العدالة والمحاسبة التاريخية (10 – 12)

✍🏿 بقلم: متوكل عثمان سلامات

جبر الضرر

تناولنا في المقال السابق لجان الحقائق التاريخية كأحد أدوات تحقيق العدالة والمحاسبة التاريخية، وسنتناول في هذا المقال أحد الأدوات المهمة والمعروفة بجبر الضرر، ونحاول الإجابة على بعض الأسئلة الجوهرية والمتعلقة به،
ما هي الفلسفة العامة لمنهج جبر الضرر كأداة من أدوات العدالة الإنتقالية؟
هل بإمكان هذه الأداة أن تنصف ضحايا الإنتهاكات الإنسانية في الدولة السودانية؟
ما المقصود بمفهوم جبر الضرر؟
بناءً على وثيقة المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الإنتصاف والجبر لضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان الدولية، والقانون الإنساني الدولي، فقد عرفت عبارة ” الجبر الكافي الفعال الفوري” بأنه يقصد بها ( تعزيز العدالة بالإنصاف في إنتهاكات حقوق الإنسان الدولية، أو القانون الإنساني الدولي، ويجب أن يكون الجبر متناسباً مع جسامة الإنتهاكات والأذى الناجم عنها). ويمكن تقسيم جبر الضرر إلي مستوين، مستوى فردي ويتم فيه على سبيل المثال رد الإعتبار عن طريق الكشف عن الحقيقة، التعويض المالي عن الأضرار المادية والمعنوية، التأهيل النفسي والإجتماعي، متابعة التعليم، تسوية الأوضاع القانونية.
ومستوى جماعي أي التعويض الجماعي وتأتي أهمية هذا المستوى في كونه مرتبط بالفرد كضحية إنتهاك جسيم مادياً ومعنوياً من ناحية، وبالمجموعات أو القبائل من حيث إنتشارها الجغرافي أو الثقافي أو التاريخي من ناحية ثانية، بالإضافة لإرتباطه بقضية الديمقراطية التعددية بأبعادها وشروطها المتمثلة في الإستقرار الدستوري المؤسس على علمانية المعايير، والإعتراف بالتنوع والتعدد وإلتزام الدولة بحسن إدارته، ويكون لكل جماعة حقها في الإعتراف بها كجماعة وعدم التغول عليها ثقافياً، أو إقتصادياً، أو سياسياً، أو إقصاؤها من قبل جماعة أخرى وغيرها.
إن جبر الضرر الجماعي يستهدف تنمية مناطق ضحايا الإنتهاكات الإنسانية والتي عاشت في عزلة وإنعدام للبنية التحتية وتحتاج بالتأكيد للإعتذار لما عانته من قبل الدولة.
حيث وفرت المبادئ الأساسية والخطوط التوجيهية التشغيلية تصنيف متكامل وشامل للتدابير الخاصة بعملية جبر الضرر وذلك على النحو التالي:

إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الإنتهاك:
ويعرف بالإسترداد ويقصد به أن يتم إرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل وقوع الإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والإنتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، مثل إسترجاع الحرية، والهوية، والعمل، والحياة الأسرية، والمواطنة، والعودة إلى مكان الإقامة.
التعويض:
ويقصد به دفع التعويض عن أي ضرر يمكن تقييمه إقتصادياً، وبما يتناسب مع جسامة الإنتهاك، وقد يشتمل الضرر البدني والذهني، ضياع الفرص كالتعليم، والأضرار المادية وغيره.

إعادة التأهيل:
ويشمل الرعاية الطبية والنفسية والخدمات القانونية والإجتماعية.
الترضية:
وهي عبارة عن حزمة من التدابير كالتي تهدف إلى وقف الإنتهاكات، وإستجلاء الحقيقة، والبحث عن المفقودين، وإستعادة بقايا الجثث وإعادة دفنها وفقاً للممارسات الثقافية للضحايا، وإلغاء فتاوي الجهاد ضد الضحايا وتقديم إعتزارات علنية وقبول المسؤلية.

ضمانات عدم التكرار:
لضمان عدم تكرار الإنتهاكات لابد من إعادة هيكلة وإجراء إصلاحات مؤسسية تتجه نحو فرض رقابة مدنية على القوات المسلحة وقوات الأمن، والعمل على إستقلال القضاء من خلال مراجعة المرتكزات التي تنطلق منها رؤيته ومهمته، وحماية الأشخاص العاملين في مجال حقوق الإنسان، والإرتقاء بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان في مجالات الخدمة العامة، وإنفاذ القوانين، والإعلام، والخدمات النفسية والإجتماعية.

مجرد أسئلة ختامية:
✓ كيف عالج إتفاق سلام السودان مسألة العدالة والمحاسبة التاريخية؟
✓ هل عملية إعادة النازحين إلى قراهم الأصلية تدخل ضمن عمليات جبر الضرر؟ وكيف يتم ذلك في ظل وجود مستوطنين جدد؟
✓ كيف ستقوم الأمم المتحدة بدعم عودة النازحين إلى قراهم الأصلية دون النص صراحة على معالجة مسألة المستوطنيين الجدد؟
✓ هل الأمم المتحدة فيما يتعلق بدعم عودة النازحين أخذت فقط براي ورؤية الدولة دون أن تهتم برأي ورؤية ضحايا الدولة؟ وهل الأمم المتحدة بهذه الخطوة يمكن أن تنحاز للحكومات دون الشعوب وإرادتهم؟
✓ هل تجاهل أطراف العملية السلمية في إتفاق جوبا مسألة توفيق أوضاع المستوطنين الجدد سيقود إلى إفشال عملية دعم وإعادة النازحين إلى قراهم؟

تنبيه: نحب أن ننبه كل متابعي سلسلة مقالات العدالة والمحاسبة التاريخية بأن هذه المقالات قد تتجاوز عدد العشر مقال قليلاً، وقد لا تتناول هذه السلسلة نماذج تفصيلية عن الإنتهاكات الإنسانية، والتجارب الإنسانية الخاصة بتطبيق العدالة الإنتقالية في بعض الدول، والتي سنفرد لها مساحات مقدرة في أوقات أخرى إن كان في العمر بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.