كلمة الكاتب آدم أجـــــــــــــــــــــــرى فى حفل تدشين: روايته “كمولو عصر البطولة فى جبال النوبة”

أيها الرفقاء والرفيقات، والضيوف الكرام من أهل الإختصاص بالفنون والآداب.

السلام عليكم جميعاً، ومرحباً بكم:

سعادتى بكم اليوم لا توصف، وأقف عاجزاً عن التعبير، عن مدى شكرى وإمتنانى لهذه الوجوه السمراء الجميلة والعقول النيرة التى تتوج حدث اليوم. هدفنا هو المساهمة المستطاعة مع غيرنا فى تطوير الأدب السياسى للسودان الجديد،  وأنتم تعرفون أن العشر سنوات الماضية كانت الفترة الأشد ظلامية فى تاريخ السودان. مع ذلك واصلنا العمل حتى هذه الرواية الخامسة المنشورة. ونتطلع إلى أن نكون شركاء عمل فى ما تشاركون فى تدشينه اليوم، والذى هو نتاج جَهد جماعى إشترك فيه أناسٌ كثيرون، ما جعل له أهميته الخاصة.

فى البدء: ما هو كمــــــــــــولو الذى يصفه الكتاب بعصر البطولة فى جبال النوبة؟

بالطبع فإن أكثرنا يعرف الصراع السياسى والأمنى الذى دار رحاه على أرض هذا الإقليم ودام أربعة عقود، القلة منا تعرف تطلعات القوى الإجتماعية المتشابكة مع جذور هذه الأزمة، هذا الصراع كان تجربة مفصلية فى مسيرة السودان، وهذا ما حاولنا إبانته. والقراءة الإجمالية تخبر بأنها التجربة الأكثر بطولية فى تاريخ جبال النوبة بأسره.

هو كلمة سر لتنظيمٍ سرى، ولد من رحم تنظيم طلابى نشأ 1972م، والذى بدوره أستند على حراكات وخلفيات عائدة إلى خمسينيات القرن الماضى. لكنه إرتقى فى العام 1980م إلى منصة تنظيمية سرية جديدة، وأفلح فى إيصال نوابه إلى كل من المجالس المحلية والإقليمية والبرلمان القومى.

البرلمانيون إصطدموا بحوائط صد عنيدة، مجافية لتطلعاتهم كاشفة لهم واقعهم المر. إستُحقرت مرافعاتهم كما يُستحقر شأن مواطنى الأقاليم فتبددت آمالهم. حتى الحصانة التقليدية لأى نائب برلمانى تم العبث بها عندما أتى الأمر عليهم، لا لشيئ، إلا لأنهم من هذا الإقليم. وقد ولّد ذلك بالتضافر مع تراكمات سابقة قوة دفع جديدة، للإتجاه إلى حيث يمكن فيه معالجة قضاياه بشكل أكثر فعالية، فكان إجتماع تنظيم كمولو العاصف الذى قرر فيه الهجرة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان فى منتصف الثمانينيات.

أصبح كمولو جزءاً من التاريخ، لكنه قدم من التضحيات ما لم يقدمه أى تنظيم ثورى آخر. منها إستشهاد المئات من عضويته فى ساحات المعارك، وفى المعتقلات، وتشتتهم فى المهاجر، والمتبقون منهم اليوم، أصبحوا كهولاً لم يتبق من أعمارهم إلا القليل. وتأتى هذه الرواية إستجابة لرغبتهم فى وضع خلفيات النضال وأخبار أصل الصراع بأيدى الشباب كى يمضوا بها إلى المستقبل. وبذلك نكون أمام عملية تسليم وتسلم بين الأجيال.

بعد هذا الصراع الطويل بين الإقليم والمركز، ثمة ميول جديدة نبعت، ونهم تولد لدى السودانيين، يجنح إلى إستكشاف وفهم المكونات السودانية خاصة التى شهدت الصدامات. ومجهودات مقدرة تبذل لفهم أصل الأزمات بعيداً عن الإعلام الحكومى، الذى ظل يمارس التضليل الذى يُبقى الشعب قطيعاً منقاداً إلى الوجهة التى تعزز بقاء الطفيليات والدكتاتوريات، وأتى هذا الكتاب تلبيةً لآمال الكهول، خدمةً لرغبات الشباب، ويدَ عَونٍ للباحثين.

كشأن أية رواية من هذا النوع، تسعى إلى إستنطاق التاريخ، تحريكه وتحويله إلى عمل فنى، سرديتها نُسجت بين مجموعة محدودة فى المستقبل البعيد، تتسامر حول أحداث ماضيهم بألسن شخصيات إفتراضية فى حلقة إطارها ثلاثة رئيسيون:

(جقدول) كآخر التنظيميين المتبقين على قيد الحياة فى العام 2056م.

(ووشيه) الذى يمثل شباب ذلك المستقبل.

(إيرشانغا) البطلة الأسطورية غير الملتزمة بأى زمان ولا مكان.

(وآخرون) ممن لديهم أدوارهم العابرة التى تخدم السياق.

الأبطال الحقيقيون، العشرات منهم يشار إليهم مع التطرق لأعمالهم بالإيجاز حيناً وبالإستفاضة حيناً آخر، أو ترد إسماؤهم كنماذج تصلح للعمل بهم فى مساحات ضيقة. وكى لا يكون الكتاب تاريخاً صرفاً، تم الإكتفاء بمن تم ذكرهم، على أن يُفرد للباقين المزيد من الصفحات فى الجزء الثانى.

من هؤلاء الأبطال القدامى، ثمة بقايا بينكم اليوم نقدمهم لكم. فضلاً عن مئات أخرى تتابع الأحداث فى غربتها، بعضهم قدموا مساهمات مقدرة لهذا المشروع، أو أنهم ماضون فى صنع التاريخ، أو جالسون فى كنب المتفرجين، ذلك أن تنظيمهم كان آلة عمل تناسب ماضيها، أما الذين مازالوا فى دائرة الفعل، فإنهم باتوا اليوم يعملون بوسائل أفضل.

عدد فصول الرواية 92 فصلٌ، موزعة على 447 صفحة، وسأكون صريحاً أننى بذلت جهداً لتقليصها إلى ما دون هذا الرقم، إلا أنها كانت تخرج عن الطوع وتقفز إلى مواضعها.

أتت الفكرة بعد حوار ممتد مع المناضل الراحل: بولس كوكو كودى، فى بدايات العام 2019م، بعده تم الشروع فى جمع المزيد من المعلومات وإجراء التحليلات. العمل بمراحله إستمر  أكثر من عامين، عرضت خلالهما مسودة الرواية على عناصر خبيرة فى شأن هذا التنظيم، منهم الأستاذ بولس صاحب الفكرة، والذى كأنما عرف أن أجله إقترب، فقام بكتابة المقدمة فى أبريل 2020م على أمل توسعتها، فأتى ترجله من صهوته ورحيله بعد أشهر قليلة من ذلك.

كاد العمل أن يتوقف وقتذاك، لولا المزيد من المعلومات النوعية التى تم الحصول عليها، عند الإلتقاء بقادة ذوى وزن معتبر، فتكللت المجهودات بإكتمال الرواية بالطريقة التى وصلت بها أيديكم.

– الأستاذ كوكو محمد جقدول كان سبباً مباشراً فى تأسيس التنظيم المدرسى عام 1972م، وقد أجرينا معه لقاءات مطولة توزعت معلوماتها على فصول عدة.

– الأستاذ صالح إلياس دلدوم وصلنا إليه وأجرينا معه لقاء أتى بمعلومات ساهمت فى تقويم بنية الرواية.

– الفريق عبدالعزيز آدم الحلو الذى يعد ممن أسسوا النسخة المبكرة – ما قبل تنظيم كمولو عام 1972م- أجرينا معه لقاءاً مخصصاً لهذا الموضوع، وقدم إفاداته التى توزعت على عدة فصول.

– الفريق يوسف كرة هارون، الموجود حالياً فى كينيا، ورغم حالته الصحية الخاصة، إلا أنه أفرد لنا مساحة للإجتماع به عبر تطبيق زووم، وقدم معلومات تظهر لأول مرة.

– اللواء تلفون كوكو  أبوجلحة قدم إفاداث ثرية، كما صحح بعض المعلومات الخاطئة وتكرم بكتابة الخاتمة وفقاً لتجاربه وللمنظور الذى قرأ بها الرواية.

– الرفيق النور كوة مكى، شارك فى نفس الإجتماع السابق الذى قام بترتيبه الرفيق كوة بارقيل وقدم معلومات تفصيلية نادرة، فأتت إفادته مميزة.

هؤلاء وآخرون نخبة مختارة من المراجع، والمزيد منهم تجدون أسماءهم فى الصفحة الأخيرة.

أيتها السيدات، أيها السادة:

فوق الخدمة الإخبارية التى حاولنا تقديمها، فإننى فى شخصى تعلمت من التجربة الكثير، ولو أنها فى مقام بديهيات السودان الجديد، يمكننى تلخيصها فى سبع نقاط:

1- عوامل الأزمة مرتبطة بالتاريخ أكثر من إرتباطها بالحاضر، وحيث لا ثمة أحد مسؤول عن أىٍ من أحداث الماضى، ما يبقيها حية هى الفساد والتشبث بالإمتيازات الطفيلية غير المستحقة. إنه المركز وعصاباته، ومشاكل الأقاليم على تنوعها، إنعكاس لأزمة المركز فى هذه الأقاليم.

2- تتنوع طرق الوصول إلى السودان الجديد، منها ما يأتى بالسلم، مثل الإحتجاج والتظاهر، ومنها ما يكون إضطراراً بالوسائل الدفاعية، وفى الحالتين فإن الأساس  هو مثالية الفكرة ومنطقية مفهوم الوحدة فى ظل التنوع.

3- وحدة أصحاب القضية هى أساس بناء المرافعة المطلبية، دونها تبقى كل الجهود مبددة. وهنا يظهر الفرق واضحاً بين إقليم فرغ من بناء هيكل قضيته منذ ثمانينيات القرن الماضى، وبين الأقاليم الأخرى التى آثرت العمل فى نفس الكيانات التى أسستها الطفيلية، كى تكتشف فى الوقت الضائع أنها كانت تحرث فى البحر، ذلك أن خيارات تلك الأحزاب ليست أفضل خيارات هذه الأقاليم.

4- العمل المشترك لجبال النوبة بدأ بالجمعيات، ثم الإتحاد، ثم التنظيم المدرسى، ثم كمولو، ثم الأحزاب المطلبية، قبل الوصول إلى منهج السودان الجديد. ذلك يعنى أن القضية ظلت ترتقى فى كل مرة إلى منصة أفضل.

5- النتائج العظيمة لا تتأتى إلا بجهد جماعى حقيقى بين الأجيال. والقوة تكمن فى الإستثمار  فى المستقبل وفيمن لم يولدوا بعد.

6- لا الحرب بأنواعها ولا العنف قادران على إجهاض المرافعة عن القضايا المصيرية، ذلك أن أوارها يعلو ويخفت، وجمرها يبقى متقداً السنوات الطوال بإنتظار الصواعق.

7- تعقيدات المشهد السودانى المأزوم، تُشعر الكل بتهديدات مواجهة الإبادة الجماعية -كل شخص وفئة يخشى من لك- لكن التجربة الراهنة تؤكد إستحالة وقوعها على شعب موحد حول قضيته، هذا ما حدث فى إقليم جبال النوبة الذى بنى الوحدة أولاً، ثم تصدى للعدوان بنفس الوحدة، وتمكن من إجهاض نوايا التطهير العرقى.

رواية كمولو عصر البطولة فى جبال النوبة باتت ملكاً لكم، أدلينا فيها  بما عرفنا، نَقر بالقصور هنا وهناك، وعلى ثقة أنها لا تمثل إلا القليل. ولا نشك أنكم تعرفون الكثير، لذلك أختتم وأفسح المجال لكم للإدلاء بما تشهدون عليه وسأكون أذناً صاغية إليكم.

أتمنى لكم إطِلاعاً ممتعاً وإلى الأمام دوماً، إلى ما فيه الصلاح فى هذه الدنيا، أما الآخرة فإنه شأن خاص ومصير شخصى..

شكراً لكم.

آدم أجـــــــــــــــــــــــرى

6/6/2021م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.