هيئة محاميّ دارفور.. مراحب..!
د. مرتضى الغالي
لم نتعوّد كيل المديح بلا وجه حق أو بسبب المجاملة والمداهنة الاجتماعية إلا ما خبرنا وعلمنا ورأينا.. ولا بد من الإشارة المتأخرة هنا إلى (هيئة محاميّ دارفور) فقد خبرناهم الآن وسابقاً أفراداً وجماعات خلال أيام (السكاكين الطويلة) في عهد الإنقاذ وقبل تشكّلهم في هذه الهيئة الذهبية..! خبرناهم في المنتديات واللقاءات وفي الأسفار والمشاركات الداخلية والخارجية المتعلقة بمنازلة الإنقاذ وكشف إجرامها وفسادها..وكانوا في كل الأحوال على قدر إيمانهم بقضايا الوطن والعدالة.. لم تجرفهم الأهوال الكبرى وعمليات الإبادة الوحشية التي طالت دارفور وأخواتها؛ علاوة ما كان يلقاه أعضاؤها من ملاحقة وحصار واعتقالات وتعذيب وتهديد.. يلتزمون جانب الموضوعية والنضال السلمي ويتصدون للدفاع الباسل عن الذين لاحقتهم الإنقاذ بالبطش في شتى أقاليم البلاد ومن مختلف القوى السياسية والمدنية والأفراد الذين لا تعرفهم إلا أنهم طرائد الإنقاذ وإنهم مناضلون أحرار يرفضون القهر والإذلال.. فاللهم إن هذا ما شهدناه من محاميّ دارفور وحقوقييها الشرفاء قبل وبعد تشكيل هيئتهم التي أصبحت في مقدمة قافلة المجتمع المدني ومنظمات الوطن الأهلية الطوعية التي تسهم بمقدراتها الذاتية لإقالة عثرات الوطن ورفع ألوية العدالة وسد الثغرات في جدار النضال الحقوقي اليومي والسعي الدؤوب نحو الإيفاء بحقوق المواطنين.. بل إنها أصبحت (رمانة ميزان) الحياة السودانية وجوهر صدر المحافل المدنية والثورية..لا تجنح للمغالاة والتطرّف ولا تجدها عند (المدافرة) من أجل الأضواء و(المعافرة) حول المناصب.. تحاول التأثير من موقعها ووظيفتها كداعية حقوق وجماعة ضغط للتوفيق بين كيانات الثورة والوطن وشركاء العدالة والعمل على منع الإفلات من العقاب وإقامة موازين العدل.. ورغم ما تعرّضت له دارفور من حرق وإبادة وتهجير فهي تواصل عملها بهدوء رصين.. تلتزم بطبيعتها الحقوقية ولا تدعو للجنوح والانتقام ولكنها لا تسامح في ملاحقة الجرائم ومعاقبة المجرمين.. كما تعمل من جانب آخر في مجال الرصد وإعداد الملفات الخاصة بتصنيف الجرائم ضد الوطن والناس والأرواح والممتلكات وحقوق السكن والعمل والمواطنة والحقوق الثقافية والسياسية والتواصل مع العالم والتأكيد على مواثيق الحقوق الدولية إلى جانب مساهماتها الفكرية في التثاقف الخاص بإعداد الدستور والمبادرات المتعلقة بإصلاح القوانين ومناهضة الحصانات ووحدة القوانين على النطاق الفيدرالي والمحلي.. وهي أيضاً تعمل بقوة في مجال رفع الوعي بحقوق الإنسان وشروط المواطنة وتنير الطريق مع رصيفاتها لطرد غياهب الجهل وتسليط الضوء على الواقع العدلي وخطورة غياب القضاء النظيف والتشريعات المستقيمة.. إلى جانب أنها تنقل صرخات ومظالم النازحين واللاجئين والمهمّشين و(المهشّمين) وفاقدي السند.. وليت الحركات المسلحة أو التي كانت مسلحة تسير على نهجها في العمل الأهلي الذي يتصل بالقواعد الشعبية والإسهام في تحسين حياتهم بدلاً من اللهاث حول المناصب وما نسمعه ونشاهده من مناوي وجبريل.. ولا نريد ذكر أسماء بعض (المهرجين) الذين ينطقون باسم الحركات الثورية.. فنحن لا نتجنّي ولكن نذكر الوقائع ولا نهتم بالمثالب الشخصية ونحكم عليهم بما نراه ونسمعه منهم في وسائط الإعلام وفي المحافل..وهنا تلح علينا طرفة الزعيم البريطاني الساخر (ونستون تشرشل) صاحب الرئاستين الذي قاد بلاده للنصر في الحرب العالمية الثانية حيث يُروى أن أحد المواطنين اقتحم موكبه وهتف في وجهه: أنت غبي وأحمق.. فاعتقلت الشرطة الرجل؛ وفي البرلمان احتج أحد الأعضاء على تشرشل وقال له في غضب: كيف يجوز اعتقال مواطن لمجرد أنه وجّه لك سباباً..؟ فرد عليه تشرشل بأن الشرطة لم تعتقله بسبب أنه وصفني بالحمق والغباء ولكن لأنه أفشى سراً من أسرار الدولة.!
نقلاً عن صحيفة الديمقراطى
لابد من تأسيس دولة المؤسسات، يسودها القانون، عنوانها المواطنة.