علمانية الدولة ضرورة لإنتشال الوطن من كبوته أم رفاهية ؟؟؟! (3)

 

[email protected]

عبد العزيز أبو عاقلة

مدخل : ( عندما نتعلم ممارسة الخداع ، يالها من شبكة معقّدة تلك التي ننسج خيوطها )

ووتر اسكوت

(1) وظلت النخب السودانية منذ استقلال البلاد 1956م (مدنية /عسكرية) لا تبذل أي جهد يذكر في بناء الدولة السودانية الوليدة خاصة في أمور الاقتصاد و التنمية والسلام والحرب والديمقراطية السليمة الراشدة والنهوض بالمناطق الأكثر تضررا من التنمية الغير متوازنة بل الانكي من ذلك أنهم عملوا طيلة تلك الفترة علي أجندة التسابق والقفز فوق كل الأجندة الإساسية الملحة نحو الانتخابات من أجل السلطة فقط ، وفرض دستور إسلامي يقّوض ما تبقي من وحدة شعور المواطنين بوطن واحد ينتمون إليه جميعاً بلا تمييز أو تقسيم أو عنصرية .وأهم فرض إنجازاتهم جميعا هي فرض هوية احادية واحدة لوطن متعدد الإثنيات والثقافات والاديان.

(2) وفي أواخر فترة الستينات 1968م كانت الفرصة أيضا سانحة لتلك النخب أن تتعلم من أخطائها وتستشرف المستقبل بعقول منفتحة وحكيمة وألسنة صامتة ولكنها ذهبت إلي محاصرة الهوية و التضييق علي منطقة الوطنية أكثر وذلك بالعمل جدياً بتآمر الطائفية(قوي السودان القديم ) وتحالفهم مع نخب الإسلام السياسي لتمرير ما يسمي( بالدستور الاسلامي ) في البرلمان وكونت ما يعرف بلجنة الاثني عشر داخل الجمعية لذلك الدستور المفروض والذي رفضه النواب من الكتل الجنوبية والنوبة والبجا من داخل الجمعية وواجهوهم بأن هذا الدستور سوف يقسم السودانيين علي اساس الدين والهوية وخاصة أنه يوجد به نص واضح بأن المواطن الغير مسلم لا يمكن أن يترشح لرئاسة الدولة . وهنا لابد ان نذكر مقارعة الأب فيليب غبوش التاريخية الصائبة الذي قال قولته المشهورة داخل البرلمان ( ان السودان كبلد متعدد الاديان لا يمكن ان يحكم الا بدستور محايد من الناحية الدينية ) وكان هذا المأزق الحقيقي مبكراً والسؤال المركزي كيف يمكن لمواطن سوداني غير مسلم مجرد أن يترشح لرئاسة الوطن ؟؟ وكيف تميّز الدولة بدستورها الاسلامي المواطنين وتقسمهم . وهل الخطل في الدين أم تديين السياسة (الدولة المتاسلمة ) ؟؟ التي يريدون إلصاقها بالقوة بالدين ؟؟وهل ما زلنا حتي الان نردد السؤال الابتزازي هل انت مع الشريعة او ضدها ؟؟ هذه هي المهالك التي حشرت فيها قوي السودان القديم و تحالفها مع الظلاميين مبكرا نفسها والوطن في جحر ضب .

(3 ) ظلت النخب السودانية تتأرجح وتتردد في بناء منصة تاسيس سليمة لوطن واحد ولم تستفيد من تجارب دول أخري مماثلة مثال الهند التي قدمت نموذجاً انسانيا وعمليا مبكرا في العلمانية واحترمت التعدد والاثنيات والمعتقدات وجعلت الدين محايداً في العملية السياسية وعلي مسافة واحدة من جميع الأديان في وطن واحد وذلك وصولاً إلي مواطنة حقيقية وأنصفت جميع الإثنيات وخاصة التي كانت تعتبر أدني منها في الحقوق والواجبات .وما قام به مؤسسي الهند الأوائل جدير بالوقوف عنده حيث أنهم عندما أرادوا وضع الدستور الدائم لبلادهم علي اساس علماني انبري الهندوس بكل قوة واعترضوا علي ذلك وطالبوا بأن يكون الدستور علي اساس دين عقيدة الأغلبية وثقافتهم وبالطبع هم الطائفة الأغلبية وتم رفض ذلك من قبل الذين رأوا أكثر من رأي نخبتنا الفاشلين الذين ازعجوا مسامعنا باكراً بالهتاف المتكرر سيادة دين وهوية الأغلبية والثقافة العربية متناسين أن بالوطن مواطنين أصيلين شركاء مرتبطين بشكل حاسم بأرضهم وهويتهم السودانية . ولو وافق مؤسسي الهند علي اقتراح الهندوس الأغلبية لكان مسلمو الهند مثل شعب جنوب السودان آثروا بناء وطن يخصهم بدلاً من الذل وإهدار الكرامة وهم بالطبع مواطنين اصليين ، وشعب النوبة الذي ما زال يطالب فقط بمواطنة متساوية وعادلة في وطن واحد و كانه يتسول حقوقه من نخب تعتبر الوطن مزرعة خاصة بهم.

(4) الفهم المغلوط الذي تتشدق به كل جماعات الإسلام السياسي بجميع مسمياتهم بالخلط بين مفهومي الدين والشريعة ( بمعني ان الشريعة هي الدين ) وهذا فهم مغلوط ومقصود بحيث ان الشريعة هي مجموعة التشريعات المتعلقة بجرائم الحدود والأحوال الشخصية من ميراث وزواج … إلخ اما الدين باختصار فهو الذي ينظم علاقة الانسانة بما يعتقده او يؤمن به. وليس للدولة علاقة بذلك وفي الحقيقة فان جوهر الأديان كلها او اي معتقد هي بث السعادة والاطمئنان واليقين الفردي.

الدولة الحكيمة تهتم بمعاش الناس و والصحة والتعليم ومقومات الحياة الدنيوية اما محاولة البابويين القدامى والجدد لاحتكار الدين والمتاجرة به وتديين السياسة لمصالح واجندة خاصة لهم .

و من هنا يأتي التعنت والغباء للتصحيح برفض علمانية الدولة في وطن متعدد الثقافات والديانات هي محاولة يائسة وتكرار لفشل مستدام لنخب أدمنت مصادرة منطقة الوطنية لوحدها والوصاية علي الناس والحجر والشجر ؛طيلة الفترة الماضية . (نتابع الجزء الرابع تباعا ).

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.