لا تعودوا لقاعة المحكمة..!
د. مرتضى الغالي
إذا كان من رجاء لا يخرق التقاليد القضائية فهذه دعوة إلى هيئة الاتهام في قضية انقلاب 30 يونيو إلى مواصلة مقاطعتها للمحكمة وألا تعود إليها.. ونحن الذين لسنا في عضوية الاتهام أو الدفاع لو أتيح لنا إبداء موقف تجاه هذه المحاكمة لقاطعنا حتى الشارع الذي يضم مبناها..!!
لا يقبل أي حقوقي – أو حتى أي مواطن عادي- بهذه المهزلة التي تديرها هيئة الدفاع عن الانقلابيين في كل جلسة.. مع أن هؤلاء المتهمين مجرمون تلاحقهم قضايا أخرى بالغة الشناعة لم يكن الانقلاب فيها سوى ضربة البداية التي انفتح بعدها (صندوق باندورا) ليطلق عفاريت الشرور والجرائم التي ارتكبتها عصابة الإنقاذ بحيث لا يستطيع أي مرصد فلكي أن يستجمعها في قوائم أو قصص تطاول حكاوي ألف ليلة وليلة ومقامات الحريري و(بديع الزمان الهمذاني).. لأن حجمها ونوعها وكثافتها مما تعجز عن إتيانه أفتك عُصبة حاكمة على امتداد التاريخ.. وهي (جرائم انشطارية) تولدت عنها جرائم إثر جرائم امتدت إلى العصب الحي لمكوّنات الوطن الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسكانية والبيئية بما يستعصي على الحصر والتصنيف.. وهذه حكاية أخرى..!
ولا نستطيع إغماض عيوننا عن حقيقة أن هيئة دفاع الانقلابيين ليسوا (مجرّد محامين) من رواق المهنة.. بل هم شركاء في الإنقاذ عبر كل مراحلها، وعليه لا يمكن التغاضي عن اعتبارهم مسؤولين عما جرى في عهدها الأسود.. ومن بين هؤلاء المدافعين عن الانقلابيين مَنْ كان رئيساً للبرلمان وقائداً للمليشيات.. ويمكن في نظرة خاطفة تحديد مشاركته في جرائم تشيب من هولها الولدان.. كما كان في ذات الفترة يقوم بأدوارٍ سياسية في (مؤتمر السجم والرماد) ومهامٍ أمنية بالغة القذارة شأن كل قيادات الإنقاذ.. بل كان من أصحاب القرار في كل الاهوال الكبرى وما أفرزته من دماء ومظالم ونهب لأعز مدخرات وذخائر الوطن المحمولة والمنقولة والمعنوية..! وفي ملفات ديوان النائب العام الكثير المثير.. لكن النائب العام وديوانه لم يستطع حتى الآن أن يقدّم الجرائم الدامغة للقضاء ومنها ما رواه الشهود قبل أيام عن الكيفية التي قتلوا بها الطبيب علي فضل عندما ألقوه فاقداً للحركة والنطق أمام مكتب نافع وهو لا يستطيع حتى أن يفتح إحدى عينيه ليرى من يدوس على عنقه بالحذاء.. وليتهم عجّلوا بإعدامه.. وإذا كانت بغيتهم إزاحته عن طريق “ثورتهم”.. فلماذا إذن هذا التعذيب المجاني…!!
لقد تواصل التلاعب الذي تقوم به هيئة الدفاع وصارت المحاكمة أشبه بالسيرك..! ولا ندري كيف يتم السماح بألعاب السيرك في قاعات القضاء..!! هل من المعقول ألا يتمكّن المتحرِّي من إكمال قراءة بضعة أوراق من يومية التحرّي لأكثر من عشرة شهور بسبب مقاطعات وتهريج هيئة الدفاع..؟! لقد أشارت هيئة الاتهام صراحة إلى مخالفات في القانون والإجراءات بما يقود إلى إجهاض العدالة وانهيار قواعد المحاكمة العادلة.. وقد قدّمت الهيئة مذكرة إلى رئيس القضاء المكلّف (ربك يستر).. وشرحت فيها اختلال الإجراءات والمخالفات التي تدور في المحاكمة منذ بدايتها .. والمنطق يقول ان فقدان الثقة في منصة المحكمة يعنى ضرورة استبدال قضاتها.. وأبانت الهيئة أنها لا تستطيع الاستمرار مع هذا التلاعب والاستهتار الذي يفوق احتمال الحجارة الصماء… وأشارت إلى أن الصمت إزاء ما يجري في هذه المحاكمة يرقى إلى درجة خيانة الشعب الذي تقوم بتمثيله…! لا تعودوا بالله عليكم ودعوا المحكمة لهيئة دفاع الانقلابيين وقضاتهم.. إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً…. وللحقيقة عندما يتم عرض مقاطع من جلسات هذه المحاكمة يوشك الشخص أن يتخذ وضعاً معكوساً.. فيجلس على التلفزيون.. ويتفرّج على الكنبة..!!