الاختفاء القسري ..اسكات السياسيين والصحفيين والمهمشين(1)

تقرير..حسين سعد : Splmn.net

طالب المتحدثون في ورشة الاختفاء القسري التي نظمها المركز الافريقي للدراسات العدالة والسلام والتي عقدت يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين،بفندق كورنثيا طالبوا بالتوقيع والمصادقة علي اتفاقية الاختفاء القسري والبروتكولات المعنية بذلك ،وأكدت الورشة عن مساءلة الجهات المختصة بشأن اذا كانت هناك سجون ومعتقلات سرية ،في وقت تعهد فيه المركز الافريقي للدراسات العدالة بمشاركة الوزارات ذات الصلة بتوصيات الورشة والضغط لتنفيذها فضلا عن إطلاق حملة اعلامية مكثفة لذات القضية.

معاناة طويلة:

وتعتبر جريمتي الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بأنها جرائم ذات أثر أليم طويل المدى، إذ لا تسمح طبيعتها لذوي المعتقل أو المختفي بتجاوز آثار الجريمة، مهما طالت مدّة الاعتقال أو الاختفاء. كما تتصف بأنها جرائم تتجاوز،على من وقع عليه الانتهاك، بل تمتد معاناتها إلى عائلته وأصدقائه، لذلك فهي تأخذ شكل العقاب الجماعي لشريحة واسعة بمجرد اعتقال مجموعة من الأشخاص، وتخضع أسر المعتقلين تعسفاً والمختفين قسرياً لمعاناة إضافية، تتمثّل في وضعهم تحت الرقابة الأمنية، ولا يحصلون بسبب أبنائهم المعتقلين على الموافقات الأمنية، وقد يستدعون بشكل دوري لأجهزة الأمن، ومنذ الحرب الاهلية في جنوب السودان في العام 1955م مرورا بالحرب في العام 1983م في الجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق ،ولاحقا في دارفور في العام 2003م ثم شرق السودان واخيرا تجددها في المنطقتيين في العام 2011م فضلا عن المختفين قسريا من قبل النام البائد من الناشطيين السياسين والطلاب وغيرهما مازالت أسر سودانية لاتعرف مصير إبنائها حيال قضيتي الارتباط الزوجي او توزيع الميراث.

سلاح الاختفاء القسري:

شكّل الاعتقال التعسفي والاختطاف القسري سمة من سمات حكم النظام المدحور، منذ استيلائه على السلطة في عام 1989. ولم تستثن سجون النظام منذ ذلك الحين كل الفاعلين السياسيين،والصحفيين والمبدعين من الشعراء والفنانيين مثل ابو ر الغفاري والطلاب ومناطق النزاع رجال ونساء وشيوخ وفتيات ،ورجال ادارة اهلية وقساوسة وغيرهم ،الذين عارضوا النظام ،وشنت اجهزة النظام حملات واسعة بالعاصمة الخرطوم وقري ووديان مناطق النزاع،وفي هبات 1996م و1997م و2000م و2002م و2011م و2012م و2013م و2015م و2016م و2018م شهدت هذه السنوات حملة اعتقالات واسعة ، وأخذ الاعتقال السياسي في هذه المرحلة شكلاً انتقائياً أكثر، حيث استهدف النظام المدحور النشطاء والفاعلين في الشأن العام أكثر من غيرهم، خاصة في المنطتيين في العام 2011م،ومع اندلاع المظاهرات في يوليو ويونيو 2012م وسبتمبر 2013م ويناير 2017م وديسمبر 2018م لجاء النام البائد لاستخدام كل أدواته القمعية على أوسع نطاق، وكان سلاح الاعتقال والإخفاء القسري واحداً من تلك الأسلحة التي سعت إلى كسر إرادة المحتجين ومحاولة منع انتشار الاحتجاجات وتوسعها.

غرس الخوف:

وفي ورقته (سياسات بشأن الاختفاء القسري في السودان ) التي قدمها في الورشة قال المدافع الحقوقي والمحامي امير محمد سليمان ان حكومات مختلفة فى السودان، إستخدمت ممارسة الإختفاء القسرى لعقود لقمع المعارضة السياسية، واسكات المجتمعات المهمشة ،وغرس الخوف فى السكّان، كوسيلة للحفاظ على السلطة ، وعرّف امير الاختفاء القسرى بأنّه “الاعتقال أوالاحتجاز أوالاختطاف، أو أىّ شكل آخرمن أشكال الحرمان من الحرية، من قِبل موظفى الدولة أوالأشخاص أو مجموعة الأشخاص الذين يتصرّفون بإذن الدولة أو بدعمها أو برضاها أو بموافقتها، يلي ذلك، رفض الاعتراف بالحرمان من الحرية أو إخفاء مصير الشخص المختفى، أو مكان وجوده، ممّا يجعل هذا الشخص -“المختفى” – خارج حماية القانون وقال ان حجم المشكلة، غير معروف بالدقّة اللازمة والكافية، فى السودان ، لكن، من الواضح أنّ ضحايا الاختفاء القسرى، يواجهون صُعوبات كبيرة فى البحث عن الحقيقة والعدالة والتعويضات، إذ يقتصر الاطار القانونى فى السودان – حتّى الآن – على المنع من الاختفاء وحماية الضحايا فقط بجانب نقصٌ فى البيانات، وانكارالحكومة المستمر لهذه الممارسة.

سياقات الاختفاء القسري:

قال أمير في ورقته توجد اربع سياقات واضحة يحدث فيها الاختفاء القسري حيث استخدمت السلطات السودانية الاختفاء القسرى ضد المعارضين السياسيين والمدنيين بغرض ترهيب وقمع وإكراه أىّ معارضة سياسية. وفى السنوات الأخيرة، استخدمت حكومة السودان ما يُسمّى بـ”الاختفاء قصير الأمد” – أو احتجاز الأفراد لفترة وجيزة و”حرمانهم مؤقّتاً من أىّ نوع من الحماية القانونية والحرية” – وذلك، لغرس الخوف فى نفوس السكانوفى الآونة الأخيرة، نفّذت الحكومة السودانية هذه الممارسة ضد المتظاهرين السودانيين،ومُنذ ماس 2020، هناك ما لا يقل عن 20 (عشرين) محتّجاً، ما زالوا فى عداد المفقودين.

وأوضح انه تم استخدام الاختفاء القسرى، فى سياق النزاع المسلّح طوال فترات الحروب المختلفة فى السودان، بما فى ذلك، الحروب فى دارفور والنيل الأزرق وجنوب السودان وجبال النوبة ” جنوب كردفان”، وكان الهدف الأساسى – عادةً – من هذه الانتهاكات، هُم السكان المحليين، الذين يُعتقد أنّهم متعاطفون، أومُتعاونون مع الجماعات المتمردة، التى تُقاتل ضد الحكومة. وأثناء تلك الحروب، من المرجّح أن تكون عمليات الاعدام خارج القضاء، قد أعقبت الاختفاء القسرى، إذ مازال مصير العديد من الضحايا مجهولاً، حتّى بعد انتهاء النزاع المسلّح.

وحدد سليمان السياق الثالث للاخفتاء القسري في اختطاف النساء والأطفال، وقد نُفّذت عمليات من هذا القبيل فى السودان، وعادة، ما كان الغرض منها، هو الاسترقاق والاستعباد والاستغلال الجنسى للضحايا. وقد وثّق (تحالف دارفور) فى تقرير له صدر فى العام 2010، أدلّة على تعرُّض أعداد كبيرة من النساء للاختطاف والاغتصاب والعبودية الجنسية والعمل القسرى . و زعمت تلك التقارير – فى فترة لاحقة – أنّ اختطاف النساء، كان جزءاً من سياسية منهجية للتطهيرالعرقى،واخيرا تحدث حالات الاختفاء القسري ضمن سياق الهجرة.

الضحايا

نبه امير الي ان المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسرى،تحدد الضحية بـ” الشخص المختفى وأىّ فرد عانى من الأذى، كنتيجة مباشرة للاختفاء القسرى”، ويسمح هذا التعريف الواسع، للأُسرة / العائلة وكل من يتعرّض لأذىً مُباشر، بأن يُعتبروا ضحايا للاختفاء القسرى. وقال سليمان انه فى عهد البشير، لم يكُن أحد، فى مأمن من ممارسات الحكومة، لترويع مواطنيها. فقد أُستهدف المدافعون عن حقوق الإنسان، وقادة المعارضة السياسية، والصحفيون، بسبب التحدّث علانية، أو رفع الصوت ضد الانتهاكات، أوبسبب السعى إلى فرض سيادة حكم القانون، واحترام حقوق الانسان.

وقال انه تمّ استهداف العديد من المدنيين، وأصبحوا ضحايا للاختفاء القسرى، لمجرّد انتمائهم إلى قبيلة مُعارضة، أو اعتبارهم – ببساطة- من مؤيدى المتمردين. كما تمّ استهداف المتظاهرين فى عهد البشير، وكذلك، أثناء الثورة التى أدّت إلى سقوطه فى عام 2019. ولجأت الحكومة السودانية وبشكل منهجى، إلى الاختفاء الاخفاء القسرى، واحتجاز المتظاهرين بمعزل عن العالم الخارجى، وفى مواقع سِريّة لبث الرُعب فى نفوس السكان، ووقف المزيد من الاحتجاجات والتظاهرات.

كما نوقِش أعلاه، يتعرّض المهاجرون لخطر كبير، بأن يصبحوا ضحايا للاختفاء القسرى. فبعد مغادرتهم لأوطانهم بسبب استهدافهم من حكوماتهم، يصبحوا أكثر عُرضة للخطر، فى السودان، وهُم فى طريقهم إلى وجهتهم النهائية. وعموماً، وعلى الرغم من أنّ حالات اختفاء المهاجرين، تقوم بها فى معظم الحالات جهات فاعلة ليست حكومية، إلّا أنّ ذلك يحدث بإذن أو دعم ضمنى، أو إذن أو تفويض صريح من أفراد يعملون بصفتهم مسئولين فى الدولة. وهناك من بين الضحايا الآخرين، من هُم من النساء والأطفال من الذين تمّ اختطافهم، لا سيّما، فى سياق النزاع المسلّح، بغرض الاسترقاق والاستغلال الجنسى.

يتوجّب – هُنا – ذِكرأنّ معظم ضحايا الاختفاء القسرى، هُم من الرجال. وحالياً، فإنّ من بين قائمة الـ(177) حالة مُعلّقة، تمّ الابلاغ عنها من السودان، إلى فريق الامم المتحدة العامل المعنى بحالات الاختفاء القسرى، أوغير الطوعى، فإنّ هناك 5 (خمس) نساء فقط ومع ذلك، وبالنظر إلى مستوى النقص فى الإبلاغ عن حالات الاختفاء القسرى، يُعتقد أنّ الاعداد الحقيقية أعلى.

وقال امير إنّ أقارب المختفين – هُم – أنفسهم ضحايا للاختفاء القسرى، وذلك، بسبب المعاناة التى يتعرّضون لها أثناء البحث عن أحبائهم، وبسبب عدم معرفة ما حدث لهم، ومصيرهم، سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، أو ما إذا كانوا سيعودون إلى ديارهم. وينبغى الاشارة – هُنا – إلى أنّ الأقارب الذين يُبلّغون السلطات عن الأشخاص المختفين، غالباً ما يواجهون التهديد والترهيب، وقد يختفون، هُم كذلك، إذ يصبحوا – هُم أنفسهم – عُرضةً للاختفاء القسرى. وكنتيجة لذلك التهديد والخطر، فقد توقّفت مُعظم عائلات المختفين عن طلب المساعدة من الحكومة، فى البحث عن أحبائهم ولجأت – العائلات – إلى إجراء عمليات البحث عن مصيرهم، بأساليبهم الخاصة. وفى الغالب الأعم، فإنّ النساء هُن من يضطّلعن بمهمة البحث عن أحبائهن، ومع ذلك، يتعرّضن للّوم والتقريع، أو النبذ، على اختفاء أحبائهن، وتحميلهن مسئولية اختفاء أحبائهن.(يتبع)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.