صاحبة الجلالة .. تركة مثقلة وتحديات الانتقال

 

تقرير: حسين سعد : Splmn.net

تعرضت صاحبة الجلالة الصحافة السودانية إلى ضربات موجعة من قبل الأنظمة المستبدة وكانت تلك الأنظمة تضع الصحافة السودانية في خانة العدو الأول عقب كل انقلاب عسكري ولم تتنسم الصحافة السودانية نسيم الحرية الا في أوقات قليلة قبل أن تعود الانقلابات مرة اخري وعقب ثورة ديسمبر الظافرة توقع الكثيرين في ان تقوم الصحافة بدور كبير في الانتقال الديمقراطي مثل دورها في مقاومة النظام المدحور لكن الأوضاع الاقتصادية القاسية وعدم إصلاح البيئة التشريعية وكنس تركة النظام البائد كل تلك التحديات جعلت الصحافة في الوقت الحاضر تعيش أسوأ فترة طوال تاريخها، ولتشريح تلك الصعوبات نظمت شبكة الصحفيين السودانيين ندوة شهدت حضوراً مقدراً مساء الأحد الماضي بحديقة صحيفة (التيار) بالخرطوم تحت عنوان (احتضار الصحافة.. الأزمة الاقتصادية والواقع الانتقالي)، وتفاعل المشاركون في مداخلاتهم وشكوا سوء الحال، وشهدت الندوة حضوراً لوزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح.

صعوبات عديدة

وتحدث المتحدث باسم شبكة الصحفيين السودانيين وائل محجوب محمد صالح، عن الانهيار الذي شهدته الصحافة السودانية في المستويات كافة وتردي بيئة العمل الصحفي وانخفاض الرواتب للصحفيين والعاملين، وشدد على أن الصحافة تشهد حالياً حالة احتضار، بجانب ضعف المحتوي الإعلامي الذي يُقدّم للقارئ، واعتبر أن هذه الجزئية سببها جشع الناشرين وملاك الصحف في الاستغناء عن الصحفيين المحترفين واستبدالهم بالصحفيين الجدد قليلي الخبرة.

واستهجن وائل، وجود القوانين التي تم تشريعها إبان حكم النظام المخلوع، والتي لم تُلغ بعد، كقانون الصحافة والمطبوعات وغيرها من القوانين، ورفض تمويل بعض الصحف من جهات أجنبية، ورأى أن ذلك يمثل مدعاة للتخابر والاختراق الأجنبي عبر بوابة الإعلام، وأبان أن التغيير السياسي والاجتماعي الذي شهدته البلاد لم ينعكس على واقع الصحافة.

ديون كبيرة

ومن جانبه أوضح رئيس تحرير صحيفة (إيلاف) الاقتصادية د. خالد التجاني، أن مشكلة الصحافة السودانية موضوعية تتجسد في الأوضاع الاقتصادية المتردية كحال البلاد، ولفت إلى أن ملاك الصحف يتكبدون مشاقاً في توفير مدخلات انتاج الصحف كـ(الورق وتكلفة الطباعة) التي ترتفع بمتوالية هندسية حسب السوق.

وذكر التجاني، أن عوائد الإعلانات ضعيفة ولا تغطي تكلفة الانتاج، وأضاف: (في الوقت الراهن كل الصحف مديونة للمطابع)، ودعا الحكومة للتدخل العاجل بمبادرات جادة لإنقاذ الصحافة، ونبه إلى أن موت وانهيار الصحافة ليس هو كارثة على الناشرين والعاملين في المجال، وقال: (بل هو كارثة تضرب التنوير ولسان حال المجتمع).

معجزات

ومن جهته انتقد وكيل أول وزارة الثقافة والإعلام الرشيد سعيد، ناشري الصحف الورقية، واتهمهم بتهميش دور الصحفيين في صناعة الصحافة، وذكر: (صحافتنا أرخص حاجة فيها الصحفي ويتم تهميشه لذلك مردوه ضعيف)، ووصف عمل الصحفيين في ظل الظروف التي يعملون فيها بالمعجزات، ودعا لضرورة الاهتمام بأوضاعهم.

وأشار الرشيد سعيد، إلى عقدهم اجتماعاً قبل (3) أشهر مع ناشري الصحف ومطالبتهم بدفع مقترحات لمعالجة المشكلات التي تواجههم في الطباعة وتوفير الورق بجانب الضرائب والجمارك، وزاد: (حتى الآن لم تصلنا أية مقترحات).

وأشار وكيل أول الوزارة إلى أن الأزمة تتمثل في طريقة تمويل الصحف في العهد المخلوع، لجهة أن الحكومة تمنح الإعلانات والشيكات المالية الخاصة بالتمويل للصحف التي تنال رضا الحكومة، وقال: (بعد حل شركة قماري المملوكة لجهاز الأمن لا يزال الأشخاص من المؤسسات الحكومية الذين كانوا يتعاملون مع قماري يقومون الآن بتوزيع الإعلانات بشكل أشبه بالاحتكاري للصحف التي كانت منسوبة للنظام المخلوع)، وذكر أن غالبية الصحف الآن يملكها أشخاص ينتمون للنظام السابق.

ودعا الرشيد، لضرورة عقد شراكات في ملكية الصحف بدلًا عن ملكية الشخص الواحد، وجزم بعدم نية الحكومة تشغيل أية صحف خاصة بها أو صحيفة تعبر عنها وتتحدث باسمها، وأكد تصديق الوزارة منذ سقوط النظام المخلوع لـ(6) صحف جديدة، ومضى قائلًا: (عملنا على تسهيل إجراءات التصديق).

وشدد وكيل أول الوزارة على ضرورة إيجاد البيئة السليمة التي تبدأ بتعديل القانون ليصبح ديموقراطياً، وأشار إلى أنهم بصدد تشكيل لجنة قومية لإعداد قانون الصحافة والمطبوعات، لحماية الصحفيين بوضع الحد الأدنى للأجور والعلاج وقانون حماية المصادر والوصول إلى المعلومات وقانون حماية الصحفي من الاعتقال.

تراجع المهنية

ومن ناحيته لفت رئيس تحرير صحيفة (التيار) المهندس عثمان ميرغني، إلى أن مشكلة الصحافة غير منفصلة من السياق العام الذي تشهده البلاد في أزمته الاقتصادية، وأن مشكلة الصحافة لا تحل بشكل منفرد، واعترف بأن الصحافة في الوقت الراهن تقدم محتوى سيئاً وأخباراً لا قيمة لها.

وبدوره شدد رئيس تحرير صحيفة (الجريدة) أشرف عبد العزيز، على أن الصحافة في الوقت الراهن تحتضر، وأنه حال استمرار الأوضاع كما هي يمكن أن يتم (تشييعها إلى مثواها الأخير)، وشكا من ارتفاع أسعار مدخلات انتاج الصحافة المرتبطة بتقلبات أسعار الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازي.

وأبان أشرف، أن المعلنين في الصحف هم الذين يتحكمون في قيمة الإعلانات والصحف أيضاً عبر الابتزاز كما أسماه، وطالب الحكومة بأن يكون الاشتراك الحكومي في شراء الصحف هو الحل المؤقت لأزمة الصحافة.

ضعف الطباعة والتوزيع

وفي السياق تحدث رئيس تحرير صحيفة (البعث) محمد وداعة بحكم إدارته لمطبعة عن احصائيات الطباعة والتوزيع، ورأى أن الصحافة تشهد اسوأ أيامها وأنها في مرحلة الاحتضار، وأشار إلى أن وضع الصحافة إبّان العهد المخلوع أفضل من فترة الحكم الانتقالي، وقال: (الحكومة لا تأبه لواقع الصحافة، ربما هي سعيدة لهذا التدهور، وإنما جوهر القضية هو أوضاع الصحفيين خاصة الاقتصادية).

وشكا وداعة، من ممانعة الحكومة في تمليك المعلومات للرأي العام عبر الصحفيين، وذكر أن الصحافة عاجزة عن تأدية واجبها وانعكس هذا على ضعف المحتوى الصحفي الذي يقدم للقراء، وتابع: (الآن كل الصحف تلجأ للإرشيف لتمتمة الصفحات).

ونبه وداعة إلى تشكيل الرأي العام السوداني في الوقت الحالي عبر وسائل إعلام غير سودانية نتيجة لغياب دور الصحافة المحلي، ودعا الصحف لعدم نشر أية أخبار تتعلق بالحكومة ما لم تدفع أموالاً، وذكر أن أكثر صحيفة في العهد البائد ظلت مرتبطة بالنظام القديم هي الآن بعد التغيير الأكثر مبيعاً والأكثر حصولاً على الإعلانات الحكومية.

أما رئيس تحرير صحيفة (السياسي) عثمان فضل الله، فقد أبان أن أكبر مصدر لتهديد البلاد هو الإعلام، وشن هجوماً على الصحفيين والإعلاميين الذين يعملون بمرتبات زهيدة، وتخوّف من تحول بعض الصحفيين لجواسيس لدول أجنبية نتيجة للأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشونها.

تركة موروثة

ورأى الصحفي أيمن سنجراب، أن أزمة الصحافة السودانية موروثة من النظام المخلوع في القوانين التي خلفها التي بموجبها تعمل الصحافة حالياً ونتج عنها المؤسسات المشوهة التي تعمل في انتاج الصحف، وأبان أنه لا توجد مؤسسات صحفية بل عبارة عن مسخ مشوه يعمل على امتصاص وهدر حقوق العاملين فيها.

وأوضح أيمن، أن هناك جهات حكومية تتهاون في تنفيذ القانون ويساهم ذلك في عدم نيلهم لحقوقهم، مثل التأمينات الاجتماعية، التي تتهاون مع الصحف في سداد مستحقات العاملين، مما يتسبب في ظلم الصحفيات والصحفيين والعاملين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.