السر العجمي يكتب عن : العدالة الانتقالية (6/1 )
& السر العجمي المحامي
العدالة الانتقالية
مقدمة
لاشك ان ثورة ديسمبر تعتبر تجربة تاريخية , عميقة, فريدة, قدم فيها الشعب السوداني كثير من التضحيات, فهي ثورة تختلف عن كل الثورات بالرغم من سلميتها التي امتازت بها, لا نها لم تكن ضد نظام حكم استبدادي شمولي. بل كانت ثورة ضد تنظيم عالمي بأكمله, وهو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين, الذى كان يحكم السودان بديكتاتورية دينية, حيث قام بتشريع قوانين ادت الي اذلال الشعب السوداني, والتبشيع به, واشعل الفتن والحروب, وكون المليشيات المسلحة, من اجل حمايته(الدعم السريع). لذلك ان الثورة السودانية تختلف عن بقية الثورات التي قامت من اجل التخلص من الانظمة الديكتاتورية. مثل ثورات شرق اروبا والربيع العربي. وسعت ثورة ديسمبر الي التحول الديمقراطي ,من خلال شعارها الفريد( حرية- سلام-عدالة). حيث تشير قيمة الحرية في شعار الثورة الي التحرر من القيود , والقدرة علي التعبير عما يعتقد الانسان بالقول او الفعل, وتستمد هذه القيمة اهميتها من ان تضمن حق الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في التعبير عن معتقداتهم وآرائهم, والحوار بشان القضايا العامة, والمشاركة في تكوين الراي العام. واحترام الآراء الاخر ي والتعايش وقبول الاخر. واحترام المعتقدات الدينية. وتشير قيمة السلام الي وقف الحرب التي ابتلاء بها الوطن منذ الاستقلال, وعدم وجود العنف بكافة انواعه, ولابد من تحقيق السلام حتي يعيش الوطن والمواطن في امن وامان. ويشير الضلع الاخير من شعار الثورة الي العدل حيث تشير هذه القيمة الي ضمان الافراد بحقوقهم وحرياتهم في اطار تكافؤ الفرص بحيث تكون الجدارة هي معيار التمييز, اي لا يكون هناك تمييز بسبب الدين او الاثنية , فالشعب جميعه يتساوى في الحقوق والواجبات.
وبالرغم من هذه الثورة العظيمة الا انها تحولت الى صراعات قبلية في بعض المناطق وشهدت احدات قتل , وذلك بتحريض من منتسبي النظام السابق ,وبعض قادة الحركات المسلحة بالرغم من توقيع اتفاقية السلام معهم, ومليشيات الدعم السريع وذلك بسبب عدم المساءلة والمحاسبة. وخوفا من تفتيت البنية التحتية والاجتماعية في الوطن وما يفرض ايجاد وسائل تعالج الفوضى الحاصلة بطريقة عصرية وملائمة للمجتمع السوداني وتقود البلاد نحو بناء دولة ديمقراطية تعددية تقوم على القبول التداولي للسلطة وحكم القانون والوصول الي دولة المواطنة. وذلك من خلال مسار العدالة الانتقالية لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب ,والإبادة الجماعية, وانتهاكات حقوق الانسان.
وقد طبقت عدد من الدول العدالة الانتقالية خلال مرحلة حكم انتقالية تالية للصراع بنجاح في العصر الحديث (سيراليون, الكنغو, رواندا , البوسنة, جنوب افريقيا) لكشف الحقيقة ومعرفة الحقيقة ذات البعد التاريخي ايضا, فهي توضح للأجيال الاتية حقيقة ما حدث في بلادهم, من خلال تقديم صورة شاملة تترسخ في ذاكرتهم, فقيمة العدالة هي مشاركة الناس من خارج هياكل السلطة السياسية ( مشاركة الضحايا وغيرهم من الطبقات المهمشة) في تحديد افضل السبل لتحقيق العدالة الانتقالية.
تمهيد:
برز مفهوم العدالة الانتقالية في الأوان الاخيرة فارضا نفسه بقوة على الساحة الدولية, حيث اعتبرت العدالة الانتقالية واحدة من ابرز الاليات التي تتيح التحول والانتقال من النظم الاستبدادية التي لا تعترف بحقوق الانسان وسيادة القانون, الى نظم تحترم القانون وحقوق الانسان في اطار عملية التحول الديمقراطي.
وعلى الرغم من ذلك لايزال مفهوم العدالة الانتقالية من المفاهيم الغامضة او الملتبسة, وخصوصا لما يشوبه من ابهام فيما يتعلق بالجزء الثاني من المصطلح, أي (الانتقالية) . فهل توجد عدالة انتقالية؟ وما الفرق بينها وبين العدالة التقليدية المرتبطة بأحكام القضاء واللجوء الى المحاكم بأنواعها ودرجاتها؟ وماذا نعنى بالعدالة الانتقالية؟ هل هي عدالة خاصة؟ ام عدالة للمرحلة الانتقالية تختلف عن القواعد العامة للعدالة؟ ام انها شيء اخر؟ الاجابة على هذه الاسئلة تقودنا الى تعريف ومفهوم العدالة الانتقالية.
اولا: مفهوم العدالة الانتقالية:
يتضمن مفهوم العدالة الانتقالية في جوهره تعبيرا عن فكرة التلاحم بين مفهومى ” العدالة والانتقال”. حيث يعبر مفهوم العدالة الانتقالية عن فكرة تحقيق العدالة اثناء الفترة الانتقالية, فقد شاع مفهوم الانتقال خلال العقود الاخيرة بشكل كبير تعبيرا في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية سواء كانت هذه المرحلة تعبر عن الانتقال من حالة الحرب الى حالة السلم او تعبر عن الانتقال من نظام سياسي قمعي الى نظام سياسي اخر يسعى الى تحقيق الديمقراطية. فقد وجد ان الغالبية العظمى لتلك المجتمعات ان لم تكن كلها قد مرت بالعديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان, فاتجهت الى اسلوب اخر يتم من خلاله التعامل مع ارث الماضي من هذه الانتهاكات وتحقيق العدالة دون الاضرار بجهود بناء السلام وتعزيز المصالحة الوطنية. فأصبحت تلك المجتمعات في حاجة لتطبيق العدالة بمفهوم جديد يحقق لها الانتقال الامن. وهو ما اصطلح على تسميته بالعدالة الانتقالية.[1]وعلى الرغم من ان مفهوم العدالة الانتقالية يترتب عليه وجود العديد من الاشكاليات والتحديات التي تختلف باختلاف الظروف والبيئة المحيطة بتلك المجتمعات الا انه في النهاية يسعى بشكل او باخر ان يسود شعور كلى بالعدالة بين كافة الفئات والجماعات المشكلة للمجتمع وليس الاعتماد فحسب على فكرة العقاب الكلاسيكية المقترنة بالعدالة الجنائية.
لقد برزت فكرة العدالة الانتقالية في اعقاب الحرب العالمية الثانية باعتبارها مكملة للعدالة الجنائية , وتحديدا في اعقاب بدء محاكمة نورمبرغ عام 1945. وقد ارتبط مفهوم العدالة الانتقالية في الاساس بحركة حقوق الانسان الدولية. فكان يستخدم في البداية للتعبير عن العملية القضائية التي تسعى الى معالجة انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبت على نطاق واسع اثناء الحروب والصراعات المسلحة.[2] ثم استخدم المفهوم للتعبير عن تلك العملية التي يتم من خلالها معالجة انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة من قبل النظم الديكتاتورية والقمعية فى اطار عملية التحول الديمقراطي. ثم اكتسب مفهوم العدالة الانتقالية اهمية متزايدة خلال العقود الاربعة الاخيرة, حيث اصبحت الوكالات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان وبناء السلام تستخدم مفهوم العدالة الانتقالية للتعبير عن واحدة من اليات بناء السلام في المجتمعات التي مزقتها الصراعات والحروب الاهلية فاصبح مفهوم العدالة الانتقالية يعبر عن انشاء المحاكم الجنائية الدولية بأنواعها, ولجان تقصى الحقائق والمصالحة , وتطهير واصلاح المؤسسات والتسويات المتعلقة بالماضي ودفع التعويضات والمبادرات السياسية والاجتماعية لا عادة الدمج والتأهيل.[3]
[1]( درازان دو كينش, العدالة في المرحلة الانتقالية والمحكمة الجنائية الدولية في مصلحة العدالة) في المجلة الدولية للصليب الاحمر(كامبريدج: اصدار جامعة كامبريدج, المجلد 89 العدد 867 سبتمبر2007) ص150-151
[2] (فقد ظلت ادبيات العدالة الانتقالية لفترة طويلة من الزمن تتعامل مع العدالة الانتقالية باعتبارها العدالة المتعلقة بالمحاكمات الجنائية واصلاح مؤسسات الحكم الرسمية , حيث قام الخبراء القانونيين في اطار ذلك بنشر العديد من البحوث والدراسات التي تتناول الاجراءات والتوصيات والحرب مثل الخطوات الواجب اتباعها سواء لا نشاء المحاكم الدولية او المختلطة او تكنيك عملها للتعامل مع الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان التي تدخل في اطار العدالة الانتقالية. فركزت البحوث والدراسات بشكل أساسي على المحاكم الدولية التي انشئت لمحاكمة مجرمي الحرب مثل محكمتي يوغسلافيا ورواندا وغيرها من المحاكم الجنائية الدولية الخاصة0000للمزيد بهذا الصدد انظر
Martina Fischer,Transitional Justice,andReconciliation;Theory andPractice,InBeatrix Austin&H.J.Giess
[3] (Idem)
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.