لماذا فشل حمدوك في مهمة حقن الدماء بدارفور؟

تهاني آدم

 

أول ما يتبادر إلى الأذهان عند ذكر إقليم دارفور هو المشكل السُّوداني والأزمة الإنسانية المأساوية المتفاقمة بين الفينه والأخرى بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المختلة التي يمر بها الإقليم بسبب الحروب الطاحنة منذ العام 2003 وهي في أصلها صراع سياسي بين المركز و الهامش، نتيجة الإحساس بالتهميش والظلم التاريخي من النخبة المركزية الحاكمة في الخرطوم. فما تقوم به مليشيات الجنجويد اليوم من إنتهاكات في دارفور ليست من فراغ وإنما بدعم ومساندة الحكومة الإنقلابية لتحقيق أجندتها السياسية والعرقية ونهب موارد دارفور من خلال ممارسة القتل الممنهج والإستهداف المستمر للمواطنين الأصليين لتشريدهم وطردهم من دارفور مواصلة لإستراتيجية التغيير الديمغرافي في إقليم دارفور.

إن غياب عامل الإرادة السياسية لدى حكومات المركز في مواجهة أزمة البلاد في دارفور أدى إلى تعقيد المشكلة. فضلا عن محاولة تصوير ما يحدث في دارفور بأنه صراعات قبلية ونهب مسلح للتضليل الإعلامي وتغبيش الرأي العام. فالسؤال الجوهري، لماذا فشل د. عبدالله حمدوك في مهمة حقن دماء السُّودانيين في دارفور؟، بالرغم من أنه صرح، بعد توقيعه على الإتفاق السياسى مع البرهان في 21 نوفمبر 2021، أنه وقع على الإتفاق السياسي حرصا منه على حقن دماء السودانيين. ولكن الأيام وتطورات الأحداث على الأرض أثبتت زيف إدعائه، بدليل أن الدماء لم تبارح مكانها بل تم إستباحة دم المواطنين العزل في مناطق وقرى ولايات دارفور جبل مون، كرينك مرشينج، منواشي الجنينة …. الخ حيث إنتهاكات إنسانية واسعه النطاق من إغتصابات وسط حرائر وميارم دارفور، قتل عشوائي، إختطاف، تهجير قسري وتشريد … الخ. ولا ندرى أي دماء يريد أن يحقنها حمدوك وهو الذي إرتضى لنفسه أن يكون دمية في أيدي الإنقلابيين وإتضح ان حديثه عن حقن دماء الشعب السوداني، حديث تبريري للخطوة الكارثية التي أقدم عليها بتوقيع إتفاق سياسي مع البرهان في تجاوز واضح لشعارات الثورة ومطالب الشارع والثوار والكنداكات لا حوار، لاشراكة وشرعية إلا أنه أختار طريق شرعنة إنقلاب 25 أكتوبر 2021.

كان لدى حكومة الفترة الإنتقالية السابقة بقيادة د. عبدالله حمدوك فرصة تاريخية لمعالجة المشكلة السودانية دعك عما يحدث الآن في دارفور، سيما وان حمدوك عندما اصبح رئيسا للوزراء كان بمباركة الثوار من لجان مقاومة وكنداكات، كما كان يُحظى بقبول كبير في الشارع السوداني وكذلك على المستويين الدولي والإقليمي، فكان بإمكان حمدوك مواجهة أزمات البلاد بشجاعة لان الشارع وقف بجانبه بقوة، وتقديم حلول ناجعه لها، خاصة ما يجري في دارفور. هنالك عامل أساسي ايضا لعب دورا في الإختلالات الأمنية الماثلة في دارفور وهو إتفاق سلام جوبا بين الحركات والحكومة في أكتوبر 2020 وهو إتفاق محاصصات وتقاسم كراسي فقط ولا تمت للمواطن بصلة. لذلك لم تحل هذه الإتفاقية الأزمة في دارفور بل تعقدت وبلغت أقصى درجاتها المأساوية، حيث مليشيات الجنجويد المنتشرة وبدعم من الحكومة.

إن حمدوك الذي قال انه يريد حقن دماء السودانيين كان عليه وعلى أقل تقدير القيام بزيارة عاجله للوقوف على أوضاع المواطنين والضحايا في دارفور إلا أنه وكعادته إكتفى بالصمت وبذلك أكد للشعب السوداني فشله في مهمه حقن الدماء التي كلف بها نفسه. ولتحقيق الإستقرار في دارفور لابد من سلام شامل وعادل يخاطب جذور المشكلة السودانية كما جاء في موقف الحركة الشعبية بقيادة القائد عبد العزيز آدم الحلو. السلام العادل الذي يتم من خلاله إصلاح القطاع الامني اولا وحل جميع المليشيات المسلحة وتجريدها من السلاح وتطبيق مبدا العدالة الإنتقالية بتقديم كل الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور بالإضافة إلى النيل الازرق وجبال النوبة إلى العدالة وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية لإنصاف الضحايا. فلابد من الإعتراف بالمشكلة السياسية أولا وأخيرا والتي تتجلى في التهميش، التنمية غير المتوازانة، قضايا الأرض والحواكير، إنتشار المليشيات المسلحة والمسنودة من الحكومات المركزية ضد السكان الأصليين في دارفور.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.