الدعم السريع والجنجويد.
وإتهمت الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال، بمناطق سيطرة الحكومة فى بيان لها، ما أسمته “عصابات الدعم السريع” و حلفائها من مليشيات النهب و الترويع، بمواصلة أبشع جرائم التقتيل و الإبادة والحرق و الإغتصاب في إستهانة وقحة بكرامة الإنسان السُّوداني و إهدار لئيم لحقه في الحياة و الأمن. وأكد محمد يوسف أحمد المصطفى – رئيس الحركة الشعبية بمناطق سيطرة الحكومة، أن الحركة الشعبية، وفاءا لإلتزامها التاريخى بمناصرة المقهورين، لن تتوانى في الذود عن الوطن و بناته و أبنائه.
وتُجدر الإشارة، إلى أن محلية كرينك الواقعة فى ولاية غرب دارفور، كانت تسمى سابقا بمجلس ريفى كرينك، وتتكون المحلية الآن من خمسة وحدات إدارية، هى: “كرينك – رئاسة المحلية، مورني، أم تجوك، أزرني بالإضافة إلى قندرني”.
“ونواصل فى الجزء الثانى”