فزاعة الامن القومي واصلاح المؤسسة العسكرية

امجد فريد الطيب

 

فزاعة الامن القومي التي يستخدمها العسكر، وتكررت بشدة موخرا في سياق حملة التوجيه المعنوي المحمومة التي تريد ايقاف اي نقاش حول اصلاح واعادة هيكلة المنظومة العسكرية و”الامنية” في البلاد، هي اقدم خدعة في كتاب صناعة الديكتاتورية. وهي امر محرج جدا عندما يأتي من طرف يحتكر منفردا قدر معتبر من اقتصاديات البلاد في وضع تنهار فيه الخدمات الاجتماعية الاساسية ويعاني فيه الجهاز التنفيذي لملاحقة تقديمها بشكل معقول للمواطنين، يضمن اساسيات امنهم الحياتي. وربنا ذات نفسه في امر عبادته قال (اطعمهم من جوع) في الاول وبعدها (امنهم من خوف).

ستبقى الحقيقة ان تقديم وحفظ الامن (القومي والفردي للمواطنين) هو احد مهام الدولة وخدماتها التي ينبغي ان تكون متركزة حول المواطنين.، وهي تحتاج لاجهزة متخصص ومهنية وبعيدة عن اي انحيازات سياسية او اثنية او ثقافية او غيرها لضمان جودة تقديمها وتحقيقها لاهدافها، مثلما تحتاج خدمات الصحة لوزارة صحة ومؤسسات صحية فاعلة وخدمات التعليم لوزارة تعليم ومؤسسات تعليمية جيدة ومهنية وغير منحازة وغيرها من الخدمات الاجتماعية التي يفترض بالدولة ان تقدمها. وهذه الخدمة (الامنية) شهدت مثلها مثل خدمات الدولة الاخرى تردي مريع وتشوهات كبيرة بسبب استغلالها سياسيا خلال عهد نظام البشير المخلوع، وقبله خلال ٨٠٪؜ من عمر الاستقلال الذي تم فيه حكم البلاد بواسطة انظمة انقلابات عسكرية، ولا زالت اثار هذه التردي ظاهرة وبينة تشهد عليها التفلتات الامنية المتكررة من الجنينة الي بورتسودان.

ومن المفهوم والمعقول تماما ان عملية
اصلاح هذه المؤسسة العسكرية والتي تحولت بفعل الامر الواقع لاكبر تنظيم سياسي في البلاد منذ تأسيسها في ١٩٢٥، وفطامها من السياسة (والاقتصاد والتجسس على حياة الناس والي ما غير ذلك) والتي تستغل فيها نفوذ جهاز العنف الشرعي للدولة، وتحويل تركيزها لاداء مهامها الطبيعية والمحترمة التي تم تأسيسها من اجلها، هي عملية تأخذ زمنها ولن تحدث في لحظة – مثل عمليات اصلاح اجهزة الدولة الاخرى ايضا- ولهذا تم ايجاد دور للمؤسسة العسكرية في العملية السياسية الانتقالية، تشهد عليه عضوية مجلس السيادة (بل ورئاسته حتى) فيما تم الاصطلاح عليه باسم المكون العسكري، ولكن محاولة استغلال هذا الدور للتنصل من ارجاع المؤسسة العسكرية الي دورها الطبيعي هو الامر غير المقبول على الاطلاق. اصلاح المنظومة العسكرية والامنية في السودان هو احد وعود الثورة التي انتزعتها كفاحا، ومحاولة خلق تابو حوله باستخدام بروباغندا التوجيه المعنوي وفزاعة الامن القومي واطلاق اتهامات العمالة وتشويه صورة المتحدثين عن ضرورة هذه العملية، هي الية تشتيت قديمة استخدمها الطغاة من بدء الزمان. ويمكن للمستشارين الاعلاميين لخطاب قادة الجيش مراجعة وصف غرامشي عن ادوات الهيمنة الاعلامية كاحد خصائص الفاشية ليعرفوا بانهم لا يأتون بشي جديد او عبقري بل يمارسون لعبة قديمة مكشوفة.
التاريخ يمضي فقط للامام، والانهار لا ترجع للوراء … وكذلك الثورات.

امجد فريد الطيب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.