السر العجمي المحامي يكتب :العدالة الانتقالية (5 )
بقلم السر العجمي المحامي
خامسا: المفاهيم والاشكاليات المتعلقة بتطبيق العدالة الانتقالية:
1- المفاهيم المرتبطة بالعدالة الانتقالية:
أ- مفهوم المساءلة(Accountability)
عرفت الامم المتحدة مفهوم المساءلة بانه المفهوم الذى يعبر عن التزام من في يدهم السلطة بتحمل تبعات افعالهم, فهو مفهوم يصف الحقوق والمسؤوليات المتبادلة بين المواطنين على اختلاف مناصبهم ووظائفهم ومواقعهم في المجتمع, ومن ثم يعبر مفهوم المساءلة عن التوضيحات التي يعنى المسؤولين بتقديمها حول الصلاحيات التي يضطلعون بها, والواجبات المفروضة عليهم , وما يترتب عليها من الاصلاحات المطالبين بتحقيقها في ضوء الاستجابة للمطالب الشعبية, ومن ثم تحمل المسؤولية الكاملة عن النجاح او الفشل في تحقيق تلك المطالب.[1]
ب- مفهوم سيادة القانون(The Rule Of Law)
يعبر مفهوم سيادة القانون وفقا للأمم المتحدة عن واحد من مبادئ ادارة الحكم التي يخضع بموجبه كافة المواطنين والكيانات العامة والخاصة بما في ذلك الدولة ذاتها للمساءلة وفقا لما ينص عليه القانون ودون تفرقة, حيث يطبق هذا القانون على الجميع على قدم المساواة ويحتكم فيه الى القضاء المستقل, على ان يكون ذلك متفقا مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الانسان, حيث يقتضى تطبيق هذا المبدأ اتخاذ التدابير اللازمة التي تكفل الالتزام بمبدأ سيادة القانون, والمتمثلة في المساواة امام القانون, والمسؤولية امام القانون, والعدل في تطبيق القانون, والفصل بين السلطات, والمشاركة في صنع القرار, وما يترتب عليه من نزاهة وشفافية.[2]
ج- مفهوم العفو(Amnesty)
يشير مفهوم العفو الى التدابير القانونية التي تؤدى الى حظر الملاحقة القضائية اللاحقة ضد اشخاص معينين او فئات معينه من الاشخاص فيما يتعلق بسلوك أجرامي محدد ارتكب قبل اعتماد العفو, فضلا عن ابطال اى مسؤولية قانونية سبق اثباتها باثر رجعى, مع الاخذ في الاعتبار ان تدابير العفو لا تمنع المسؤولية القانونية عن سلوك لم يقع بعد اذ سيشكل ذلك دعوه لانتهاك القانون, وجدير بالذكر ان مفهوم العفو يختلف جملة وتفصيلا عن مفهوم الصفح,[3]* وكذلك يختلف مفهوم الغفو عن شتى اشكال الحصانات الرسمية, كحصانة رئيس الدولة, والحصانات الدبلوماسية*[4]
وقد وضع لويس جوانيت (Louis Joinet) احدى الطرق التي تمكن العدالة الانتقالية من الجمع بين مطالب مكافحة الافلات من العقاب وبين المصالحة والدمج فى عمليات تهدف الى ضمان الاحترام الكامل للحقوق , وفى مؤتمر عقد في سانتياغو في عام 1966 قدم تقريرا بعنوان مجموعة مبادى لحماية وتعزيز حقوق الانسان من خلال العمل على محاربة الافلات من العقاب, حيث اكد فيه على ضرورة التمييز بين العفو الممنوح قبل البدء فى اجراء المحاكمات وبين العفو الممنوح بعد صدور الاحكام وادانة الجاني, فالهدف من تدابير العفو هو تمكين الجاني من التعاون على اكمل وجه ممكن وذلك من اجل كشف الحقيقة حول كل تلك الانتهاكات سواء تلك التي ارتكبها ذلك الجاني او غيرها مما قد يكون على علم بها,[5]
د- مفهوم المصالحة(Reconciliation)
يعبر مفهوم المصالحة عن عملية متكاملة تتم بين الفئات والجماعات المختلفة المشكلة للمجتمع بهدف الوصول الى مصالحة وطنية شاملة تسعى الى تشكيل مجتمع اكثر امنا واستقرار, ومن ثم فهى تتخذ ابعادا عملية على ارض الواقع وليست مجرد اجراءات شكليه الهدف منها تصفية الحسابات كبديل لتحقيق العدالة, او اعتبارها وسيلة لتحقيق شكل محدود من اشكالها , فكما ذكر مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة فى قراره رقم 18\7 ان المصالحة تعد واحدة من الاهداف النهائية التى تسعى العدالة الانتقالية لتحقيقها , وعلى الرغم من ذلك فان مصطلح المصالحة فى بعض الاحيان يستحضر الخوف لدي بعض الناس خاصة عندما يقترن ببعض الدلالات الدينية.[6]
د- مفهوم التحول الديمقراطي (Democratization)
يشير مفهوم التحول الديمقراطي للانتقال الى نظام يأخذ بالتعددية السياسية ويعترف بوجود معارضة للنظام الحاكم ويضمن حرية الراي والتعبير في قضايا وموضوعات لم يكن مسموح بمناقشتها من قبل, ويؤمن بالمشاركة الشعبية بحيث يكون من حق المحكوم تغيير الحكومة بالطرق السلمية من خلال انتخابات دورية نزيهة, كما تقع علية مسؤولية الرقابة على من هم فى السلطة , وفى المقابل يتمتع الحاكم بطاعة المحكومين لذا يتجه نحو حل المشكلات التى تواجه النظام بالطرق السلمية.
[1] *ففى الدول الديمقراطية , تساعد ةعلاقات المساءلة على ضمان تمسك صانعى القرار بالمعايير والقواعد والاهداف المتفق عليها علنا, حيث يمنح المواطنون حكومتهم صلاحية فرض الضرائب والانفاق وسن القوانين ووضع السياسات وانفاذها, وفى المقابل يتوقعون منها تفسير وتبرير استخدامها صلاحياتها واتخاذ التدابير التصحيحية عندما تدعو الحاجة000للمزيد فى هذا الصدد انظر
-الامم المتحدة, برنامج الامم المتحدة الانمائى, تعزيز المساءلة الاجتماعية من المبدا الى التطبيق(مذكرة توجيهية) اغسطس2010 ص10
[2] الامم المتحدة, مجلس الامن, تقرير الامين العام فيما يتعلق بسيادة القانون والعدالة الانتقالية فى مجتمعات الصراع ومجتمعات مابعد الصراع,صص5-6
[3] *حيث يشير مفهوم الصفح الى القيام باجراء رسمى يتم بموجبه اعفاء مجرم مدان او اكثر من تنفيذ عقوبه صادرة بحقه او بحقهم بشكل كلى او جزئى دون ان يترتب على ذلك محو الادانة التى تستند اليها العقوبة المقرره عليهم
[4] فهذه الحصانات تحمى الموظفين المتمتعين بها من الخضوع للولاية القضائية لدولة اجنبية ما ولكنها لاتحصنهم من المساءلة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان. وذلك وفقا لما اكدته محكمة العدل الدولية فى سياق الحصانة الدبلوماسية لوزراء الخارجية من ان الحصانة من الولاية القضائية التى يتمتع بها وزراء الخارجية لاتعنى انهم يتمتعون بالافلات من العقاب فى سياق ايه جريمه قد يرتكبونها بغض النظر عن خطورتها, فالحصانه من الولاية القضائية والمسؤولية الجنائية الفردية مفهومان منفصلان تماما, فقد تمنع الحصانه من الةلاية القضائية الخضوع للمقاضاه لفترة زمنية معينة او فى سياق جرائم معينه, لكنها لايمكن ان تعفى الشخص الذى تنطبق عليه من المسؤولية الجنائية ككل.000 للمزيد فى هذا الصدد انظر
-الامم المتحدة , محكمة العدل الدولية, تقرير محكمة العدل الدولية1 اغسطس2001\31 يوليو2002(الوثائق الرسمية للامم المتحدة , محكمة العدل الدولية, الدورة57,الملحق رقم 4(A\57\4)ِ سبتمبر 2002) فقرة رقم 60
[5] ايريك سوستاس, مرجع سبق ذكره,ص101
[6] A Boraine in Christof Heyns & Karen Stetiszyn(eds) OP. Cit.p366
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.