العدالة الإنتقالية ، هل من أمل؟
بقلم: كومان سعيد
إن إحدى أكبر المشكلات التي تواجه التحول الديمقراطي اليوم هي مشكلة العدالة الانتقالية والمحاسبة التاريخية. إن مخاطبة التركات الثقيلة جداً من انتهاك حقوق الإنسان ضرورة، وإحدى أهم الركائز لتحقيق السلام الشامل والتحول الديمقراطي في السودان. جميعنا يعلم جيّداً أن أحد أقوى أسباب اندلاع الحروب في السودان، يعود بشكل كبير جدّاً إلى العقلية العنصرية الحاكمة في تنظيرها الثقافي ومرجعياتها الفكرية المُتحيّزة، في إدارة قطر يُعَدُّ من أكثر الدول تنوّعاً في هذا الكوكب الأزرق الصغير الباهت.
وعلى الرغم من صعوبة عملية تحقيق السلام وتعقيدات المشهد السياسي واتفاق الأطراف المتحاربة والمُتخاصمة على حصص الثروة والسلطة وإعادة الدمج والتسريح، يبدو أن استحقاقات السلام في هذا السياق أصعب بكثير مما نعتقد. وهي بكل تأكيد أكثر بكثير من مجرد تقاسم الثروة والسلطة بين الأحزاب السياسية والحركات المسلحة والقوة المركزية الحاكمة.
إن أهمية العدالة الانتقالية هي أهمية جوهرية لعملية التحول الديمقراطي وعملية تحقيق والحفاظ على السلام.
إن السياق السوداني المعقد جدّاً، ولنأخذ دارفور كنموذج، يجب أن تصمم له خصيصاً آليات عدالة انتقالية ومحاسبة تاريخية، تنبع من صميم إرث وثقافة المجتمع السوداني بشكل عام والدرافوري بشكل أكثر خصوصية، يكون محل اهتمامها، وأن تأخذ الإرث المتوارث للمجموعات المحلية في التعامل مع الانتهاكات والحروبات القبلية على مدى تاريخ الإقليم.
1*في مجتمعاتنا المحلية في إفريقيا يتم العمل بآليات العدالة التقليدية، مثل كولو كوور، وماتو أوبوت، وكايو كوك، وآيلوك وتونو تيش كوكا
وغيرها، كما مارستها المجتمعات المحلية المتأثرة باالصراع، مع إجراء التعديلات الضرورية، كجزء محوري في إطار المساءلة والمصالحة.
ففي واقعنا السوداني يمكننا الاستعانة بأنظمة الحكم المحلية مثل الجوديات، القلد، الفرشة والراكوبة.
2* قبل حوالي عشر سنوات، بدأ الروانديون، الذين يصارعون التركة الثقيلة للإبادة الجماعية، بالبحث في إمكانية اللجوء إلى أداة غير رسمية لتسوية النزاعات، تسمى غاتشاتشا، في سياستهم لتحقيق العدالة الانتقالية. ومنذ ذلك الحين، تم إنشاء الآلاف من هذه المحاكم الشعبية. لقد حددت وحاكمت أعداداً كبيرة من الرجال والنساء، الذين يشك في أنهم شاركوا في أحداث نيسان/أبريل – حزيران/يونيو في 1994. لقد اجتذبت أنشطة الغاتشاتشا في العدالة والمصالحة اهتماماً عالمياً، وقد كتب الأكاديميون أعداداً لا تحصى من المقالات والكتب حول الموضوع، وقدمت المنظمات الدولية غير الحكومية والبلدان المانحة تمويلاً سخياً لهذه الأنشطة، وقد حظيت عمليات إعادة الإدماج الطقس للمقاتلين السابقين في موزمبيق وسرياليون بترحيب مماثل، لقد شكل ذلك ولادة حالة من الرواج الكاسح لمثل هذه الأنشطة.
على مدى تاريخنا السياسي الطويل، منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، لم يؤخذ سؤال العدالة الانتقالية على محمل الجد، في كل من الديمقرطيات الثلاث، طوال تريخنا السياسي المضطرب.
فقد تم ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب من قبل كل الأنظمة السياسية المتعاقبة.
هنا في هذة البقعة من الكون لدينا تاريخ طويل جداً من الانتهاكات يعود إلى أول حكومة (وطنية) بقيادة الأزهري ومجزرة عنبر جودة، مروراً بأول انقلاب عسكري وانتهاكات نميري في جنوب السودان، ومجزرة الضعين فترة الصادق المهدي، وختاماً بالتاريخ الأسوأ، حيث فترة حكم نظام الإخوان المسلمين.
٣* كان الجواب دائماً على سؤال العدالة الانتقالية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى في ثمانينات القرن الماضي هو تحاشي مثل هذة التركة المؤلمة، حيث أخذت هذه السياسة أحياناً شكل الصمت المفروض ذاتياً مثل ما حدث في كمبوديا بعد الخمير الحمر، وفي مناطق أخرى مثل إسبانيا بعد زوال نظام فرانكو حيث تم الوصول إلى حالة النسيان نتيجة تسوية تفاوضية بين النخب التي خلفته، فتم الترسيخ للإفلات من العقاب من خلال قوانين عفو رسمية.
اليوم وبعد إسقاط نظام الإخوان المسلمين والبدء في تأسيس تحول ديمقراطي حقيقي، نضمن من خلاله عدم الردَّة مرة أخرى على الديمقراطية، كيف سنجيب على هذا السؤال؟
هل هذا السؤال مهمٌّ للسياسيين والقوي السياسية الفاعلة في مجتمعنا؟
مصادر:
2017 المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات
العدالة والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة: التعلم من التجارب الأفريقية
Traditional justice and reconciliation after violent conflict: learning from African experiences
لوك هويسه
مارك سولرت
العدالة الإنتقالية
Transitional Justice
✍🏿 احمد عمر نقرة كافي
(١-٣)
-:مقدمة
“ان اعظم عمل إنساني هو رد العدالة لمن فقدها”
فولتير
يشوب الغموض مسألة العدالة الإنتقالية من ناحية اهميتها، وحقيقة وجودها وقدر فاعليتها ، او تمييزها من العدالة التقليدية التي يقتصر تحققها علي الآليات القضائية المتاحة. ففكرة العدالة الإنتقالية تستند عموما الي جملة قيم ومبادئ رئيسية لا يمكن إنكارها او تجاهلها ، وتتقاطع مع العدالة التقليدية في إعمال الحقوق و ردها الي اصحابها الشرعيين ، وكشف الحقيقة وجبر الضرر وتعويض الضحايا .
تهدف العدالة الإنتقالية الي تحقيق العدالة للضحايا في البلدان التي مرت بحروب ادت الي تمزيق المجتمع و تدمير الدولة ، لكن هل تمثل العدالة الإنتقالية بديلا من العدالة التقليدية التي تتحقق بالآليات القضائية ؟
هناك إختلاف بين مفهومي العدالة الإنتقالية والعدالة التقليدية ، فالأولى لها علاقة بالمراحل الإنتقالية كالإنتقال من واقع نضال مسلح داخلي او حروب اهلية الي حالة السلم الاهلي والبناء الديمقراطي ، او الإنتقال من حكم شمولي و إستبدادي الي بناء مجتمع ديمقراطي قائم علي التعددية والقبول بالتداول السلمي للسلطة ، او التحرر من الكولونيالية او الإحتلال الأجنبي و الانظمة القائمة علي الفصل والتمييز العنصريين الي إقامة حكم وطني يقوم علي الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، كما حدث في السودان الآن بعد زوال الحكم الذي تنطبق عليه كل المسميات و الاوصاف سالفة الذكر.
في الاحوال جميعها تستهدف العدالة الإنتقالية تطبيق الإجراءات الكفيلة بمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة (جرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي)،
وتجزير الإيمان بفكرة حقوق الإنسان و مبادئها لتنظيم العلاقة بين الدولة ومواطنيها ، وإنصاف الضحايا وجبر الضرر ، وإصلاح اجهذة الدولة كالجيش والقضاء والشرطة واجهزة الامن.
يعتقد كثيرون ان العدالة الإنتقالية تتناقض مع العدالة الجنائية (التقليدية). ولهذا التخوف ما يسوغه في ضوء النتائج التي افضت اليها عشرات التجارب خلال العقود السابقة ، إذ تمكن مرتكبو الجرائم الخطيرة الإفلات من العقاب في سياق اي عملية محتملة للعدالة الإنتقالية.
تنتهك انظمة الحكم الشمولية ادني معايير حقوق الإنسان ، ولا تكترث لسيادة القانون ، الامر الذي يفضي الي إنهيار الانظمة القانونية للدول ، فتصبح معدومة الصلاحية و فاقدة للاهلية ، وتتسبب إنتهاكات حقوق الإنسان في اثناء النزاعات المسلحة أو الثورات بإنهيار الانظمة القانونية في الاحيان معظمها ، و تدخل البلدان ذات العلاقة بعد زوال هذه الاسباب في مرحلة البناء علي اسس مغايرة و عادلة، إذ يحاول ابناء المجتمع المتضررين إيجاد قواسم مشتركة فيما بينهم سعيا لكشف الحقيقة و محاسبة مرتكبي الجرائم الخطرة وجبر الضرر وتعويض الضحايا وإعادة بناء مستقبل مغاير فيلجأون الي العدالة الإنتقالية من اجل تثبيت السلم و إقرار العدل.
ظهر مفهوم العدالة الإنتقالية بعد عام 1980م ، و بدأت هذه النظرية تتبلور و تكتسب اهميتها منذ زلك الوقت مستلهمة تجارب عشرات البلدان وفي مقدمتها شعوب امريكا اللاتينية التي استطاعت إلحاق الهذيمة بالطغاة والانظمة الإستبدادية. و هنالك تجربة الأرجنتين في ثمانينيات القرن الماضي وتجربة تشيلي عام 1990م و تجربة السلڤادور عام 1992م التي سعت لتقصي الحقائق المتعلقة بإنتهاكات حقوق الإنسان و كشفها و تحديد المسؤولين عنها ، و جبر الضرر ووضع الضمانات الكفيلة بمنع تكرارها
وتحقيق مصالحة وطنية تعذذ السلم الاهلي ، و إنشاء نظام ديمقراطي قائم علي سيادة القانون.
ترتكذ فكرة العدالة الإنتقالية علي جملة مبادئ اساسية تتمثل بإعمال الحقوق وإعادتها الي اصحابها الشرعيين وكشف الحقيقة وجبر الضرر وتعويض الضحايا ، وقد جاء في تقرير الامين العام للامم التحدة السابق كوفي انان ان العدالة الإنتقالية تشمل (نطاق العمليات كاملا و الآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتقديم تركته ، من تجاوزات الماضي واسعة النطاق بغية كفالة المسألة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة) و قد تشمل هذه الآليات القضائية وغير القضائية علي السواء محاكمة الافراد وجبر الضرر وتقصي الحقيقة وإصلاح مؤسسات الدولة او اي صورة تدمج هذه العناصر علي نحو مدروس و ملائم.
تبني العدالة الإنتقالية علي مجموعة مبادئ تتمثل بمحاكمة مرتكبي الجرائم والإعتراف بالوضع الخاص للضحايا وإحترام الحق في الحقيقة وإعتماد سياسة التنحية (العذل) بحق المتورطين في إرتكاب الجرائم ودعم البرامج الرسمية والمبادرات الشعبية لتخليد زكري الضحايا ودعم الإجراءات و الوسائل التقليدية و الأهلية و الدينية في التعاطي مع الإنتهاكات السابقة و المشاركة في عملية الإصلاح المؤسساتي الهادفة الي دعم سيادة القانون والحقوق الرئيسية وإقامة الحكم الرشيد.
في الاحوال كلها يجب أن تراعي العدالة الإنتقالية بالدرجة الأولى مسألة محاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة (جرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي واسعة النطاق) فضلا عن تقوية الإيمان بفكرة حقوق الإنسان و مبادئها بوصفها اداه لتنظيم العلاقة بين المواطن والدولة ، و إنصاف الضحايا و جبر الضرر ، إصلاح اجهذة الدولة كالجيش والقضاء والشرطة واجهزة الامن.
ينبغي من الناحية المثالية ان ينبع نهج العدالة الإنتقالية في السودان ايضا وزلك في اطار استراتيجية شاملة و متكاملة ، و تتطلب تعقيدات الوضع في السودان إتخاذ إجراءات في المستويات المختلفة بدءا بالبحث عن الحقيقة و محاسبة المجرمين و إنصاف الضحايا في شتي مناطق هامش الدولة السودانية و عمقها وفي كل الإتجاهات لوضع حد للمأساة الناتجة عن إنتهاكات حقوق الإنسان و الجرائم بالغة الخطورة من (جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي واسعة النطاق) التي حدثت و مازالت تحدث في اطراف الدولة السودانية ، علي حكومة الفترة الانتقالية ان تتخذ إجراءات العدالة الإنتقالية والتي سنوردها بالذكر في الجذء التالي من البحث وتطبقها علي أرض الواقع للحد من آثار الجرائم واحقاق الحق للضحايا والحد من عدم افلات الجناه الذي بدى للعيان .
و نواصل
العدالة الإنتقالية
Transitional Justice
(٢–٣)
✍🏿 احمد عمر نقرة كافي
” ان اعظم عمل انساني هو رد العدالة لمن فقدها”
فولتير
كما اسلفنا في الجذء السابق من البحث، تشير العدالة الإنتقالية الي مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من اجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية ، و لجان التحقيق، وبرامج جبر الضرر واشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات ، وليست العدالة الإنتقالية نوعا خاصاً من العدالة ، وإنما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الإنتقال من النزاع و /او قمع الدولة ،من خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا ، تقدم العدالة الإنتقالية إعترافا بحقوق الضحايا وتشجيع الثقة المدنية وتقوي سيادة القانون .
*اهمية العدالة الإنتقالية :-
علي اثر إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان يحق للضحايا ان يرو معاقبة المرتكبين ومعرفة الحقيقة والحصول على تعويضات.
ولان الإنتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان لا تؤثر على الضحايا المباشرين فحسب، بل على المجتمع ككل ، فمن واجب الدولة ان تضمن بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات ، عدم تكرار تلك الإنتهاكات ، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسسات التي اما كانت لها يد في هذه الإنتهاكات او كانت عاجزة عن تفاديها.
وعلي الارجح ان تاريخا حافلا بالإنتهاكات الجسيمة التي لم تعالج سيؤدي الي إنقسامات اجتماعية وسيولد غياب الثقة بين المجموعات وفي مؤسسات الدولة ، فضلا عن عرقلة الامن و الاهداف الإنمائية او ابطال تحقيقها ، كما انه سيطرح تساؤلات بشأن الإلتذام بسيادة القانون وقد يؤل في نهاية المطاف الي حلقة من العنف في اشكال شتي.
وكما يبدو وجليا في معظم الدول حيث ترتكب إنتهاكات لحقوق الإنسان ،تأبي مطالب العدالة ان تتلاشي.
*الاهداف والغايات:-
تهدف العدالة الإنتقالية بشكل اساسي، الي تحقيق المصالة الوطنية، فبعد الإرث الكبير من إنتهاكات حقوق الإنسان تنحو المجتمعات الي فقدان الثقة بحكم القانون، و بآليات العدالة التقليدية ، ويظهر ذلك جليا في الدول التي تعاني من الحروب والنزاعات الاهلية ،حيث يتشكل لديها الدافع القوي للرغبة في الإنتقام وهو ما يدخل المجتمع في دوامة لا نهائية من العنف والعنف المتبادل.
كما تهدف العدالة الإنتقالية الي إصلاح مؤسسات الدولة ،وعلي رأسها مؤسسة الجيش والامن وكافة المؤسسات المتورطة في ارتكاب إنتهاكات حقوق الإنسان او التي لم تمنع إرتكابها. وبهذا تكون قد منعت والي حد كبير ، تكرار هذه الإنتهاكات في المستقبل.
*استراتيجيات واشكال العدالة الإنتقالية :-
تشير التطبيقات الفعلية للمفهوم الي ان اي برنامح لتحقيق العدالة الإنتقالية عادة ما يهدف لتحقيق مجموعة من الاهداف تشمل:- وقف الإنتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان ،التحقيق في الجرائم الماضية، تحديد المسؤولين عن إنتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم ،تعويض الضحايا ،منع وقوع إنتهاكات مستقبلية ،الحفاظ علي السلام الدائم ،الترويج للمصالحة الفردية والمجتمعية.
. ولتحقيق تلك الاهداف، تتبع العديد من الإستراتيجيات بعضها ذي صبغة قضائية والبعض لا يحمل هذه الصبغة ، هي:
1- الدعاوى الجنائية :-
وتشمل تحقيقات قضائية مع مسؤولين عن إرتكاب إنتهاكات حقوق الإنسان ؛ وكثيرا يركذ المدعون تحقيقاتهم علي من يعتقد انهم يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية عن الإنتهاكات الجسيمة او المنهجية ،ويمكن القول ان اول اعمال لهذه الآلية كان مع محاكمات نورمبيرغ التي اجريت للنازيين في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية ،وهي قد تتم علي المستوي الاقليمي او الدولي او من قبل بعض الاجهذة الخاصة مثل المحكمة الخاصة بسيراليون.
2-لجان الحقيقة :-
وهي هيئات غير قضائية تجري تحقيقات بشأن الإنتهاكات التي وقعت في الماضي القريب، وإصدار تقارير وتوصيات بشأن سبل معالجة الإنتهاكات والترويج للمصالحة ، وتعويض الضحايا وإحياء ذكراهم ، وتقديم مقترحات لمنع تكرار الإنتهاكات مستقبلا .
3-برامج التعويض وجبر الضرر:-
وهذه مبادرات تدعمها الدولة ، وتسهم في جبر الاضرار المادية والمعنوية المترتبة علي إنتهاكات الماضي ؛ وتقوم عادة بتوزيع خليط من التعويضات المادية والرمزية على الضحايا ،وقد تشمل هذه التعويضات المالية والإعتذارات الرسمية.
4-الإصلاح المؤسسي :-
وتستهدف المؤسسات التي لعبت دورا في هذه الإنتهاكات (غالبا القطاع الامني ، والمؤسسات العسكرية ، والشرطة والقضاء وغيرها) والي جانب تطهير هذه الاجهذة من المسؤولين غير الأكفاء والفاسدين، غالبا ما تشمل هذه الجهود تعديلات تشريعية واحيانا دستورية للتخلص من القوانيين المقيدة للحريات وتهيئة اجواء للديمقراطية والمصالحة الوطنية.
5-آليات اخري:-
يشير الواقع الي وجود آليات اخري من قبيل جهود تخليد الذكري وتشمل إقامة المتاحف والنصب التزكارية التي تحفظ الذكري العامة للضحايا وترفع مستوي الوعي الاخلاقي بشأن جرائم الماضي، وبالفعل قد حدث جذء منها من قبل الثوار علي مستوي الخرطوم ومدن اخري بتسمية شوارع بعينها باسماء بعض الشهداء الذين سقطوا اثناء ثورة ديسمبر التي اطاحت بحكم الطاغية البشير وذجت به خلف الغضبان،مع ان هذه الجهود شبابية ثورية بحته لا يد للحكومة فيها الا انها خلدت ذكري وخلقت جو من الراحة العامة في ضمير الشعب السوداني.
ويمكن ان تتم هذه الآليات علي المستوي الوطني بشكل كامل ،او علي المستوي الدولي او علي نحو مختلط او هجين مثل الترتيبات الخاصة في سيراليون وتيمور الشرقية وكوسوفا ، إذ يعد إنشاء الإستراتيجيات المختلطة او الهجينة للعدالة الإنتقالية إستجابة منطقية للمشكلات التي تواجه الإستراتيجيات ذات الطابع الدولي مثل البعد الجغرافي والإنفصال القيمي عن المجتمعات المعينة ،ومن ثم الإستراتيجيات الهجينة من المتوقع ان تكون اكثر قدرة علي تحقيق المصالحة الوطنية والسلام الإجتماعي ،لا سيما في حالة اعتمادها علي مجموعة من القيم الإجتماعية والثقافية قادرة علي إستيعاب الاختلافات في روايات الاطراف المختلفة للاعمال العدائية التي تكون هذه المجتمعات قد شهدتها.
من ناحية اخري ،لا تعمل مناهج وآليات العدالة الإنتقالية بصورة منفصلة عن بعضها البعض، انما تعمل وفق رؤية تكاملية فيما بينها وقد تكون مكملة لبعضها البعض.
مثلا:- قد يعتبر البعض ان قول الحقيقة دون تعويضات خطوه بلا معني، كما ان منح التعويضات المادية دون عمليات مكملة لقول الحقيقة والمكاشفة سيكون بنظر الضحايا محاولة لشراء صمتهم.
كما ان تكامل عملية التعويض مع المحاكمات يمكن ان توفر جبرا للاضرار اكثر مما توفره كل علي انفراد. وقد تحتاج التعويضات من جانب آخر الي دعمها بواسطة الإصلاحات المؤسسية لإعلان الإلتذام الرسمي بمراجعة الهياكل التي ساندت او ارتكبت إنتهاكات حقوق الإنسان. مع الاخذ في الحسبان ان النصب التذكارية غالبا ما تهدف الي التعويض الرمذي والجبر المعنوي للاضرار.
*عناصر سياسية شاملة للعدالة الإنتقالية :-
ليست مختلف العناصر المكونة لسياسة العدالة الإنتقالية عبارة عن اجذاء في لائحة عشوائية ، انما هي تتصل الواحدة بالاخري عمليا ونظريا ، وابرذ هذه العناصر الاساسية هي:
*المحاسبة والقصاص :
ملاحقة جنائية للاشخاص اللذين انتهكوا حقوق الإنسان في النظام السابق.
*المصالحة الوطنية :
المصالحة السياسية لا بد ان يسبقها توافق سياسي او إتفاق سياسي ، ونتفق علي الثوابت الوطنية ،فلكي تكون هناك مصالحة تبدأ مصالحة ثم محاسبة ثم مصالحة.
*الملاحقات القضائية :
لاسيما تلك التي تطال المرتكبين اللذين يعتبرون اكثر من يتحمل المسؤولية.
*جبر الضرر:
الذي تعترف الحكومات عبره بالاضرار المتكبدة وتتخذ خطوات لمعالجتها ، وغالبا ما تتضمن هذه المبادرة عناصر مادية (كالمدفوعات النقدية او الخدمات الصحية على سبيل المثال) فضلا عن نواح رمذية (كالإعتذار العلني او احياء يوم الذكري).
*إصلاح المؤسسات :
ويشمل مؤسسات الدولة القمعية علي غرار القوي المسلحة ، والشرطة ،والمحاكم بغية تفكيك بالوسائل المناسبة آليات الإنتهاك البنيوية و تفادي تكرار الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.
*لجان القيقة:
او وسائل اخري للتحقيق في انماط الإنتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها ، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة علي فهم الاسباب الكامنة وراء الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ، وهذه ليست بلائحة مغلقة ،فقد اضافت دول مختلفة تدابير اخري ، فتخليد الذكري مثلا والجهود العديدة لتخليد زكري الضحايا من خلال إنشاء متاحف ، وإقامة نصب تزكارية وغيرها من المبادرات الرمزية مثل إعادة تسمية الاماكن العامة وغيرها قد باتت جزءا مهما من العدالة الإنتقالية ترتكذ علي موجبات قانونية وإخلاقية متينة ، الا ان هامش الإستيفاء بهذه الموجبات كبيرة وبذلك ما من تناسب السياقات كافة.
وبذا ما علينا سوي المطالبة والإلحاح عليها لتطبيق إجراءات العدالة الإنتقالية كاملة علي ما حدث من النظام البائد بالسودان وما حدثت مت ممارسات شنيعة وقعت علي ثورة الشباب المعتصمين امام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة ومسيرات التظاهرات السلمية التي تلتها في مدن اخري ، وما حدث من جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي واسعة النطاق في جبال النوبة ودارفور والنيل الاذرق وشرق السودان وغيرها من المناطق .
تطبيق هذه الإجراءات امر ضروري وملح لما تمر به البلاد من فترة انتقالية من عهد سابق مارس إنتهاكات لحقوق الإنسان علي نطاق واسع ،حتي لا يفلت الجناه من العقاب ونري الآن بأم اعيننا ان من خططوا لفض إعتصام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة قد فلتو من العقاب بوجود عدد منهم علي مستوي مجلس السيادة ، وان المحاكمات التي تجري الآن للطاغية البشير لمخالفات مالية بسيطة ونسيان ما اقترفه هو واعوانه من المطلوبين للعدالة الجنائية الدولية انه لامر عجيب يخالف القانون ويخالف مبادئ العدالة الإنتقالية والوجدان السليم ،حيث ان محاكمة هؤلاء الضالعين في الجرائم الكبري او تسليمهم للعدالة الجنائية الدولية امر مطلوب وعلي وجه السرعة حتي يتثني لنا التحول الي دولة ديمقراطية تحترم التعددية الإثنية والدينية وتحترم إنسانية الإنسان وحقوقه النصوص عليها في الإتفاقيات والمعاعدات والمواثيق الدولية ،فرفع الحصانة عن اعضاء المجلس السيادي من العسكريين ومن عاونهم من الأجهذة الاخري واجتمعوا وخططوا ونفذو وحدث ما حدث بالإعتصام انه لضرورة قصوي تتطلبها المرحلة الحالية لضمان حقوق كل من نزفت منه قطرة دم في ميدان الإعتصام.
تسليم البشير للعدالة الجنائية الدولية مطلب ثوري
Albasheer To I.C.C
ونواصل
العدالة الإنتقالية
Transitional Justice
(٣–٣)
✍🏿احمد عمر نقرة كافي
“ان اعظم عمل إنساني هو رد العدالة الي من فقدها”
فولتير
وهل ترد العدالة الي من فقدها؟
وفقا للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية التي حدثت في دارفور والتي لا يستطيع ان ينكرها الا مكابر و ناكر للحقيقة توصلت لجنة التحقيق الدولية برئاسة انطونيو كاسيسي لنتائج ،ورفعت تقريرها الي مجلس الامن الدولي بشأن الجرائم التي ارتكبت.
بقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في ٣١ مارس آذار لعام2005 رقم 1593في الجلسة 51580 احال الحالة في دارفور الي المحكمة الجنائية الدولية، فوفقا لتقرير لجنة التحقيق رقم 60/2005/Sبشأن إنتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ، احال مجلس الامن هذه الحالة متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، والذي يحق فيه لمجلس الأمن في حالة إخلال دولة ما بالسلم والامن الدولي ان يتخذ ما يراه مناسباً من إجراءات ،فباشر المدعي العام والمحكمة عملهما الي ان وصلت الإجراءات الي اصدار امر بالقبض لوزير الدولة لشؤون الداخلية احمد محمد هارون وقائد مليشيات الجنجويد علي محمد علي عبدالرحمن (علي كوشيب) وتواصلت الاحداث وتواصلت الجرائم الي ان وصل الامر الي اصدار امر توقيف بحق المجرم عمر حسن أحمد البشير ،الذي تجري محاكمته الآن في الخرطوم علي خلفية إنقلاب ١٩٨٩م بدلا من ان يحاكم وفقا لإعترافه بقتل 10,000فرد في دارفور مجرداً هذا الكم من حقوقهم في الحياة.
عليه فإن المجرم البشير يجب ان يحاكم دولياً لما اقترفه من جرائم بحق شعب دارفور وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
وتدرج الوضع وذاد سوءاً الي ان انفجرت الثورة في العمق بالخرطوم وذاد الامر تنكيلا و قتلا بحق الشباب الثوار دون ادني إكتراث وفي مرئي و مسمع الجميع ، قاوم الثوار الي ان سقط الطاغية البشير ثم تلاه ابن عوف في السقوط فتكون من بعدهم المجلس العسكري الإنتقالي الإنقلابي برئاسة البرهان ونائبه حميدتي وذاد اعتصام الثوار قوة مطالبين بمغادرة العسكر وتسليم ذمام الحكم لحكومة مدنية إنتقالية فتوالت الهجومات عليهم الي ان تم فض الإعتصام بابشع طريقة علي مر التاريخ بواسطة المجلس العسكري المشؤوم قتل فيه من قتل واصيب فيه من اصيب ومات اخرون مؤخرا متأثرين بجراحهم و أُلقِيتَ كثير من الجثث في مياه النيل وكانت مياه النيل ثورية فطفحت الجثث الي ضفافه ، بمأساه كبيرة جدا استقبلنا عيد الفطر المبارك و ارض الخرطوم ارتوت بدماء الشهداء ،اكاد ان أجزم أن كل سوداني اينما كان قد تدفقت منه دموع الحذن ،وطلع علينا المجلس العسكري المشؤوم ببيانه الفطير علي لسان الناطق الرسمي الكباشي (وحدث ما حدث)
بسبب عدم تطبيق العدالة التقليدية و العدالة الإنتقالية تراكمت علي الشعب السوداني مرارات و إحتقانات كثيرة ما زالت تظهر هنا وهناك ،اذ لا بد للحكومة الإنتقالية تدارك الامر بفعالية والقيام بالآتي:
1- تسليم المجرم البشير للمحكمة الجنائية الدولية.
2- اجراء محاكمات داخلية لكل اعوان النظام البائد في كل الجرائم المالية وغيرها.
3- تفعيل إجراءات لجنة التحقيق بشأن فض الاعتصام وتقديم المتورطين الي محاكمات امام قضاء عادل ونزيه يضمن حقوق كل طرف.
4- إعادة هيكلة مؤسسة الجيش والشرطة واجهزة الامن وضرورة عذل كل من له صله بالدولة العميقة.
5- إصلاح مؤسسة القضاء بإخراج قضاة التمكين.
اخيرا حتي لا نكون في دوامة متوالية ولا نهائية من هضم الحقوق وتتوالي جرائم انتهاكات حقوق الإنسان لابد من تقديم مرتكبي الجرائم في فص الإعتصام الي العدالة حتي لو تدثر كبار المخططين للجريمة بثوب المجلس السيادي تحصنا وهربا من الملاحقات الجنائية ، وقد تم ذلك فلابد من كشف الاقنعة الذائفة ورفع الحصانة عنهم وتحقيق العدالة وردها لاصحابها.