ماذا يريد الفريق كباشي؟؟

فاروق عثمان

 

إن إتفاق المبادي الذي وقعه رئيس وزراء الحكومة الانتقالية د. عبد الله حمدوك مع القائد عبد العزيز آدم الحلو بأديس أبابا مؤخرا، هو نقلة نوعية جبارة وذكية وفاعلة في رقعة واقع وطنا المعقد والهش والزلق، والذي تتقاذفه أهواء البعض من أبنائه وشهواتهم نحو السلطة متخذين جهل البعض لتحشيدهم خلف وهم دولة دينية متخيلة لا يمكن تطبيقها واقعا في القرن الواحد والعشرين، وتحيط به انواء وعواصف الطمع والسيطرة علي موارده وتدجين ثورته من أهل الخارج إحاطة السوار بالمعصم .
إن قضية الحرب والسلام والجدل بينهما ظلت ماثلة وفاعلة في مشهدنا الجيوسياسي، حتي قبيل الإستقلال بعام، وكانت هذه القضية هي المدخل المباشر للتخلف والإنحدار نحو هاوية التشرزم والتفكك وقاع ركب الدول، وشكلت مدخل موضوعي لإستمرار دائرة الشر الجهنمية في تبادل حكم العسكر والمدنيين من أهل المركز وبيادقهم من مغيبي أبناء الهامش المضللين والمعاد إنتاجهم، ولكن للأسف ظل عقلهم الجمعي في ذات تكلسه وتحجره، فلا هو يمتلك الإرادة للحل الجذري ولا الشجاعة لتقديم تنازلات، هذه التنازلات التي كانت بسيطة في بدايتها وفي متناول اليد، ولكن لأنه عقل أناني في تركيبته وأستعلائي في بنيته، وذاتي في رؤيته، يفنرض إحتكاره للمعرفة المطلقة للحل، دونما اي إعتبار او اكتراث للآخرين ممن يتقاسمون معهم الوطن ويشكلون جذره الحضاري الممتد لسبعة ألف عام .
هذا الوضع كلفنا الكثير من المآسي والإحن والحروب والصراع، وقع مردودها المباشر علي أهل المناطق في الهامش العريض، فاتسعت دائرة الحرب حتي شملت كل أطراف السودان، إنفصل جنوب السودان نتيجة سياسات ركوب الراس وذاتية وأنانية ساسة المركز ، ومصادرة حق الآخرين ، واشتعل أوار الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولعقت دارفور جراحها النازفة قتلا وابادة واغتصاب.
إن إتفاق المبادي هو مدخل لحلحلة الإشكالات التاريخية، ومحاولة إعادة الوطن الي دساتيره الوضعية التي تتوافق وتتواءم مع مفهوم الدولة الحديثة، فالحديث عن دولة دينية في هذا العصر من قبل الفريق كباشي الرافض للاتفاق هو كركوب آلة زمن للعصر البرونزي، حيث القتل والسبي وملك اليمين، أو عين ما فعلته داعش في هذا القرن في أكبر كارثة وجحيم وجودي لانسان مناطق سيطرتها، قبل أن يتحد العالم المتحضر لاجتثاثها والقضاء عليها، فلو كان كباشي بريد دولة دينية عليه أن يبايع داعش من الآن ويقوم بقتال غير المسلمين في كل العالم حتي يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ثم عليه أن يمارس جهاد الطلب، ويقر بالسبي والعبودية وملك اليمين وقتل المرتد ورجم الزاني حدفا بالحجارة في حفرة حتي الموت، كما عليه أن يمنع المراة من اي مشاركة في السلطة، ويسن قانون لزواج ووطء الصغيرات، فلو كان يريد دولة دينية عليه أن يفعل كل هذا، او بذهب لمبايعة داعش.
قبيل العام 1983 وتحالف الدجل الإسلاموي بين السفاح نميري وعراب الإسلامويين الترابي، كان الوطن علماني في دستوره متعايش اجتماعيا في تركيبته متصالح دينيا مع معتقداته، ومع ذلك كان الاسلام منتشرا وماثلا في بعده السودانوي اللطيف غير الملوث بدنس الفكري الإرهابي الجهادي المستجلب، وكان المجتمع اكثر تماسكا وقيما وأخلاق ، مما هو عليه الآن بعيد نيف وثلاثون عام من حكم الاسلامويين الشعاراتي الإقصائي و الهوسي، والبعيد عن مقاصد الدين في بعدها الروحي والعرفاني المجرد وهو ما كان عليه إسلام السودانين المتمازج بين وعيهم الحضاري التليد المتماسح لسبعة الف عام، وروح الدين في نسخته المكية العرفانية المواكبة لروح العصر الحالي وتطوره.
بعيد الغزو الإخواني والسلفي بحشر هذا الفكر الغريب علي السودانين بدأت اشكالات الوطن في الإتساع والتمدد حتي صرنا دولتين، وما تبقي من السودان علي شفا الانهيار، وعبارة عن مناطق حرب او نزوح او قتال.
إن مبادي ثورة ديسمبر المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة لن تتأتي إلا من خلال إعادة هيكلة الدولة لما كانت عليه قبل العام 1983، واهم شىروطها هي الفصل بين الديني الماورائي الميتافيزيقي المقدس، وبين العلمي والتجريبي والسياسي. فالدولة للجميع والدين لله او ما تتصوره وجوديا كإعتقاد . وليس من مهام الدولة ادخالك الجنة او رميك في قاع الجحيم، فالدولة مسؤلة عن صحتك وتعليمك ومعاشك وأمنك وتوفير مطلوبات الحياة الكريمة لك. و أثبتت التجارب الآنية والتاريخية أن دخول الدين في السياسة يفتح باب الهدم و النقض واسعاً لاهم مطلوبات ، ثورتنا وهي الحرية والمساواة والعدالة، لأن تبني أي فقه او تشريع ديني يجعلك أمام خيارين لا ثالث لهما، اما ان تصل الي ما وصلت اليه داعش ودول مثل أفغانستان وليبيا والصومال وأوروبا القرون الوسطي ، او تقف ضد تشريعات انتجها وصاغها العقل البشري في رحلة تطوره القيمي والأخلاقي الطويل، التي حرمت الاستعباد وبيع الناس وسبيهم، او قتلهم علي أساس ضمائرهم الاعتقادية(دينهم)، وتبني هكذا نهج يفضى بك الي نسف مطلويات الثورة(حرية. سلام وعدالة) والتي هي روح القيم الإنسانية النبيلة، ويجعلك تضع موانع هيكلة في مساواة الناس الدينية والنوعية، اذا لا مناص ولا مهرب لبناء دولة حديثة إلا من خلال تبني إعلان المبادي الموقع في اديس كمدخل لبناء وطن جديد، وما دونه معروف مسبقا في إعادة إدمان وتكرار الفشل، و مزيدا من حروب ستكون شاملة وتشرزم ومن ثم تفضي إلي انفصال جديد.
وكما قال المثل من جرب المجرب حاقت به الندامة.
فالوطن ما عاد يحتمل أنهاكا في جسده المثخن بالدماء والجراح، سوا من أنانية الساسة وطمع العسكر وفشلهم المكرر والمعاد أو حروب يشعلها تجار الدين بتجييش الوعي الجمعي للمغيبين.
فدعونا نضع الوطن لمرة واحدة فوق شهوات السلطة وكسب الذات ومغانم التنظيمات،فلطفا به رجاء، فما عاد يحتمل مزيدا من هذه الترهات.

اذا أردنا وطنا موحدا قويا، علينا لجم هوس أمثال الفريق كباشي وأن نستمسك بالاتفاق الإطاري للحلو وحمدوك ونعض عليه بالنواجذ كمخرج أوحد وأخير من محنتنا الممتدة والماثلة، ونقول للسيد حمدوك عليك الاطلاع بدورك التاريخي وتحمل مسؤلية انك الحاكم بأمر الثورة وأن دور الفريق كباشي ورفاقه هو تشريفى فقط لا غير ، كما نشد علي عضد وايادي الأصدقاء في الحركة الشعبية ممثلة في الأخ والصديق القائد المبدئي والمتسق عبد العزيز آدم الحلو وعليه ان يكون كما كان قويا وصادقا وشجاعا في حتمية مواجهة الفكر الداعشي والقاعدي والهوسى المستتر.
إن فشل الاتفاق او انتكاسته من المتربصين به وبالوطن أعداء السلام والمحبة، لهو مدخل لحتمية الضياع والتشرزم لما تبقي من هذا الوطن العظيم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.