ما العمل؟ مزيدا من العمل.

علاء الدين محمود

 

مازال البعض يمارس لعبة تسريب اليأس وسط الثوار، من أجل التخلي عن فكرة التغيير الثوري الجذري، وجرهم جرا إلى طريق يأبونه وهو الحوار الذي يقود إلى التسوية مع العسكر والشراكة مجددا، سواء كانت بذات الطريقة القديمة أو بأخرى جديدة تختفي فيها الوجوه القديمة، وفي الحالتين فإن ذلك المسعى يعني أن يظل القديم باقيا، أن يعلن هزيمة الثورة والاستعاضة عنها بإصلاحات هنا وهناك لا تغيير كثيرا من واقع الدولة القديمة.

ويتجلى ذلك المسعى بصورة واضحة في تلك الأسئلة التي يواجهون بها الثوار في كل حين، وهي: ما الحلول التي تحملونها للقضية الفلانية، ماذا ستفعلون في مواجهة القضية العلانية؟ ما هي رؤيتكم وتصوركم للحكم بعد سقوط النظام؟ ولعل بعض من ذلك ظهر واضحا عقب أول موكب تحرك بعد انقلاب البرهان والذي وصل فيه الثوار إلى داخل القصر الجمهوري عنوة كدا واقتدارا، حينها تسأل ذات النفر عن ماذا بعد؟ كيف ستحكمون البلاد؟

الواقع أن غالبية الثوار ليس لديهم عداء تجاه القوى الحزبية، ولكنهم ضد تلك التي تحمل حلولا يحافظ فيها القديم على وجوده واستمراريته، وعلى ذلك الأساس؛ أي الموقف من الثورة حدث تمايزا كبيرا في الشارع، ومن جهة صار الثوار يبحثون عن كل الوسائل الممكنة لأجل انجاز الفعل الثوري، وفي ذات الوقت تعمل القوى المعادية لهذا الاتجاه بكل عزمها على فرض رؤيتها باعتبارها رؤية واقعية وبالتالي عقلانية، تلك الهيجلية التي ورثها العالمين “كل ما هو واقعي هو عقلاني”، وهم يقومون بالترويج لرؤيتهم تلك عقب إقامة عقبات وصعوبات عبر تلك الأسئلة التي يراد منها أن تظهر الثوريين بمظهر الحالمين واليوتوبيين، وهم كذلك بالفعل، لكنهم يعملون في ذات الوقت على تحقيق حلمهم بطرق مختلفة.

وربما يكون ما يدعوا له البعض مما يرونه “رؤية واقعية”، أمر صحيح في الوصول لصيغة للحكم، لكنه لن يقود بأية حال من الأحوال إلى التغيير الحقيقي الذي يقطع مع الدولة القديمة من أجل تأسيس واقع جديد يقوم على العدل والتحرر الاجتماعي والسياسي وبالتالي السلام الحقيقي، ولعل ما يجعل المضي في طريق الثورة سبيلا لابد منه، هو أن السير في الطريق القديم لم يعد ممكنا، لم يعد بالمستطاع حكم السودان بذات الطريقة القديمة، لم يعد من الممكن السير في طريق التسليم والتسلم التاريخية والذي يحافظ على جهاز الدولة القديم، ويحافظ على مصالح القوى الاجتماعية القديمة التي توارثت الحكم منذ الاستقلال، لم يعد ذلك ممكنا، إذا لابد من طريق التغيير الجذري وتحطيم الدولة القديمة بمصالحها وامتيازاتها.

إن الثوري لا يملك الإجابة المسبقة على كل سؤال، ولا الرؤية الجاهزة، بل يتوصل إلى الحلول والإجابات والرؤى من خلال الفعل الثوري، من خلال العمل وسط الجماهير، لذلك فإن الإجابات على الكثير من الأسئلة تكون في بعض الأحيان مؤجلة ويكشف عنها عمل الثوريين مع بعضهم البعض، من خلال ما يقدمونه من أطروحات تصبح هي المادة الأولى للحل في كل مشكلة يواجهونها.

إن مشاكل الثوريين تحل بمزيد من العمل، وبمزيد من المحاولات والأخطاء، ومزيد من الرؤى وتوسيع قاعدة الفعل الثوري عبر الاتجاه نحو جماهير جديدة من أجل اجتذابها لمصلحة الثورة، عبر مخاطبة قضايا ربما لم تخاطب في الماضي؛ أي بداية الثورة، ذلك سيقود إلى كسب جماهير لم تكن تشارك في الفعل الثوري بصورة منظمة؛ أي عبر الأجسام التي تمثلهم، ولابد، في هذا السياق، من السعي نحو قيام النقابات العمالية والمهنية، مهما كانت الصعوبات التي ستواجه ذلك الفعل، بل يمكن التعامل معها كمعركة ثورية قائمة بذاتها، وهنا يتعلم الثوار أن المعارك التي يقوم بها الثوري ليست فقط تلك الموجهة ضد النظام، بل وكذلك في اتجاه ما يقوي ويحفظ العمل الثوري، ولتكن المعركة القادمة هي تنظيم الجماهير في كل مواقعها وتشكيل أجسامها واختيار ممثليها لأن تلك هي الروافع التي ينهض عليها العمل الثوري المستمر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.