ضرورة إصلاح القطاع الإقتصادي في الدولة السودانية “نموذج إعتماد النظم البنكية التقليدية “(3-4)
بقلم: مقبول الأمين (كوكامي)
في المقال السابق توقفنا في أهمية البنوك التقليدية و سعيها أيضاً إلى توجيه المدخرات إلى المجالات التى تخدم التنمية الإقتصادية و الإجتماعية، و ربط أهداف التنمية الإقتصادية بالتنمية الإجتماعية والنهوض بمستوى المعيشة الى الافضل في هذا المقال سوف نفرد مساحة مهمة حول موضوع المؤسسات المالية و المصرفية الوسيطة.
المؤسسات المالية والمصرفية الوسيطة: يتكون الجهاز المصرفي من البنك المركزي والبنوك التقليدية والمؤسسات المالية والمصرفية الوسيطة، أي ان الأخيرة تمثل احد الاركان المهمة للجهاز المصرفي، وتشتمل على المصارف المتخصصة ( الزراعية والصناعية والعقارية) ومنشآت الإستثمار، منشآت التوفير و المنشآت الدولية المالية. و يمكن تعريف المؤسسات المالية والمصرفية الوسيطة : بأنها مؤسسات تتعامل بأدوات الإئتمان المختلفة ( قصيرة الأجل ومتوسطة الأجل و طويلة الأجل ) لذلك هنالك خلل إداري واضح في إدارة أدوات الإئتمان المختلفة في الجهاز المصرفي السوداني في كل من سوقي النقد و المال واسواقها الثانوية، مما ادى إلى تدهور عملها بشكل عام، والتى من الواجب أن تؤدي مهمة الوساطة (Intermediation) بين المقرضين والمقترضين بهدف تحقيق الربح .
البنوك الإستثمارية ( Investment Banks): وهي مؤسسات مالية تهتم بالدرجة الأولى بالأنشطة والفعاليات الإستثمارية وفي مجالات مختلفة، حيث تقوم المصارف الإستثمارية بدراسة فرص الإستثمار المتاحة وتقييمها واختيار المشاريع والترويج لها، ثم تهيئة المناخ الإستثماري المناسب لها، وكذلك تقوم المصارف الإستثمارية بتدبير الموارد المالية التي تسمح بتقديم القروض متوسطة الأجل لمختلف المشروعات الإستثمارية، لكن ما تقوم به البنوك الإستثمارية في الدولة السودانية هو تمكين صفوة رأس المال الطفيلي بغرض تقويتهم و تمكنهم إقتصاديآ من أجل السيطرة الإقتصادية و حصرها في بقعة جغرافية معينة، حيث أدت هذه الأساليب الاستثمارية المعيبة إلى شرخ واضح في إدارة البنوك الإستثمارية و اثر في مهامها الأساسية التى من الواجب أن تقوم بها المصارف الإستثمارية من متابعة المشروعات التي تتبناها بشكل ايجابي دون تميز، و ساعد ايضآ في عدم تمكنها من متابعة تنفيذ اتفاقيات القروض التي عقدها مع المشروعات المقترضة وغيرها من الأعمال المتعددة التي تعتمدها المصارف الإستثمارية كشراء أو اصدار الأوراق المالية . وقد كانت البدايات الأولى لمصارف الإستثمار في بريطانيا حيث اقتصرت اعمالها على قبول الأوراق التجارية بهدف تمويل التجارة الخارجية، وتوفير الاموال اللازمة للمقترضين في الخارج بطرح الأسهم والسندات في الاسواق المحلية لرأس المال، لذلك سميت بمصارف التجار (Merchant Banks) وفي فرنسا سميت بمصارف الأعمال (Banques d’ Affaires ) لأنها تساهم في انشاء المشروعات الجديدة سواء أكانت مشروعات خدمية ام مشروعات صناعية . اما في الولايات المتحدة فتسمى بمصارف الإستثمار (Investment Banks) وهي في هذا البلد لا تعتبر مصارف وفقا للمفهوم التقليدي والمتعارف عليه للمصرف، فهي لا تقبل ودائع ولا تمنح قروض، إلا انها من جانب اخر تضطلع بمهمة الوساطة (Intermediation) في سوق المال (Financial Market) بين المقترضين والمستثمرين، إذ تقوم بشراء الأوراق المالية الجديدة بالجملة و بيعها بالتجزئة، أو ان تكون سمسارًا يحصل على عمولة من بيع و شراء الأوراق المالية المتوفرة في السوق.
مصارف الإدخار :(Saving Banks) تعمل هذه المصارف على اساس تشجيع المواطنين على وضع مدخراتهم في حسابات إدخار خاصة، وهي بهذا تستقطب فئات من ذوي الدخل المحدود، و بصورة جلية يجب توفير مساحات واسعة و اولوية قصوى لبنوك الإدخار في الدولة لكي تشجع و تنمي الوعي الإدخاري للمواطنين، لكن للأسف تم حصرها على مستوى مناطق بعينها و بغرض إستراتيجي محكم، مما ساعد في عدم تشجيع و تنمي الوعي الادخاري لدي الشعوب السودانية ، و أخل بدور والمهام الاساسية للبنوك الادخارية، وبعض هذه المصارف لا يستهدف الربح بصورة خاصة، وانما يستهدف استقطاب المدخرات، وتشغيلها، أي استثمارها في مجالات محدودة، تحددها القوانين النافذة. تتلقى هذه المصارف دعما من شرائح المجتمع ومن السلطات الحكومية، لعدة اسباب في مقدمتها:
– انها تشجع و تنمي الوعي الإدخاري لدى المواطنين .
– انها تراعى صغار المدخرين , حيث ان المصارف الأخرى غير قادرة أو راغبة في تقديم خدمات كهذه .
– انها تستثمر الجزء الأكبر من إيراداتها في المنطقة التي تقع فيها عمولتها الإدخارية والمالية .
– انها تميل الى الإنتشار الكبير، وهي قريبة من اماكن وجود المدخرين مما يعزز ثقة الجمهور بها .
وتعتمد مصارف الإدخار في مواردها على ودائع الأفراد وان كانت في بعض الأحيان تقبل ودائع البنوك التقليدية التي تساهم في رؤوس اموالها كنوع من الإستثمار المتواضع وفي الغالب فان العمليات الإدخارية التي تقوم بها غير محفوفة المخاطر , و ربما لهذا السبب تزايد عدد المصارف الإدخارية في العالم بشكل كبير و تضاعفت حدة المنافسة بين هذا النوع من المصارف .
منشات التامين ضد الحوادث :(Injury Insurance Establishment) وهي منشآت مالية تختص بالدرجة الأساسية بالتأمين ضد المخاطر التي يتعرض لها المواطنين أو البضائع أو المنشات على اختلاف انشطتها وفعالياتها، ومن هذه المخاطر حوادث السيارات والحريق والسرقة او الغرق … الخ، وذلك عن طريق استيفاء اقساط التامين من المؤمن له، ومن ثم تغطية الخسائر عند وقوعها فعلا .
منشآت الوساطة المالية (Financial Intermediation): وهي منشات الوسطاء الماليين في السوق النقدية (Money Market) سوق الأوراق المالية قصيرة الأجل، والسوق المالية (Financial Market) سوق الأوراق المالية متوسطة وطويلة الأجل، وتسمى الأسواق المالية ايضا ( البورصات). والبورصة (Bourse): هي المكان الذي يتم التعامل فيه بالأوراق المالية الطويلة و متوسطة الأجل ( الأسهم و السندات) عن طريق وسطاء مؤهلين ومتخصصين و في اوقات محددة . لكن نتاج لخصخصة الموسسات العامة ادى ذلك إلى تردي في إدارة و مهام البورصة في الدولة السودانية، و مما اثر في اعمالها و جعلها مبتورة في القيام باعمالها المرجوه، والبورصة بحكم طبيعتها الإقتصادية تعتبر حلقة وصل بين مشروعات التنمية وادخار الأفراد، فهي من جهة تعتبر السوق الطبيعية التي تروج فيها مصلحة المستثمرين الذين يسعون وراء رأس المال لتطوير وتنمية مشروعاتهم، وهي من جهة ثانية تعتبر المكان الملائم للإدخار الأفراد بهدف جني الفائدة وتنمية رأس المال. وقد تنامت عمليات ونشاطات هذه المنشات خلال العقود الأخيرة وذلك لازدياد حجم الشركات المدرجة في الأسواق المالية فضلا عن زيادة حجم التداول بالأوراق المالية.
المنشآت المالية الدولية :(Financial world Wide) وهي منشات ذات فعاليات وأنشطة مالية عالمية تتجاوز حدود البلد الواحد، حيث تعمل على صعيد دولي أو اقليمي، وهذه المنشآت تتولى تجميع الإدخار من هذه الدول ومن ثم اعادة اقراضها أو استثمارها في دول اخرى وقد تطور عمل هذه المنشآت بشكل كبير خلال العقدين الاخرين، وذلك بحكم تطور تكنولوجيا المعلومات وتوفير وسائل وأساليب الاتصالات المختلفة، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فقد ادى ظهور الانشطة الدولية المختلفة على الصعيد الإقتصادي، وظهور التكتلات الاقتصادية، و نشير هنا للتراجع الهزيل للدولة السودانية في الاونة الأخيرة عن دورها المحوري المتمثل في منشاءات الأعمال المالية الدولية و اخفاقها في عدم وضع خطط استراتيجية واضحة و محددة لدعمها و ايضآ الخلل المتعلق بالتحالفات اي التكتلات الاقتصادية و العلاقات الدبلوماسية الدولية الغير موفقة مما ادى إلى ما يسمى ( بالعقوبات الإقتصادية ) و دومآ تبنى التكتلات أو العلاقات الدولية على أساس المصالح الإقتصادية و البرامج الإستراتيجية التى تهدف و تساهم في الإقتصاد بشكل عام و تدعم المنشات المالية الدولية، و مؤخرآ ظهر مفهوم العولمة (Globalization) الذي يشير الى تداخل العلاقات بين المصارف المختلفة عبر العالم .وقد اتخذت العولمة اتجاهين اساسيين هما :
– الخدمات المصرفية عبر الحدود أي قيام المصرف في دولة ما، بتوفير خدمات مصرفية لمستهلك الخدمة في دولة اخرى، إذ أتاح التطور التقني في شبكات الحاسبات الألية للمصارف المحلية بتقديم خدمات مصرفية ( تحويلات مالية، خدمات بطاقات الائتمان . وغيره ) الى زبائن لها مقيمين خارج البلاد، فالكثير من المصارف تجري تحويلاتها المالية بشكل فوري من خلال شبكات التمويل الدولي مثل شبكة الجمعية الدولية للاتصلات المالية بين المصارف Bank Financial Telecommunication Society of World Wide Inter.
– تقديم الخدمات المالية من خلال الإستثمار المباشر عن طريق فروع المؤسسات المالية لدولة معينة في دولة اخرى أو انشاء مؤسسات مشتركة أو الأسهام في مشاريع استثمارية خارجية.
نواصل ………………..
دمتم و دام النظم البنكية التقليدية
لك كل الود على هذا السرد