بعد إستقالة حمدوك… السّودان إلى المجهول
نقلا عن النهار العربي: splmn.net
سميح صعب
أعادت استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك السودان إلى المربع الأول. وإذ لم تشكل الاستقالة في ذاتها مفاجأة لأن تسريبات سبقتها في هذا الشأن، فإنها أتت تعبيراً عن الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأمور في السودان، منذ أن أعلن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي سلسلة إجراءات انقلابية على الوثيقة الدستورية لعام 2019.
وعلى هذا يمكن القول إن إستقالة حمدوك ربما تأخرت كل هذا الوقت، وأنها كان يجب أن تحصل فور إعلان البرهان حل المجلس السيادي الذي انبثق من الوثيقة الدستورية، وفيه تقاسم الجيش السلطة مع المدنيين كمرحلة انتقالية تجري في نهايتها انتخابات تشريعية عام 2023. ونصّت الوثيقة على أن يتسلم العسكريون رئاسة المجلس السيادي حتى الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على أن يتسلم المكوّن المدني رئاسة المجلس في الفترة الثانية الفاصلة عن الانتخابات.
لكن قبل خمسة أيام من تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، أعلن البرهان حل المجلس وتأسيس مجلس سيادي اقتصر فيه التمثيل على العسكريين، واعتقل حمدوك ومعظم الوزراء، قبل أن يطلقهم تحت الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. واضطر البرهان إلى إعادة حمدوك إلى منصبه رئيساً للوزراء.
والضغط الدولي نفسه جعل حمدوك يوقع في 21 تشرين الثاني على “اتفاق سياسي” مع البرهان، بهدف “حقن الدماء” على تعبير حمدوك نفسه.
بيد أن العامل الذي غيّر المعادلة، كان الشعب السوداني نفسه الذي رفض انقلاب البرهان، ورفض انصياع حمدوك للضغوط الغربية التي جعلته يوقع على “الاتفاق السياسي”، الذي يكرّس في واقع الأمر أن يكون حمدوك واجهة مدنية للحكم العسكري.
وكان لاستمرار التظاهرات في الشارع، والتي قابلتها القوى الأمنية بمزيد من القمع الدامي، الأثر الأكبر في جعل حمدوك يحسم أمره ويقدم استقالته، رغم أن الغرب قد سلّم على ما يبدو بحكم العسكريين، ولم يعد يلحّ على ضرورة الإسراع بإنجاز عملية الانتقال السياسي.
إن استمرار التظاهرات المطالبة بالحكم المدني ورجوع الجيش إلى ثكناته، أحرجا حمدوك، الذي لا يبدو أنه يريد أن يكون شريكاً للجيش في قمع حركة المطالبة بالديموقراطية. هذه الحركة هي التي أسقطت حكم عمر البشير في نيسان (أبريل) 2019، بعد أشهر من الحراك الشعبي.
لكن الجيش الذي ضحى بالبشير، كي يحتفظ هو بالسلطة بعدما أدرك زخم الانتفاضة، لجأ إلى مناورة تشكيل المجلس السيادي مناصفة مع المدنيين وإلى القبول بالوثيقة الدستورية في آب (أغسطس) 2019، والتي تم وفقها التوافق في وقت لاحق على اختيار حمدوك الآتي من الميدان الأكاديمي الاقتصادي، كي يكون رئيساً للوزراء.
وفعلاً، احتضن المجتمع الدولي السلطة الانتقالية، وقدم تسهيلات اقتصادية لبلد مثقل بالديون الخارجية التي تصل إلى 60 مليار دولار، على أمل أن تمضي العملية السياسية إلى نهاياتها المحددة بإجراء الانتخابات أوائل 2023.
والآن، بعد استقالة حمدوك، بات الجيش السوداني في مواجهة مباشرة مع الشارع المطالب بالحكم المدني. وممارسة مزيد من القمع، قد تجعل المحتجين أكثر تصميماً على تسريع عملية الانتقال السياسي. وكثير من القوى السودانية التي كانت تهادن العسكريين، على أمل أن يتمكن حمدوك من تشكيل حكومة مدنية يكون لها دور في قيادة العملية السياسية، سيكون عليها حسم خياراتها، إما الوقوف إلى جانب الجنرالات أو مساندة المتظاهرين.
يمر السودان بمرحلة صعبة جداً، والأمور مفتوحة على شتى الاحتمالات، من عدم اليقين السياسي، إلى تصاعد المواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين.
ويبدو أن الهوة تتجه إلى الاتساع بين العسكريين والشارع، ما يجعل السودان يتجه نحو المجهول.