اثيوبيا الجديدة حلمُ تبدده حروب السلطة

بقلم عبد العزيز أبو عاقلة

 

 

-لم يكن خروج المستعمر الغربي المغتصب ثروات وحريات شعوب افريقيا هو الحلم الأخير لمعظم الوطنيين الأحرار بحيث ترك إرثاً ثقيلاً من المشكلات والتعقيدات والقنابل المؤقتة في الجيوسياسي وعلي جميع الأصعدة بما فيها نماذج البنية والهيكل السياسي ونظام الحكم و التي لا تتناسب مع ظروف هذه الدول الخارجة تواً من الاستعمار مما نتج عنها شروخٍ في بنية الدولة الإفريقية مجتمعة ، فأفرز المستعمر ودعم نخب سياسيةاورثها امتيازاته . و معظمها هشّة لا تملك مشاريع وطنية قومية لأهلها تستطيع العبور بهم للحرية والتنمية والنماء والسلام والنتيجة مجتمعاتٍ غير متماسكة مليئة بالتوترات والظلم والغبن ، والمتابع يجدها أنظمة باطشة لشعوبها تغذِّي الصراعات والحروب الأهلية بشكل مستمر، فالموروث التاريخي والتغيُّرات الديموغرافية غير المتوازنة، وسياسات الإقصاء والتمييز الهوياتي والصراع على السلطة والانقسامات القبلية وغيرها ، هي أهمّ الملامح الرئيسية للأزمات التي تحصل بين الفينة والأخرى في أفريقيا عامة، وعلى نحو متدرجٍ تنتقل هذه الصراعات سريعاُ داخل الدولة الوطنية الناشئة لتقويض مفاهيم بناء الدولة الحديثة وسيادة القانون وبسط الحكم الراشد وتداول السلطة بناء علي أسس دولة المواطنة . ثم تصبح سلوكاً جماعياً للنخب السياسية في معظم الأنظمة الإفريقية التي تختزل جميعها صراعها العبثي تحت عنوان عريض : حول من يحكم ؟ مستخدمة وسائل كثيرة اهمها مصادرة حق الوطنية واحتكار السلطة بممارساتٍ عديدة من حكامها جعلت الدول الإفريقية في مؤخرة التصنيفات العالمية علي جميع الأصعدة. .
-لذا لم يكن كابوس ( الحرب ) في أثيوبيا الذي اندلع في ٤ نوفمبر ٢٠٢٠ بين السلطة المركزية وإقليم تقراي الفيدرالي مفاجئاً فما هو الا صورة مصغّرة ومكررة لما يحدث من استنساخ لهذه الأزمات المتكررة بصور مستمرة في افريقيا . لم تستفيق الشعوب الإثيوبية من حلم بناء اثيوبيا الجديدة التي كانت خطواتها قريبة من السلام الطوعي والاستقرار . و بعد عدة احتجاجات هنا وهناك لقومية الاروما وتوترات لقوميات اخري صغيرة . وبانتخاب ابي احمد ٢٠١٨ وانفتاحه علي مشروعه التصالحي لترتيب البيت الداخلي وانتهاجه الحوار الخارجي ونيله جائزة نوبل للسلام وذلك بوقف الحرب مع جارته اريتريا التي استمرت ٢٠ عاما و التي خلفت ٨٠ الف قتيل وآلاف من الجرحى والمعاقين و المشردين والنازحين بين البلدين حتي اطل عليهم كابوس حرب داخلية جديدة بأيدي الذين تعهدوا باستكمال مشروع السلام والتنمية والاستقرار . مستخدمين اللعبة والوصفات السياسية القديمة المجرّبة في افريقيا وإعادة مجدداً ذكري عهود القمع لشعوبهم (سلطة هيلا سياسي. منغستو ) بفرض هوية سياسية جديدة للسيطرة علي السلطة والثروة مستخدمين ادوات القوة وسيلة لهدفهم دون مراعاة للتنوع الاثني والديني والثقافي الكبير لثاني أكبر دولة في افريقيا سكانيا (حوالي ١١٠ مليون نسمة ) و ل٨٠ قومية توافقت علي دستور فيدرالي يمنح سلطات واسعه لإقليمهم وحتي مبدإ حق تقرير المصير كما نص هذا الدستور واجيز في عهد مهندسه الزعيم ملس زيناوي الذي يعتبر رائد نهضة اثيوبيا وواحد من أعمدة استقرارها .
-وبغض النظر عن من أشعل هذا النزاع ذو الجذور التاريخية وركل الدستور وهمش قوميات علي حساب اخري و الذي ادي الي كابوس الحرب وإعلاء صوت البندقية ؟ تبقي الحقيقة الماثلة أمامنا و التي يتفق حولها جميع المراقبين للشأن الافريقي بأن هذه الحرب لا يوجد فيها رابح واحد سوي خسارة كبيرة للشعوب الاثيوبية في استقرارها ونماءها و سوف تضر لا محالة بقدرة أديس أبابا على القيام بدورها في دعم استقرار منطقة القرن الإفريقي بل تعتبر نكسة عظيمة لكل شعوب القارة الأفريقية و التي تنتظر تلك الدولة المتعددة للاثنيات والقوميات أن تعبر إلي الشط الآخر لتصبح نموذجاً لكل بلدان افريقيا المشابهة لها في التنوع ورصف طريق التحول الديمقراطي الذي بدأت القارة الأفريقية مؤخرا المنهكة من جور حكامها تنفض غبار الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية ذات الهوية السلطوية الأحادية.
– ومن المؤسف والمحزن معاً أن الطريق الذي انتهجه رئيس وزراء اثيوبيا ابي احمد برفضه أي وساطة وحوار لكل محاولات ومبادرات التوسط بما في ذلك مبادرة الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي( سيريل رامافوسا)، و المدهش أن اثيوبيا تعتبر من المؤسسين لتطوير هذه الآلية لفض النزاعات في القارة منذ منظمة الوحدة الإفريقية في بداية ستينات القرن الماضي ومقر الاتحاد مما دفع أحد قيادات الاتحاد الأفريقي أن يصرح متحسراً ( كأن الاتحاد الأفريقي أسس للدول الإفريقية الأخرى وليس لدولة اثيوبيا ) انتهي . .
-السيناريوهات المتوقعة في مثل هذه النزاعات داخل الدولة الوطنية في افريقيا نتائجها معروفة ومجربة ومتداخلة وقاتمة وتحتاج إلي وقت طويل لترميم جروح البندقية وعلي كل حال بعد تغريدة ابي احمد الأخيرة المبشرة للشعوب الإثيوبية بانتهاء العملية العسكرية وسيادة هيمنة حكومته علي العاصمة في إقليم تغراي مكيلي . ربما تكون رسالة تطمين ومخدر مؤقت إلي الداخل اما الخارج فإنها رسالة لجيرانها بأنه لم تعد السلطة في اثيوبيا دوماً وديعه بل ستكون حاسمة وقوة رادعة في نزاعاتها. مهما يكن من سيناريو الا انها بهذه الحرب ستترك آثار و تشوهات عميقة في التماسك القومي لشعوب واجيال اثيوبيا لعدة أعوام قادمة وشرخ في قلب الوحدة الطوعية التي كانت تنعم بها هذه الشعوب وستكون هشة وقابلة للانفجار في اي وقت ، وربما نشهد تحول مقاتلي إقليم التغراي إلي حرب العصابات (الغوريلا) من الجبال التي يتقنوها ومجربة منذ حربهم مع الجنرال منقستو بشن أهداف خاطفة علي السلطة المركزية الإثيوبية مما يهدد السلم الاجتماعي واستقرار الدول المجاورة لأثيوبيا التي تعاني اصلا وضعا اقتصاديا صعبا وفي مقدمتها الصومال والسودان وج السودان وخاصة بعد تدفق المدنيين العزل كاللاجئين وهروبهم من الموت المجاني .
عبد العزيز أبو عاقلة
ديسمبر 2020
[email protected] .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.