قحت 1، قحت 2، والعسكر: تقويض طموح الشعب في وطن

✍🏿 أ. خالد إبراهيم كودى

 

السودان علي حافة هاوية حرب أهلية في مناطق سيطرة الحكومة (2/3)

من الجزء الأول لهذا المقال يمكن أن نستخلص الآتي:

1/ أن قوي الحرية والتغيير قطعت الطريق على إستمرار الثورة لتنتصر ولتسقط النظام وتصفيته بالكامل بإختيارها التفاوض مع الجيش وقوات الدعم السريع بحجة حقن الدماء. إختارت قحت تفاوض شراكة مع الجيش والدعم السريع وليس تفاوض إملاء إرادة الشعب على اللجنة الأمنية لعمر أحمد حسن البشير ومليشيات نظام الإنقاذ! ولهذا الخيار تداعياته.

2/ قحت، صممت الوثيقة الدستورية، ووفقا لها شرعت لوضع قانوني لقوات الدعم السريع والجيش. وبناء على صفقة قحت مع هذه القوات أصبحت هذه القوات مؤسسات أصيلة في وضع دستوري يسمح لها بالمشاركة في السلطة وبإمتيازات سياسية دستورية وإقتصادية. فعل الجيش هذه الإمتيازات وإستغل ضعف المكون المدني ليسيطر على كل مفاصل الدولة وأكثر من 80٪ من المصادر الإقتصادية.

3/ الصراع حول السلطة في مناطق سيطرة الحكومة بين قحت والجبهة الثورية من ناحية، وبين القوي المدنية والعسكرية من ناحية أخري أدي الي الذهاب بالبلاد الي وضع إحتقان معقد إنتهي إلي إستيلاء العسكر على السلطة بالإنقلاب في 25 أكتوبر ونجزم أن هذه بداية الإنزلاق علي هاوية لايمكن التكهن بنتائجها.

عودة إلي الصراع بين قحت 1 والجبهة الثورية (قحت 2) وتداعياته:

فور توقيع إتفاقية سلام جوبا، المتابع للمشهد السياسي لن يخطئ كثافة القصف الإعلامي بين مجموعتي قحت. وإن كانت قحت 1 هي الأكثر تأثيرا والأعلى صوتا لما لكثرة كوادر الأحزاب المنتمية إليها من حظوة تاريخية تتيح لهم التحرك بفعالية بين الكثير من المواقع في الخرطوم ومعظم مناطق سيطرة الحكومة من ناحية، ومن الناحية الأخرى موقفها الصريح والمباشر ضد الإنقلاب. وإضافة الي هذا، لكوادر قحت 1 القدرة علي التحرك بين الوسائط الإعلامية الغير رسمية، فكوادر أحزاب قحت 1 هي الأكثر تعليما وتأهيلا وخبرة بحكم مجالها الحيوي.

جماعة قحت 2 في المقابل بمواقفهم التي تراوحت ما بين مؤيد و متواطئ مع الإنقلاب أو مدين له بحياء، أتيحت لهم وسائط الإعلام الحكومية، ليظهر بعض كوادرهم مدافعين أو مبررين أو معتذرين عن الإنقلاب، وهذا زاد من سخط الشعب الثائر عليهم. مواقف قحت 2 أدت إلي فقد جماهيري كبير يصعب وسيصعب تجاوزه خاصة لحركتي العدل والمساواة جبريل وحركة تحرير السودان، مناوي.

الحملات الإعلامية المحمومة بين المجموعتين شملت الموضوعي كما تجاوز بعضها الخطوط الحمراء بالتكريس لواقع الإعتقاد بأن السودان هو الخرطوم وما تمثلة بكل الثقل التاريخي. المناطق الطرفية من الخرطوم يتم ذكرها لماما، أما مناطق سيطرة الحكومة في المدن خارج الخرطوم لا يتم إعطاءها أي وزن أو إهتمام.

بعض هذه الحملات الإعلامية صبت جام غضبها علي قادة حركتي العدل والمساواة جبريل إبراهيم وقائد حركة جيش تحرير السودان مني مناوي بما هو موضوعي لمواقفهما السياسية قبل وبعض الإنقلاب، وإستخدمت ما هو عنصري متجاوزا لأشخاصهم وحركاتهم ليطال إنتماءهم الإثني والجهوي كإسقاط علي ما إتخذوا من مواقف، وهذه ظاهرة سلبية ومدمرة سيكون لها ما بعدها.

حملات قحت 1 الإعلامية ركزت علي قضايا الآني في صراعها مع جماعة قحت 2 وهو الإنقلاب وما أسموه بالتحول الديمقراطي نحو الدولة المدنية. وفي هذا السياق، فقد قبضت جماعة قحت 1 علي جماعة قحت 2 متلبسين بالتواطؤ مع إنقلاب البرهان وهي فرصة لتجاوز قضايا تغيير بنية الدولة السودانية التي تطرحها الحركات المسلحة في الهامش مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد. ركزت جماعة قحت 1 علي قضايا التحول الديمقراطي، ولكنها لم تستصحب معها قضايا السلام الذي لم يكتمل بعد لأنها غير واعية بمستحقاته، وغير صادقة وغير جادة في تحقيقه، إن أحسنا الظن، ولكن واقع حال قحت 1 يقول انهم تبنوا كل ما من شانه إعاقة سلام مع القوي التي تسعي لتغيير بنية سودان مابعد الإستقلال، بل ذهبوا بالتامر علي هكذا تغيير ووقعوا إتفاق جوبا بهدف قطع الطريق علي أي تغيير يهدد مصالحهم وإمتيازاتهم التاريخية ويفكك أيا من أوضاع الحظوة المتوارثة. وقعت قحت 1 و 2 إتفاقية للسلام لم تستصحب قضايا النازحين و اللاجئين إلا لماما وحتي قضايا العدالة والتي تركز جلها على المطالبة بالعدالة لضحايا جرائم الخرطوم، وركزت علي جريمة فض الإعتصام… وتتم الإشارة لجرائم المدن خارج الخرطوم لماما وبما يخدم روايتها للثورة.

لنعود الي السؤال: لماذا إنقلبت قحت 2 أو الجبهة الثورية علي قحت 1؟

ولنعالج في هذه الفقرة الآتي:

1/ التآمر علي الجبهة الثورية
2/ إنتقام الجبهة الثورية من قحت 1
3/ تداعيات الصراع بين قحت 1 وقحت 2 والجبهة الثورية

عندما إستلمت قوي الحرية والتغيير السلطة وبدأت فى توزيع المناصب بينهم، تم إقصاء حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان مني مناوي. ذهبت قحت والجبهة الثورية إلي أديس أبابا ليتفاوضا في يوليو 2019، وهناك تم التآمر والإقصاء الفج لكل من جبريل ومناوي، وهذا بإيعاز من دولة معلومة، لأن جبريل لديه خلفية إنتماء اسلامي ومصنف كحليف لدولة قطر. عموما، فشلت محادثات أديس والتي من المفترض انها كانت بين حلفاء في نفس الخندق وكلاهما شاركا في إسقاط نظام عمر البشير!

فور سقوط مفاوضات أديس أبابا تدخل المصريون ونظموا مباحثات جديدة بين الطرفين في الغردغة!

لقاء الغردغة المصرية شارك فيه خالد سلك، وناجي الأصم، وعمر الدقير وآخرون.

طالبت الجبهة الثورية ببعض المناصب المفصلية في الدولة، ورفضت قحت 1 إعطائهم ما يريدون مدعين أنهم لا يمتلكون هذه المناصب، غضب قادة الجبهة الثورية، فإنهارت المحادثات فتوجه جبريل ومني إلي تشاد في يوليو 2019، لمقابلة الرئيس الراحل إدريس ديبي، وهنا وجد حميدتي ضالته، فإنضم وشمس الدين الكباشي إليهم في العاصمة التشادية انجمينا، وبدأت مؤامرة اخري علي الوطن!

تم وضع معالم إتفاق جوبا بين جبريل، مناوي وحميدتي في العاصمة التشادية انجمينا في يوليو2019 بضغط من تشاد. وتولت قوي أخرى إيجاد مخرج لمعزولي الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة مالك عقار (سنعالج هذا في مساحة أخري).

وفقا للوثيقة الدستورية كان من واجبات رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك أن يتولي ملف السلام بنفسه خاصة وأن هناك عداء وتنافس موضوعي وذاتى مابين قادة قحت 1 من ناحية وبين مناوي وجبريل من الناحية الأخرى، وقد بلغ العداء ذروته بما يهدد أحد شعارات ثورة ديسمبر!

رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لم يستلم القفاز ويقود محادثات السلام بنفسه أو يغير من عناصر قحت 1 التي تولت ملف السلام، بدلا عن هذا قام الدكتور عبد الله حمدوك بتسليم ملف السلام للمكون العسكرى لينفرد بإدارته (حميدتى و الكباشي والتعايشي) ، وهذا خطأ إستراتيجي إرتكبه رئيس وزراء الثورة عبد الله حمدوك.

أثار التقارب بين الجبهة الثورية والعسكر قلق قحت 1، خاصة وأنه بموجب إتفاق سلام جوبا ستحصل الجبهة الثورية علي مايقارب ال 19 وظيفة متقدمة، وهذا آثار حفيظة قحت 1 والتي ستفقد هذه الوظائف للجبهة الثورية. نشط التآمر علي الشعب السوداني وثورته، فعمد كل طرف علي التآمر علي الطرف الثاني وإستدعي ما لديه من أوراق لينال من الطرف الآخر.

بإستلام الجبهة الثورية للمناصب المؤثرة في الدولة وجدت أن القرار في هذه المناصب يتحكم فيه آخرون أسموهم بمجموعة الأربعة. قررت الجبهة الثورية مواجهة مراكز القوى فإستعانت بتقاربها مع المكون العسكرى الذى واصلت الإستجابة لهم… هنا هرعت قحت 1 إلي ملف فض الإعتصام وغيره من الملفات التي من شأنها أن تدين اللجنة الأمنية التي شرعنتها فيما قبل. قررت قحت 1 إبتزاز العسكر والضغط عليهم حتي يضعوا العراقيل أمام تطبيق إتفاقية سلام جوبا التي وقعوها… وهذا أحد أهم الأسباب التي قادت إلي قرار البرهان بالإنقلاب علي حكومة الدكتور عبد الله حمدوك الإنتقالية وجماعة قحت 1، واحد أهم الأسباب التي حظى بموجبها بمن يدعمه بدرجات مختلفة من جماعة إتفاق جوبا.

قضايا الحرب والسلام، وإن تم القفز عليها بواسطة مغامري السياسة من الحركات المسلحة التي لا رصيد لها، ومن جماعة قحت 1 بتوقيعهم على الإتفاق الكارثة في جوبا، والذي مارس فيه كلاهما التآمر علي الآخر، ثم ليختلفوا لاحقا حوله، هذا الوضع قاد إلي إنقلاب العسكر علي السلطة.

وبينما إنقلاب البرهان قد خلق واقعا جديدا أربك المشهد السياسي… تستمر قحت 1 وقحت 2 في الحرب الإعلامية مصطحبين لوصفة حرب أهلية قادمة… حرب مدن لا هوادة فيها.

نواصل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.