هل هي أناركية أم فوضى ؟
عبدالسلام نورين
فوضى المصطلحات والمفاهيم غالبا ما تتسبب في أذى معرفي كبير للمجتمعات، ولا سيما عندما تتدوال المصطلحات بطريقة فيها نوع من الاسراف. في المظاهرات الأخيرة التي انتظمت في مدن السودان – رفعت عدة لافتات وشعارات تعبر عن تطلعات الشعوب السودانية. واحدة من هذا الشعارات أعتبرها مهمة – وتكمن أهميتها في كونها جديدة وفريدة من نوعها، مقارنة بمثيلاتها من الشعارات الأخرى التي رفعت في خضم الأجواء الثورية الساعية والطامحة لإحداث قطيعة موضوعية مع الأوضاع السائدة ثقافيا وسياسيا، بالمقابل هنالك جماعات محافظة واعية بإمتيازاتها الاقتصادية والثقافية وأخرى جاهلة بوضعها الطبقي وترفض كل ما هو جديد وتقاومه مقاومة شرسة … الجماعات الرافضة، بالطبع تتوفر لديها الدراية والمصلحة لرفض الأفكار التقدمية وتقوم بتشويها أو شيطنتها – وتشويه الاناركية أشبه بتشويه مفهوم العلمانية وحقوق الإنسان ومفاهيم أخرى.من الصعب فهم أو محاكمة أي مصطلح خارج عملياته المفاهيمية …أقصد كيف ظهر المصطلح وكيف تتطور المفهوم؟ في الحقيقة مصطلح الاناركية هو مصطلح أغريقي أخذ حيز كبير من التداول في اللغات اللاتينية وخصوصا في القرن التاسع عشر، وتطور في سياق مختلف بعيدا عن بيئتنا السودانية منذ ماكس اشتاينر إلى بيير جوزف بردون وباكونيين وكوبكتين …. الخ. هنالك كلمتين مختلفين وتعنيان شيئان مختلفان ولكن نجد أن هنالك صعوبة كبيرة للتمييز بينهما عند العربفون (الناطقين باللغة العربية) … كلمة chaos وتعني الفوضى في شكلها المعهود أي غياب التنظيم désordre أو غياب السلطة والثانية anarchisme وهي كلمة من An وتعني بدون archisme وتعنى التسلط والاستبداد …. Anarchisme تعني غياب التسلط والاستبداد في دولة دون العنف الشرعي الذي تحدث عنه ماكس فيبر باعتبار أن الدولة تمثل ( monopole de la violence légitime) أما الاخرى وهي anarchiste وهي صفة وبتكون مختلفة عن anarchisme وهي أقرب إلى chaos أو الغير المنظم.
الاناركية هي فلسفة سياسية، تعتبر تيار من تيارات الشيوعية الغير ماركسية والغير لينينية والغير استالينية والغير ماوية وهي أقرب ما تكون إلى تيارات الديمقراطية الإشتراكية الرافضة لاستلام السلطة عبر العنف أو ما يعرف بالتحرفيين عند بعض المراكسية.
هنالك عدة تيارات في الفكر الاناركي مثله مثل أي فكر سياسي منهم من هو رافض للدولة بشكله الفيبري ومنهم من سعى للتعامل مع الدولة وإصلاحه وهم أول من أشاروا إلى خطورة عنف الدولة ولاسيما في شكله الماركسي ودكتاتورية البروليتاريا الذي بدأ كديكتاتورية الدولة في أبشع انواعها وتحول إلى حكم الأفراد المستبدين في كافة الدولة الماركسية. ظهر الخلاف في العمومية الأولى في صراع ماركس وميخائيل باكونيين ومنها عادت الاناركية كتيار فكري وسياسي مستقل عن الماركسية التي تمجد نوع من انواع الدكتاتوريات وهي دكتارتوية البروليتاريا.
خلاصة القول الاناركية لا تعني الفوضى بل تعنى غياب التسلط والاستبداد بإسم الحفاظ على الأمن القومي في إطاره المجرد للأمة (nation).
الفكرة الأساسية في الفكر الاناركي ولاسيما في الحراك الثوري الذي يشهده السودان منذ ١٣ ديسمبر ٢٠٢١م هو رفض الاستبداد بكل أنواعه و تعزيز الحريات الفردية والإهتمام بقضايا التغيير المناخي écologiste والديمقراطية المباشرة عبر الإدارة الذاتية أو الإدارة الجماعية للشركات أو القرى أو الأحياء أو المدن وهي بطبيعة الحال تعزيز لفكرة الفدرالية واللامركزية الذي تحدث عنه جزء من المهتمين بقضايا الثورة السودانية ومن الضرورة الوقوف عند الديمقراطية التمثيلية التي أصبحت إداة من أدوات الهيمنة في أيدى من يمتلكون الإعلام والسلطة وأبعاد قوى الثورة الحقيقية عن مركز إتخاذ القرار، كما حالة قوى إعلان الحرية والتغيير الذي شهد غياب واضحا للجان المقاومة والشباب والشابات الذين قادوا التغيير وفي حالة سطوع قيادة من خارج الوعي الثوري والفعل الثوري فإن النتيجة ستكون وأد الثورة عبر الطواطوء الثوري وفتح الباب لعودة الثورة المضادة.
٢٧ ديسمبر ٢٠٢١م