عشاري أحمد محمود خليل، عبقرية متوهمة لنخاس صغير (3)
أ. خالد إبراهيم كودى - بوسطن
أ/ دكتور عشاري أحمد محمود خليل الكضاب، وتختصر:
(عشاري الكضاب الصغير) :
قام الدكتور عشاري بترجمة شخصية للنسخة الأصيلة من إعلان المبادئ الموقع بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة السودان ونشر الترجمة في كتابه. تختلف ترجمته عن الترجمة الرسمية للوثيقة، إلا أنه إستخدم ترجمته الخاصة في الإحتيال الذي يرمي به الآخرين! خفة كلاسيكية. وفي هذا الجزء من المقال سنقبض عليه في شر إحتياله، ثم نناقش لماذا عمد أن يلفق على الحركة الشعبية مواقف من بنات خياله، ثم ونفكك تحيزه اللا أخلاقي المبني على التنميط العنصري والتاريخي فيما سيأتي من مقالات. سنعتمد الترجمة الرسمية لإعلان المبادئ لا النسخة التي زورها بترجمته الخاصة به.
الدكتور عشاري أحمد محمود خليل يكن العداء لثورة السودان الجديد، وكتابه محاولات لتشويهها ليس بالحق، إنما بالباطل، وعلى التلفيق أسس الدكتور عشاري أحمد محمود خليل كتابه (إعلان المبادئ وسراب العلمانية) برمته، أسسه على تضليل وأكاذيب وسيستمر القبض عليه متلبسا في هذه السلسلة من المقالات!
الكذبة الأولى:
يقول عشاري تحت عنوان (ما يكشفه إعلان المبادئ وما يخفيه) إن هناك مكونات مدفونة، مخفية كليا أو جزئيا في إعلان المبادئ الذي وقعته الحركة الشعبية مع حكومة السودان، منها:
(الغاء إمكانية دسترة الدولة بتحويل الوثيقة الدستورية لتكون هي الدستور الدائم للبلاد)!
فهو يقول أن الحركة الشعبية لا تريد دسترة البلاد من ناحية، ومن الناحية الأخرى يقول أن الحركة الشعبية إتفقت مع حكومة السودان في إعلان المبادئ على أن تتحول الوثيقة الدستورية لتكون هي الدستور الدائم للبلاد!! وفوق أن التناقض واضح الا أن الدكتور يتجاهل أن الحركة الشعبية لا تعتد بالوثيقة الدستورية أصلا، ولم توقع عليها، فكيف تتفق مع أيا كان على أن تتحول وثيقة لم ترتقي الي سقف طموحاتها الي دستور دائم للبلاد؟
وفي عدد من فقرات كتابه، يردد عشاري المقولة ادناه:
(أن الحركة الشعبية قد إتفقت علي إلغاء إمكانية دسترة البلاد، وأن تتحول الوثيقة الدستورية لتكون هي الدستور الدائم في البلاد).
وأسس عشاري على هذا الإفتراض عدة صفحات!
والفقرة الأصلية في إعلان المبادئ بين الحكومة الإنتقالية وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال تقول الآتي:
(ما يتفق عليه بين الطرفين سيتم إعتباره في عملية تطوير الوثيقة الدستورية، لتكون هذه الوثيقة المطورة دستورا دائما بنهاية الفترة الإنتقالية)
واضح التلفيق من قبل عشاري.
فأولا، الحركة الشعبية لم تتفق مع حكومة السودان على أي شيء بعد. لايزال مناضلو الحركة الشعبية في مناطق سيطرة الحكومة بكل قطاعاتهم من قياداتهم إلي قواعدهم وعلي رأسهم الشباب الكنداكات، لايزالوا ينظمون، ويقودون ويشاركون في المظاهرات السلمية وتتريس الشوارع مثل كل دعاة التغيير للحرية والعدالة والمساواة والسلام في السودان، كما لايزال مناضلو الحركة الشعبية في المناطق التي حرروها بدماء الشباب وعرق كل قطاعات المجتمعات، لايزالوا يعزقون الأرض ويبنون ويسنون القوانين التي تعبر عن المضامين الإجتماعية/الثقافية والإقتصادية والسياسية لوطن يعدل ويساوي بين الجميع ويحترم إنسانية الجميع.
ولم ولن تتفق الحركة الشعبية على إلغاء إمكانية دسترة البلاد. لن تفعل، فالحركة الشعبية لا تريد إلغاء دسترة البلاد كما لفق دكتور عشاري الكضاب، بل العكس، الحركة الشعبية تناضل لأجل وطن يكون القانون الأعلى فيه دستور دائم يعبر عن جميع المواطنين، وتناضل لأن يستصحب الدستور مبادئ فوق دستورية أساسها الحقوق الأساسية والقوانين والمعاهدات الدولية، ثم وهل يمكن أن توجد دولة حديثة بدون دستور أصلا؟!
ثانيا، في الإعلان الذي وقعت عليه الحركة الشعبية تصور لعملية (process)، تكون نتائجها معتبرة ضمن عملية تطوير الوثيقة الدستورية. أي هنالك تصور وطرح لمراحل متعددة وعمليات متقاطعة. والنخب التي قادت كل أوجه الحياة في سودان ما بعد الإستعمار عجزت عن إدراك هذه التقاطعات، ولم تلبي الإحتياجات المادية والثقافية للسودانيين ففشلت في صناعة دستور يعبر عن التعدد في السودان.
الحركة الشعبية لم ترتجل موقفها التفاوضي، ولم تصيغ رؤيتها لإيجاد دستور دائم للسودان عشوائيا، بل أسست رؤيتها علي تاريخ الدولة السودانية وبنيتها المعطوبة، وعلي تجربة سيرورة المظالم التاريخية التي تعيق بناء دولة حديثة من ناحية، ومن الناحية الأخرى إستصحبت الحركة الشعبية تاريخ الدساتير السودانية، مع مقاربات عميقة لدساتير دول أخرى في عدد من إصداراتها وفي عشرات المحاضرات التعليمية واللقاءات التعريفية والورش الإستشارية، وقد ورد هذا في أحد أهم وثائقها المبذولة للجميع، وثيقة (المبادئ فوق الدستورية) حيث يستحيل الحديث عن تبلور الموقف التفاوضي للحركة الشعبية بناءا على ما طرحته في جولات التفاوض المختلفة مع الحكومات السودانية دون الإعتماد علي وثائقها المجازة من مؤسساتها الديمقراطية التي عالجت قضية الدستور، ودون إصدارات مراكز الدراسات التي تبلور رؤاها ومن أهم هذه الوثائق، وثيقة المبادئ فوق الدستورية.
فآليات صناعة الدستور كما تراها الحركة الشعبية هى: 1/ المنبر التفاوضى 2/ مفوضية كتابة الدستور يتم الإتفاق عليها فى المنبر التفاوضى 3/ الإستفتاء الشعبى).
فبالإضافة للآليات الفنية، عرف تاريخ السودان الحديث إقرار وإعتماد منابر التفاوض مع الحركات المسلحة كجزء من آليات صناعة الدستور كما جاء في وثيقة المبادئ فوق الدستورية وعدد من الإصدارات، وهي:
أ/ دستور السودان الإنتقالي لسنة 1973، وإحدى آليات صناعته هو منبر مُحادثات السلام بأديس أبابا بين الحكومة السودانية وأنانيا (2) بقيادة جوزيف لاقو.
ب/ دستور جمهورية السودان لسنة 1998، و إحدى آليات صناعته هو منبر مُحادثات السلام بين حكومة جمهورية السودان والحركة الشعبية لإستقلال جنوب السودان بقيادة د. رياك مشار و د. لام أكول، وفيما بعد الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة بقيادة محمد هارون كافي ويونس دومي كالو.
ج/ دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005، وإحدى الياته منبر مُحادثات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان.
أما بخصوص المفوضية، فقد ورد في وثيقة المبادئ فوق الدستورية الآتي:
(أننا نرى أن المفوضية الدستورية يجب أن يُتَّفق عليها شكلاً وموضوعاً (التكوين، والمهام) في المنبر التفاوضي ومن ثم تقوم بصياغة وتضمين نصوص الإتفاق في الإعلان الدستوري الذي سيحكم الفترة الإنتقالية التي سيتَّفق عليها في المنبر التفاوضي، و على أن يُشكِّل هذا الدستور الإنتقالي مشروع الدستور الدائم، وتقوم المفوضية بتصميم برامج وفق القانون لإنزال هذا الدستور للشعوب السودانية، ومن ثم عرضه عليهم في إستفتاء شعبي بعد إنفاذ برامج العودة الطوعية والإحصاء السكاني وغيره من التدابير ذات الصلة و قبل نهاية الفترة الإنتقالية و إجراء أي إنتخابات).
موقف الحركة الشعبية من هذه القضية مؤسس أيضا على التجربة العملية في الأراضي المحررة التي يسود فيها اليوم دستور ديمقراطي فاعل ومجاز من أعلى مؤسسة تشريعية هى مجلس التحرير القومي.
فدكتورعشاري الكضاب النصاب والمحتال، يترك كل هذا ويكتب (أن الحركة الشعبية قد إتفقت على إلغاء إمكانية دسترة البلاد، وأن تتحول الوثيقة الدستورية لتكون هي الدستور الدائم في البلاد)!
أما الأسئلة: أين، وكيف ومتى ولماذا؟
وماهي أدلته المادية؟
الدكتور لا يدري، فهو يزيف، ويفترض من عنده ويبنى على ما إفترض والسلام – تزييف وعي الناس وتسطيحهم وخداعهم يتم بسلطة زائفة توفرها التراتيبية الإجتماعية والدرجة الأكاديمية والتي في السودان للأسف تنتج مثل أكاذيب هذا المحتال !
ما جاء في كتاب (اعلان المبادئ وسراب العلمانية)، واضح أن الدكتور عشاري أحمد محمود خليل مرتبك، مشوش الرؤية والبوصلة الأخلاقية والمهنية/الأكاديمية معا. فهو في حالة إستصحاب دون حياء لحالة (كرام المواطنين 1924) المادية والأخلاقية، اؤلائك الذين دبجوا المذكرات الي المستعمر البريطاني إحتجاجا على تحريم ممارسة النخاسة في أبناء وبنات وطنهم، متحججين بأن حرية الناس تفسدهم. عشاري يواصل هذا التقليد، ومثلهم لا يرى في إنسان الهامش سوى (مأمور) ودائما في حالة إحتياج إلي منقذ. النخاس الصغير حول هذا الإسقاط إلي خطاب كراهية وعداء وإستهداف بعنصرية تجاه شعوب الهامش عموما والنوبة تحديدا.
في كتاب إعلان المبادئ، عشاري عاجز عن هضم واقع وحقيقة أن النوبة والفونج يمكنهم أن يفكروا مثلهم مثل الآخرين ويبادروا بما هو أصل مفيد لهم ولأبناء وبنات السودان العريض. عشاري وأمثاله كثر، لا يطيقون رؤية نجاح يتجاوز سقف ماتعودوا عليه من فشل تاريخي تجاه معالجة قضايا البناء الوطني منذ الإستقلال، خاصة إن كان هذا النجاح تحقق من غير قيادة من مجتمع أمثالهم من النخب أو الأكاديميين الفشنك (وسنعالج عقدة عشاري من مناضلين مثل د. محمد يوسف احمد المصطفي ود. محمد جلال هاشم في سياق آخر). النخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل يعادي سبق وتفوق الحركة الشعبية وما حققته من نجاح في تبني وتفعيل بنية دستورية وقانونية صلبة تسعى القوى الثورية في غير المناطق المحررة إلي الوصول إليها.
في المقال القادم سنتناول (الكذبة الثانية) وهى أن الحركة الشعبية قد إتفقت في إعلان المبادئ على (تثبيت الشريعة الإسلامية في الدولة) !
خالد كودي،
بوسطن 26/1/2022