هيكلة القوات المسلحة ضرورة لإعادة هيكلة الدولة وتحقيق السلام الشامل
بقلم / كومان سعيد
علي مر تاريخ الصراعات في السودان كان الحضور الثقافي الاستعلائي الأيدلوجي الفاضح للعقلية الحاكمة الأثر الأكبر في خلق الانشقاقات القومية والصراعات القائمة على التعصب الثقافي الطبقي والديني الأيديولوجي في بلد فيه من التناقضات والاختلافات ما تلفت نظر الأعمى . ولكن قبل البدء في نقد فترة ما بعد الاستعمار “على الرغم من قناعاتي ان الاستعمار يأخذ فقط أشكالا أخري ولا ينتهي كما يزعم السياسي المتعجرف الأمريكي فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ ” لابد من ذكر الدور الكبير جدا الذي لعبه الاستعمار في كلا الحقبتين التركية المصرية والإنجليزية المصرية . هذه السياسات التي عمقت الفوارق ما بين أهل السودان وجعلت من الإختلافات و التباينات خلافات دامية مات فيها الكثير وخلقت بتالي بيئة عدوانية عنصرية قائمة على الولاء للثقافة والطبقة. وكأي مجتمع من المجتمعات يؤثر و يتأثر بالمتغيرات الداخلية منها والخارجية أحدثت هذه السياسات تغيرات في بنية المجتمع الثقافية وبتالي قامت علي هذا النهج اجيالا وتشبعت بهذه التعاليم فراحت تقتل بعضها بعض وتجرم الآخر المختلف في بلد قدر له أن يكون نموذج الإختلاف على الأرض .
حتى لا اغرد بعيدا عن الموضوع الذي أود الحديث عنه استطيع القول ان كل تلك التناقضات والتداخلات والسياسات قد انجبت لنا هذا الواقع السياسي المأزوم الذي نعيشه اليوم.
التحدي اذا لم يكن فقط في كيفية إسقاط نظام الإخوان المسلمين , التحدي الذي يفرض نفسه الأن ولطالما كان سؤالا يطرح من قبل الكثير من السودانيين والسودانيين الجنوبيين هو :ما هي الرؤية السياسية التي نريد لبناء هذا الوطن الذي دمرته الحروب ؟هذا الواقع السياسي الذي أفرز الكثير من الحركات الحاملة للسلاح الرافضة التهميش والظلم . الآن وبعد منبر جوبا و اتفاقية السلام التي تم توقيعها مع الجبهة الثورية بقي سؤالا واحدا يلوح في الأفق وهو كيفية دمج كل هذه الجيوش في مؤسسة عسكرية وطنية واحدة .
يعد الملف الأمني من اصعب الملفات في السودان في الوقت الراهن , نظرا للأسباب التاريخية التي ذكرتها انفا و التي تسببت في خلق نزاعات ذات طابع ثقافي و أيديلوجي ديني و بتالي عملت على بناء جيوش على امتداد جغرافيا السودان . الدعم السريع كمثال لقوة مسلحة أنتجها طبيعة الصراع أصبحت هذه القوة الآن وبعد الثورة أكثر من مجرد مليشيا قبلية تستخدم من قبل المركز في الحروبات الثقافية في إقليم دارفور بشكل خاص و السودان بشكل عام .أصبحت قوة سياسية فاعلة جدا في الوسط السياسي وواعية جدا بطبيعة الصراع و بمصالحها الاقتصادية وطموحا السلطوي . يمكنني القول أن حديث قائد هذه القوات نائب رئيس المجلس السيادي في تأبين حركة و جيش تحرير السودان جناح مناوي لأحد قياداتها ينبئ بأن هناك صراع ما وشيكا بين الجيش و الدعم السريع . صراع يحركه طموح كلا الطرفين في السلطة والحكم غير عابئين بأهداف الثورة المجيدة وشعارات الثورة في الحرية و العدالة والمساواة .
لكنني ومن زاوية اخرى ارى هذه الوضعية مثالية جدا في خلق تسوية سياسية بين كل هذه الأطراف . أستطيع القول أنه يجب أن يكون أحد أهداف الديمقراطية في السودان هو استغلال هذة الوضعية لخلق موازنة قوي بين الأطراف المتناحرة في السلطة وبتالي بناء وطن لا تكون فيه المواطنة على أساس الانتماء الثقافي او الديني بل علي أساس الحقوق والواجبات.
حديث حميدتي عن الدعم السريع كقوة لا يمكن دمجها في القوات المسلحة يهدد بنسف اتفاقية سلام جوبا وذلك مع الأخذ في الإعتبار التحذيرات الأخيرة من خمسة من رفاق الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق سلام جوبا حول ضرورة تنفيذ وعدم تأخير الترتيبات الامنية كذلك يمثل تهديدا للمفاوضات الجارية الآن مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال .يقول حميدتي إن قواته تم إنشاؤها وفقا لقانون تمت إجازته في عهد النظام السابق وبتالي فيما معناه يجب أن تبقى هذه القوات على هذه الشاكلة . وبكل تأكيد هذا سيكون مرفوضا جدا من كل القوات الموقعة على إتفاق جوبا للسلام وأيضا من الحركة الشعبية التي تتحدث عن ضرورة تكوين جيش وطني واحد بعقيدة وطنية .إن دمج وإعادة هيكلة كل القوات المسلحه هو ضرورة لبناء وإعادة هيكلة الدولة وهو شرط اساسى للخروج من دوامة الحروبات ومعسكرات النزوح واللجوء وإلا سنرجع الى المربع الأول مربع الحرب و القتل و العنصرية .