هل مازال “الاستعمار الجديد” يخفي وجهه الحقيقي عن القادة الأفارقة؟ (4——6)
بقلم/ أتــو عــامــر
الإستعمار الحديث:
ينسب أول إستعمال لهذا اللفظ فيما يختص بأفريقيا إلى الرئيس سينغور، الذي قال “إنها القرينة الحبيبة إلى الإستعمار الجديد” وعلى الرغم من أن الإستعمار الجديد يعترف بخطر مجئ صور جديدة من صور السيادة من مصادر غير غربية، فإن معناه الذي يتقبله الجميع هو أنه تهديد من القوى الإستعمارية السابقة “بإستعمار من الأبواب الخلفية” وهو ينشأ أصلاً من الإرتياب في النوايا الغربية إرتياباً أساسه تاريخ العلاقات الإستعمارية السابقة.
ولقد تحدث ألكس كايزون ساكي، مندوب غانا في الأمم المتحدة في بيان له أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 1958م عن الإستعمار الجديد في أفريقيا قائلاً: “إننا نعني بالإستعمار الجديد تلك السياسة التي جرت عليها بعض الدول من منح الإستقلال مع نية خفية في جعل الدولة المتحررة دولة عميلة، والسيطرة عليها فعلاً بوسائل غير الوسائل السياسية. وما حدث في الكنغو نموذج.”
ويقول رئيس الوزراء جوليس نيريري: “إن الناس الذين يترقبون قلقين ليرونا هل سنصبح شيوعيين أو ديمقراطيين غربيين، سيقع كل منهم في حيرة شديدة. ليس لزاماً علينا أن نكون أياً من هذين… ولكننا نستقي دروساً من كل من الشرق والغرب، كما أن لدينا تقاليدنا الخاصة نساهم بها في كنز المعرفة البشرية.”
وفي ذات السياق تحدث سيكوتوري قائلاً: “يجب أن نعلق أهمية على أن أعداءنا غالباً ما يحاولون أن يجعلوا الناس يعتقدون أن أفريقيا تسير في فلك الغرب أو في فلك الإتحاد السوفيتي، أي أنها على أي الحالات تنقاد إلى قوة أو مفهوم أجنبي… ولا تجهل أفريقيا طبعاً وجود كتلتين تؤثران في السياسة العالمية، وما يهمنا معرفته الآن هو المذهب الذي تعتنقه أفريقيا. أن النزاع بين الغرب والشرق غالباً ما يجعل الإنسان لايرى ضرورة لتطبيق هذه المسألة على أفريقيا، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين لا يعلمون. هل لهذه القارة آراؤها الخاصة ومذهبها الخاص أم لا؟ ونتيجة لذلك هل تمثل نظاماً متماسكاً متميزاً عن الأنظمة الأخرى.”
وأشارسيكوتوري، بأن الاستعماريين على إستعداد أن يمنحوا أمن الإستقلال ما يشاء الإنسان ويمدوه بالمعونة المالية، وهم على إستعداد أن يتملقوا الحكومات الأفريقية، ويلتهبوا حماساً أمام ملايين من الغينيين وملايين من النيجيريين، وما إلى ذلك… ولكن خطتهم المكيافيلية لا زالت تهدف إلى تقسيم الأفريقيين كي يظلوا أسياد للقارة.
وأوضح الدكتور نكروما، أوجه الاستعمار الجديد في بيان له أمام مؤتمر الدول الأفريقيا المستقلة في أكرا 1961م قائلاً: “يحاول الإستعماريون اليوم تحقيق أغراضهم لا بالوسائل الحربية فحسب، بل أيضاً بالتغلغل الإقتصادي، والغزو الثقافي، والسيطرة المذهبية، والتسلل النفسي، وأوجه النشاط الهدام، وقد يصل الأمر حتى إلى درجة الإيحاء بالإغتيال والصراع الداخلي وتشجيعهما.” مشيراً إلى أن الخطر الحقيقي هو صندوق النقد الدولي، موضحاً ما السوق الأوربية الإقتصادية المشتركة… إلا ساعد الإستعمار الجديد الإقتصادي والمالي وحصن الإمبريالية الأوربية الإقتصادية في أفريقيا. ويمكن مقارنة معاهدة روما التي أوجدت السوق الأوربية المشتركة بالمعاهدة التي أسفر عنها مؤتمر برلين في القرن التاسع عشر، لقد ثبتت المعاهدة الأولى دعائم السيطرة الإستعمارية في أفريقيا، وجعلت منها سيطرة لا منازع فيها، وتعد الثانية مبدأ قدوم الإستعمار الجديد إلى أفريقيا. لذلك ذكر نكروما، مقولته الشهيرة: “كما أننا نرفض أن يكون لنا أسياد بريطانيون، فكذلك نرفض أن يكون لنا أسياد روسيون.” لذلك حذر نكروما الشعوب الأفريقية من الإستعمار الجديد وأشكاله فقال: “قد يأتى لنا الاستعمار مع ذلك في زي جديد، وليس من اللازم أن يكون من أوربا.”
ويقول موديبو كيتا في هذا الصدد في خطاب ألقاه في المعهد الملكي للشئون الدولية بلندن 1957م “حينما تمنح الدول إعانة … فإنها تدهش لأن الدول التي تتلقاها لا تتبع سياستها في الشئون الدولية….” ويضيف ملك مراكش في خطابه في مؤتمر بلغراد 1961م قائلاً: “لقد أصبح العالم غير المنحاز نتيجة لضعفه الاقتصادي غنيمة يمكن أكتسابها بمنح المعونة الاقتصادية، غنيمة تتسابق الدول في الحصول عليها، كل منها تحاول الحصول على تأييد سياسي ونقط استراتيجية ومصادر للمواد الخام وأسواق، ويدرك العالم غير المنحاز قوته ووحدته، ويأتي أن يصير أداة للخطط الأجنبية.”
يجب عليك أيها القارئ الأفريقي أن تعلم إن الشخصية الأفريقية هي عماد إنسانيتنا وأساسها يدعو إلى التحرر من القبضة الغربية والشرقية، إنها تتطلب أن ننطق بلسان شعبنا. إن شعوبنا تقصد فقط أن تعبر عما يمكنها أن توضحه، كيف ترى أنفسها، كيف تميز شخصيتها فيما يختص بالموقف العالمي ومشاكل البشرية الكبرى. وسؤال آخر يطرح نفسه بقوة هل ستمضي حكومة السودان الإنتقالية على نهج الأسلاف المتحررين أم ستستمر في تبني مشروعات لا علاقة لها بالواقع الأفريقي؟ هذا ما ننتظره من هذه الحكومة التي تتبنى هوية ليست هويتنا.