قراءة قانونية موجزة في اتفاق الجنرال برهان ود. حمدوك السياسي
د أحمد عثمان
استشعاراً لضرورة تقديم قراءة قانونية لاتفاق برهان وحمدوك السياسي الذي أعطى انقلاب 25 أكتوبر 2021م شرعية سياسية وإن لم يعطه شرعية قانونية ودستورية يفتقر إليها من وقعاه، نتقدم بقراءة قانونية موجزة لهذا الاتفاق تؤسس لتحليل قانوني مستفيض لاحقاً إن توفر الوقت، نلخصها فيما يلي:
1- من المهم التنويه أولاً إلى أن هذا الاتفاق هو اتفاق سياسي وليس دستوراً أو قانوناً ينص على نصوص ملزمة ونافذة في حق جميع السودانيين. وهو بهذه الصفة يخضع للقواعد الحاكمة للعقد، ويلزم فقط من وقعه وفقاً لنظرية خصوصية العقد (Privity of Contract)، فالمادة (111) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م تنص على أن
“ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام”، والمتعاقدين هنا هما الجنرال برهان ود. حمدوك ولا أحد غيرهما، وبذلك ينصرف العقد أو الاتفاق وآثاره عليهما فقط ولا يلزم أي جهة أو كيان أو أي مواطن سوداني بأية حال من الأحوال من ناحية قانونية.
2- حقيقة أن ما تم هو اتفاق/ عقد وخضوعه للقواعد الحاكمة للعقد، تحتم إعمال قواعد تفسير العقود في تفسيره، وتمنع الانصراف للبحث عن إرادة طرفيه كلما كانت النصوص واضحة وصريحة. فالمادة (101-1) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م، تنص صراحةً على ما يلي: “إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين”. وتنص المادة (97) من نفس القانون على أنه: “لا عبرة بالدلالة في مقابل التصريح”. وهذا يحتم التوقف عن البحث عن إرادة ضمنية أو مستترة خلف نصوص الاتفاق الواضحة الجلية التي لا يجوز تفسيرها أو الانصراف عنها للبحث عن إرادة متوهمة للطرفين.
3- الصفات التي وقع بها الطرفان الاتفاق/العقد منتحلة وغير صحيحة من ناحية قانونية، فلا الجنرال برهان يصح له أن يصف نفسه برئيس المجلس السيادي الانتقالي، ولا د. حمدوك يصح له أن يصف نفسه برئيس مجلس الوزراء الانتقالي. فالاتفاق في ديباجته، أمن على قرارات القائد العام للقوات المسلحة الصادرة بتاريخ 25 أكتوبر 2021م (قرارات بيان الانقلاب)، وبالتالي شرعن حل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء الدستوريين، ولم يعد لطرفي الاتفاق أياً من الصفات التي انتحلاها في الاتفاق. فتعيين البرهان لنفسه رئيساً لمجلس السيادة الخاص بالانقلاب، جاء مكملاً لقرارات الانقلاب الأصلية، والقرارات اللاحقة والمكملة لم يتم شرعنتها حتى بهذا الانقلاب، وحتى إن تم ذلك فهذا لا يعطيها جميعاً شرعية دستورية، مما يعني أن هذه الصفة منتحلة بالكامل وغير دستورية، لأنها إحدى تبعات الانقلاب على الدستور السائد وتقويضه في جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي وقانون القوات المسلحة بالإعدام.
أما د. حمدوك الذي أقر في الديباجة بقرارات القائد العام التي حل بموجبها مجلس الوزراء الانتقالي وفصله من منصبه، فإنه لا يملك هذه الصفة حتى وإن قبلنا جدلاً بشرعية الاتفاق الماثل. فالاتفاق في الفقرة رابع عشر نص على أنه “بالتوقيع على الإعلان السياسي، يلغى قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الانتقالي”. وبالرغم من أنه ليس هنالك قرار بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الانتقالي منفرداً لأن القرار الصادر كان بحل مجلس الوزراء، إلا أننا سنقبل ذلك تجاوزاً باعتبار أن الإعفاء تم ضمنياً بقرار الحل، لنتوصل أن د. حمدوك وفقاً لهذا الاتفاق لا يستعيد صفته كرئيس وزراء إلا بعد توقيع الاتفاق أو الإعلان السياسي، فكيف تسنى له التوقيع بصفة لا يكتسبها إلا بعد التوقيع؟ باختصار هذه الصفة منتحلة في حال شرعنة الانقلاب والقبول بقرارات 25 أكتوبر 2021م وإعطاء الانقلاب شرعية لا يستحقها حاول د. حمدوك إضفائها عليه بكل أسف.
ومؤدى ما تقدم هو أن هذا الاتفاق/الإعلان، ملزم لبرهان وحمدوك شخصياً لا بصفتيهما المنتحلة، ولا يلزم حتى المجلس السيادي الانقلابي أو المجلس السيادي المحلول، ولا مجلس الوزراء المحلول أو التكنوقراطي الانقلابي الجديد.
4- وصف الإعلان لبرهان بالقائد العام مخالف للقانون والدستور، وهو في كل الأحوال حتى وإن كان يمتلك هذه الصفة لا يحق له إصدار قرارات 25 أكتوبر 2021م من ناحية دستورية، والاتفاق/الإعلان كوثيقة سياسية، لا تعط تلك القرارات أي شرعية دستورية، ويستلزم ذلك إصدار نصوص تشريعية دستورية من جهة لديها صفة في إصدارها، والإنقلابيون ومن معهم بالحتم لا يملكون هذه الصفة التشريعية. إذ تنص المادة (10-1) من قانون القوات المسلحة لسنة 2007م على ما يلي: “يكون للقوات المسلحة قائداً عاماً يعين بوساطة رئيس الجمهورية”. وتحدد هذه المادة مهام القائد العام وليس من بينها التشريع على أي مستوى، أو حتى ممارسة العمل السياسي. وتنص المادة (74) من الوثيقة الدستورية المعيبة والمفترى عليها بعد ذلك من الجنرال برهان، على ما يلي: “باستثناء السلطات والصلاحيات الممنوحة لمجلس السيادة بموجب هذه الوثيقة الدستورية، تؤول كل سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية ذات الطبيعة التنفيذية الواردة في أي قانون ساري لرئيس مجلس الوزراء”. والمعلوم أن المخلوع البشير لحين سقوطه، لم يعين الجنرال برهان قائداً عاماً للجيش، حيث كان منصبه هو مفتش عام القوات المسلحة وليس قائده. كذلك المعلوم أن د. حمدوك لم يصدر قراراً بتعيين الجنرال برهان قائداً عاماً للقوات المسلحة وفقاً لسلطات رئيس الجمهورية التي آلت إليه بموجب الوثيقة الدستورية، فمن الذي عين الجنرال برهان قائداً عاماً للقوات المسلحة إذن؟ قد يقال أنه عين نفسه بنفسه بعد انقلاب القصر حين كان رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي (مجلس انقلاب القصر)، ولكن لا يوجد أي مرسوم بمثل هذا التعيين ضمن مراسيم تلك الفترة التي شرعنتها الوثيقة الدستورية المعيبة. وحتى إن وجد، فهو غير دستوري بموجب هذه الوثيقة نفسها، لأنه يتعارض من نصوص الوثيقة، مما يحتم إبطاله وفقاً لنص المادة (2-2) من الوثيقة الدستورية التي تنص على ما يلي: “تعتبر المراسيم الصادرة من 11 أبريل 2019م وحتى توقيع هذه الوثيقة الدستورية سارية المفعول، ما لم تلغ أو تعدل من قبل المجلس التشريعي الانتقالي، وفي حال تعارض أي منها مع أحكام هذه الوثيقة الدستورية تسود أحكام هذه الوثيقة”. فإن كان الجنرال برهان قد عين نفسه سراً بموجب مرسوم دستوري سري كقائد للقوات المسلحة، فإن هذا التعيين باطل لأنه يتعارض مع أحكام الوثيقة الدستورية التي أعطت سلطة التعيين للدكتور حمدوك بصفته رئيساً للوزراء. وهذا يعني أن وصف قرارات 25 أكتوبر 2021م الصادرة من قائد الانقلاب الجنرال برهان بأنها صادرة من قائد القوات المسلحة، وصف لا أساس دستوري أو قانوني له، وهو مجرد ادعاء يعطي قرارات الانقلابي برهان صفة منسوبة للقوات المسلحة وهي في الواقع ليس كلها علاقة بما تم من انقلاب بصفة قانونية لأن من قام بالانقلاب قام به بصفته الشخصية لا بصفته قائداً للقوات المسلحة بأية حال.
5- نص الاتفاق في ديباجته بعد الإشارة لإجراءات وقرارات القائد العام للقوات المسلحة المزعوم بتاريخ 25 أكتوبر 2021م -يلاحظ أننا نستخدم النص المنشور بصحيفة الشرق السعودية بتاريخ 21/11/2021م – على الآتي: “واستشعاراً للمسئولية الوطنية، عليه تعهد الطرفان بالعمل سوياً لاستكمال مسار التصحيح الديمقراطي…”. والأمر جلي وواضح ولا يحتمل التأويل، فهو يجعل إجراءات وقرارات الجنرال برهان في بيان انقلابه أساساً للتصحيح الديمقراطي، ويتعهد الطرفان على استكمالها بوضوح يجبه كل من يحاول تبرير هذه الشرعنة للانقلاب بأي صورة من الصور. ولعله من المفيد أن ننوه إلى ما ورد ببيان الانقلاب حرفياً في ديباجته حين نص على ما يلي: “فكان لزاماً علينا في القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والأجهزة الأمنية أن نستشعر الخطر ونتخذ الخطوات التي تحفظ مسار ثورة ديسمبر المجيدة حتى بلوغ الأهداف النهائية في الوصول لدولة مدنية كاملة عبر انتخابات حرة ونزيهة. عليه ولتصحيح مسار الثورة تقرر ما يلي: …….”. والنص يوضح أي مسار ديمقراطي وأي تصحيح يجب أن يستكمل دون مواربة أو تضليل، فكل النصوص اللاحقة في الاتفاق، تقرأ في ضوء هذه الديباجة وضوء هذا التعهد باستكمال مسار التصحيح الديمقراطي الذي أسس له بيان برهان الانقلابي المنوه عنه في الديباجة والمبرر له ولحدوثه. فالديباجة خلصت بصريح العبارة أن ما سيأتي بعدها من اتفاق، يأتي “تأسيساً على قرارات القائد العام للقوات المسلحة”. ولا يفوتنا أن نسجل بأن الجنرال برهان قد قرأ بيان انقلابه بصفته رئيس مجلس السيادة الانتقالي لا القائد العام للقوات المسلحة وفقاً لما ورد في كل الأجهزة الإعلامية.
6- يزعم الاتفاق في أولاً الآتية مباشرة بعد الديباجة، أن الطرفين اتفقا على “التأكيد على أن الوثيقة الدستورية لسنة 2019م تعديل 2020م هي المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الإنتقالية”…. وهذا يشي في البدء بوجود مرجعيات أخرى غير
أساسية، لأن هذه المرجعية أساسية وليست وحيدة حسب النص، كما أنه يؤكد أنها مرجعية وإطار فقط، وليست نصوصاً ملزمة لا يجوز تجاوزها، وفوق ذلك هي مرجعية الاتفاق عليها يأتي تأسيساً على قرارات القائد العام للقوات المسلحة. ومفاد ذلك أنه في حال التعارض بينها وبين الأساس الذي بني عليه الاتفاق، يسمو الأساس الذي هو قرارات القائد العام للقوات المسلحة!! وهذا النص مقروءاً مع الديباجة باعتبار أن نصوص العقود تقرأ معاً ولا تتجزأ من ناحية قانونية، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتفاق صراحةً تم تأسيسه على بيان الانقلاب، يؤكد أن جميع قرارات وإجراءات القائد العام الواردة ببيان انقلابه قد تم الاتفاق على أن لها شرعية سياسية بموافقة الطرفين. ومن المهم أن نذكر لأن الذكرى تنفع المؤمنين، أن هذه القرارات والإجراءات التي تم شرعنتها تشمل ما يلي: أ. إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. ب. تعليق العمل بالمواد 11، 12، 15، 16، 24-3، 71، 72. ج. حل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه. د. حل مجلس الوزراء. هـ. إنهاء تكليف ولاة الولايات. و. إعفاء وكلاء الوزارات. ز. تجميد عمل لجنة إزالة التمكين. وهذا يعني أن د. حمدوك قد قبل الانقلاب واتفق على أنه مسار تصحيح ديمقراطي، كما قبل كل الإجراءات المذكورة أعلاه بدون تحفظ وبنى عليها اتفاقه بكل وضوح.
7- أكد الطرفان في ثانياً على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق بما يحقق ويضمن مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول. والاتفاق على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بهذا المنحى، يعني استبدال أطراف الوثيقة الدستورية (قحت والعسكريين)، بالعسكريين والقوى التي ترتضي أن تكون طرفاً في وثيقة دستورية يتوافق عليها أنصار العسكريين من إسلاميين وفلول وقوى لم تكن أصلاً طرفاً في هذه الوثيقة أو منحها لشعب السودان. ولا يفوتنا أن ننوه إلى تفادي مجرد ذكر قوى الحرية والتغيير التي كانت طرفاً في هذه الوثيقة، مما يؤكد أن هذا النص يكرس مطالبة العسكريين قبل الانقلاب بتوسيع دائرة المشاركة لإدخال منسوبيهم وأنصارهم الذين نفذوا اعتصام القصر في دائرة السلطة، والآن يودون أن يملكوهم سلطة تعديل وثيقة لم يكونوا هم طرفاً في إصدارها بالأساس!!
8- تمسك الطرفان في ثالثاً بالشراكة بين المدنيين والعسكريين، وهذه الشراكة بكل تأكيد ليست الشراكة السابقة، لأنها ستتم وفقاً لثانياً أعلاه أي بعد تعديل الوثيقة الدستورية لتكوين حاضنة سياسية مدنية بديلة لقوى الحرية والتغيير، وذلك يعفي ضمنياً الإنقلابيين من تبعات انقلابهم بعد أن تم إعطاء إجراءاتهم وقراراتهم شرعية في الديباجة، ويكافئهم بالاستمرار في شراكة وفقاً لشروطهم التي فرضوها بالقوة عبر الانقلاب العسكري، ويعفيهم من المحاسبة ويسمح لهم بالإفلات من العقاب بشكل واضح لا لبس فيه.
9- تم الاتفاق في رابعاً على أن يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الإنتقالية بالمادة (8) من الوثيقة الدستورية دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي. والمقصود بالطبع هو مجلس السيادة الانتقالي الذي عينه الانقلاب حتماً، لأن المجلس الشرعي تم حله بواسطة إجراءات وقرارات قائد القوات المسلحة في بيان انقلابه، والتي أقرها الاتفاق الماثل واعتبرها تأسيسية لهذا الاتفاق. والملاحظ أن الإشراف الوارد لم يتم تعريفه، ولكن من الممكن التوصل لتعريف بقراءة عجز النص الذي ينص على عدم التدخل المباشر في العمل التنفيذي. وهو قياساً بما يحدث في شركات المساهمة العامة وقواعد الحوكمة، يعني أن مجلس السيادة سينفرد بوضع السياسات العامة ويلزم مجلس الوزراء بتنفيذها ويراقب تنفيذه لها، لأنه هو المشرف على تنفيذ مهام الفترة الإنتقالية بحكم هذا الاتفاق!! ومفاد ذلك أن مجلس الوزراء سيصبح سكرتارية تنفيذية لإرادة مجلس السيادة الانقلابي، تماماً كما كان يريد مجلس انقلاب القصر عند بدء التفاوض الذي انتهى بتوقيع الوثيقة الدستورية المعيبة، والتي قدم فيها ذلك المجلس بعض التنازلات سحبها الآن بوضوح. فالمشرف هو من يضع السياسات ويراقب تنفيذها، والمنفذ يقدم تقاريره لجهة إشرافه التي تحاسبه على أي تقصير.
10- كذلك تم الاتفاق في خامساً على ضمان انتقال السلطة في موعدها لحكومة منتخبة. ومن المهم التنويه إلى أن هنالك مسودة للاتفاق كانت دائرة في الأسافير، تحدد تاريخاً واضحاً لهذا الانتقال، تم شطبه بالقلم، وحذفه تماماً عند توقيعها. وهذا يجعل الأمر مفتوحاً بحيث من الممكن ألا يتحقق أبداً. ولا يمكن أن يقال بأن هذا التاريخ محدد في الوثيقة الدستورية، لأن هذه الوثيقة نفسها متفق في هذا الاتفاق على ضرورة تعديلها لاستيعاب ربائب الانقلاب، وهذا سيقود حتماً إلى تحكمهم في تعديلها وتبديل مواعيدها المنصوص عليها للانتقال. وببساطة هذا النص، يعني تفويضاً ضمنياً للعسكريين في الاستمرار في السلطة بلا سقوف ومواقيت محددة زمنياً، مما يقيض للانقلاب الاستمرار إلى ما لا نهاية، إن لم يقم شعبنا- وهو قادر- بإسقاطه.
11- أيضاً تم الاتفاق في سادساً على إدارة الفترة الإنتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية (السياسية والمدنية) والمكون العسكري والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمرأة ورجالات الطرق الصوفية. وهذا يعني فرض إعلان بديل لإعلان قوى الحرية والتغيير، وإقحام العسكريين في المعادلة لتمكينهم من فرض إرادتهم بوصفهم انقلاباً عسكرياً يشكل سلطة الأمر الواقع، وفي نفس الوقت يشكل إعلاناً بديلاً للاتفاق السياسي الموقع بين المجلس العسكري الانتقالي (مجلس انقلاب القصر) والتيار التسووي لقوى الحرية والتغيير، الذي انبنت على أساسه الوثيقة الدستورية المعيبة. وهذه خطوة متقدمة أخرى في سبيل إقصاء قوى الحرية والتغيير وتيارها التسووي، وبناء حاضنة جديدة لسلطة الانتقال الوهمي المزعوم.
12- وفي سابعاً اتفق على التحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات وإصابات ووفيات للمدنيين والعسكريين وتقديم الجناة للمحاكم. ويلاحظ أن نوعية هذا التحقيق لم تحدد، كما لم تحدد الجهة التي ستقوم به، وبما أن هناك إشارة لتقديم الجناة للمحاكم، يفترض أن من سيحقق هي النيابة المختصة المسيطر عليها من قبل الانقلاب!!! ومن المهم التنويه إلى أن الوصف التعميمي للقتل الممنهج بالأحداث، هو محاولة للتخفيف من صفته والتقليل من حالة القمع المفرط الراهنة المعتمدة كسياسة واضحة من قبل الإنقلابيين. وعدم وجود إسناد الأمر للجنة دولية مستقلة، يعني أن الأمر مجرد رفع عتب لتكوين لجنة شبيهة بلجنة نبيل أديب غير المستقلة، تقود الجميع إلى اللامكان وإلى إهدار دماء الشهداء والسماح للإنقلابيين بالإفلات منالعقاب. فالتحقيق المهني والمحايد والمستقل مستحيل، حين يكون المجرم أو على أقل تقدير المشتبه به هو الانقلابي المسيطر على السلطة.
13- أما في ثامناً فقد تم الاتفاق على تنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه وإلحاق غير الموقعين على اتفاق السلام. ولسنا في حاجة للقول بأن هذا الاتفاق الأزمة، ليس بحاجة لموافقة د. حمدوك على تنفيذه، لأنه مفروض من قبل المحور الإقليمي استناداً لوثيقة أبوظبي المخفية، التي قسمت فترة ما بعد سقوط المخلوع البشير، إلى مرحلة ما قبل انتقالية يحكمها التيار التسووي في قوى الحرية والتغيير، ومرحلة الانتقال التي تبدأ بعد وصول الحركات المسلحة في تحالفها مع الإنقلابيين إلى السلطة. ومن الواضح أنه الآن تم التخلص من التيار التسووي لصالح التحالف بين الإنقلابيين والحركات المسلحة وأنصارهم من المدنيين، على أن يصبح د. حمدوك مجرد واجهة لهذا التحالف المعادي للثورة، والذي تجمعت فيه كل القوى المضادة للثورة والمرتبطة بمحاور إقليمية.
14- وفي تاسعاً اتفق الطرفان على الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي وذلك بتكوين المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، ولم يحدد أي سقف زمني لهذا الإسراع المطلوب، وترك الأمر مفتوحاً لمن يهمه الأمر، مع عدم وضوح الرؤية حول كيفية تكوين المجلس التشريعي والمادة (24 -3) الخاصة بتركيبته وتكوينه من ضمن المواد التي تم تجميدها بموجب القرارات الواردة في بيان الانقلاب. فوفقاً للوضع الحالي، من المستحيل تكوين المجلس التشريعي إلا في حال رفع تجميد المادة المذكورة، أو تكوينه كيفما اتفق استناداً لاتفاق سياسي لا لنصوص دستورية، أو تكوينه بعد تعديل النص المذكور بواسطة التحالف الجديد الذي سيكفل له السيطرة على المجلس المذكور، أخذاً في الاعتبار أن الاتفاق مصر على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية. لهذا الراجح هو تعديل النص بحرمان قوى الحرية والتغيير (التيار التسووي) من حصته بعد طرده من معادلة السلطة، وإعادة توزيعها بين أقطاب التحالف الجديد المعادي للثورة، مع إعطاء بعض العطايا لمن يقبل بمشاركة الإنقلابيين من التيار التسووي وهم بالأصل قليلين حتى هذه اللحظة مع احتمال حصول تحولات فيما إذا ثبتت سلطة الانقلاب أقدامها كسلطة أمر واقع.
15- وفي عاشراً تم الاتفاق على ابتدار حوار موسع وشفاف بين كافة القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة الحية يؤسس لقيام المؤتمر الدستوري.
والأمر لا يحتاج إلى تعليق، إذ كيف يكون هناك حوار موسع وشفاف في ظل انقلاب عسكري بالأساس؟ من الواضح أن الأمر يستهدف وضع دستور يخدم دولة الإنقلابيين وامتداداتها مستقبلا فيما إذا قيض لهذا المؤتمر القيام، بحيث يتم هندسة فترة ما بعد الانقلاب لتضمن استمرار سلطة الانقلاب وحماية مكتسبات التمكين مستقبلاً.
16- أما في أحد عشر فقد أكد الطرفان على ضرورة إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، دون تحديد من سيقوم بإعادة هذه الهيكلة، وما هو مصير قراراتها السابقة، ولا مصير الأموال التي قامت باستردادها من منسوبي النظام السابق. وبما أن المجلس السيادي للانقلاب هو المشرف على أعمال الجهاز التنفيذي وفقاً لهذا الاتفاق، يتوقع أن يكون الأمر من قبل ومن بعد في يديه.
17- وتم الاتفاق في البند اثنا عشر على إطلاق جميع المعتقلين السياسيين. وقد يبدو ظاهر النص جيداً، لكن أزمته تكمن في تعريف من هم المعتقلين السياسيين المقصودين. فوفقاً لتصريحات الجنرال برهان المتتابعة، المعتقلين السياسيين هم من لم توجه لهم تهم جنائية من المعتقلين، وبما أن جميع سلطات الدولة في يد هذا الجنرال بحكم الأمر الواقع الذي فرضه الانقلاب، فبإمكانه تقديم جميع المعتقلين السياسيين لمحاكمات جنائية وتلفيق التهم لهم، وكله بالقانون كما يقول الديكتاتوريين دائماً. هذا النص، إن كان المقصود منه فاعلية ونفاذ، كان يجب أن ينص على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بما فيهم شاغلي المناصب الدستورية السابقين مع تسمية هذه المناصب وتحديد أجل لإطلاق سراحهم هو لحظة توقيع الاتفاق السياسي الماثل. وبما أن ذلك لم يتم، فتنفيذ هذا النص هو سلطة تقديرية للإنقلابيين، ولا أحد يستطيع إلزامهم بتنفيذه أو منعهم من التحايل على التنفيذ.
18- كذلك تم الاتفاق في ثلاثة عشر على بناء جيش قومي موحد. وهذه مخالفة صريحة لنص المادة (35-1) من الوثيقة الدستورية المسماة مرجعية لهذا الاتفاق والتي تنص على ما يلي: “القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية…”. والواضح من النص هو إذا اعتبرنا أن القوات المسلحة هي الجيش – وهي كذلك- فهي تقف على قدم المساواة مع قوات الدعم السريع، وهما معاً يكونان المؤسسة العسكرية، ولا يصح في هذه الحالة المطالبة بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة لأن هذه المطالبة غير دستورية. أما إذا اعتبرنا الجيش هو المؤسسة العسكرية المذكورة، فهو أيضاً مكون من قطبين مستقلين ولا يصح أن يطلق عليهما جيش قومي موحد لأنهما غير مندمجين ولهما استقلالية واضحة. وهذا بالطبع هو أحد أهم عيوب الوثيقة الدستورية التي قننت وجود قوات الدعم السريع دستورياً وحافظت على استقلالية كيانها. ونحن بالطبع مع قيام جيش قومي موحد، لكن الوثيقة الدستورية مع حقائق سلطة الانقلاب في الأرض تمنع ذلك، مما يعني أن هذا النص عبارة عن حبر على ورق وغير قابل للتنفيذ.
ولا نظن بأننا في حاجة لمناقشة النص رقم رابع عشر، الذي تم تكريسه لإلغاء قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، لأننا سبق وأن ناقشنا أثره في البند (3) أعلاه.
والخلاصة هي أن الاتفاق بين الجنرال برهان ود. حمدوك، هو بمثابة بيان ثان معزز لبيان الانقلاب الأول، مؤيد له ومعزز للقرارات والإجراءات الواردة به، باعتباره جاء تأسيساً على هذه القرارات والإجراءات التي أعطاها شرعية سياسية، وهو مجرد رافعة للدكتور حمدوك تمكنه من أن يصبح رئيساً لمجلس وزراء الانقلاب لا أكثر ولا أقل.