لا جديد في مؤتمر باريس

د. معتصم أقرع

 

– لم تحصل الحكومة علي أي دعم حي/كاش من المانحين في باريس.

– أما الإستثمار الخاص فتجذبه فرص الربح وبيئة الأعمال المواتية وفي غياب ذلك لن يثمر مؤتمر.

– حسب التصريحات حتى الآن لم يتم إعفاء ديون, ربما, فقط ربما, بإستثناء ديون النرويج التي لا تساوي اكثر من كسر من واحد في المائة من المجموع. وحتى لو تم تصريح بإعفاءات الآن فمن المؤكد ان نسبتها من المجموع ستكون ميكروسكوبية.

– كل ما تمخض عنه المؤتمر هو وعود بتخفيف الديون بشرط استيفاء السودان لشروط مبادرة الدول المثقلة بالديون, وهي بإختصار التوغل في تنفيذ البرنامج الإقتصادي الذي يراقبه صندوق النقد. ورغم أهمية هذه الوعود إلا انه لا جديد فيها البتة فقد تعهد المانحون سابقا ومنذ بدايات 2020 بالمساعدة في إعفاء الديون بعد تنفيذ شروط المبادرة.

– من المؤكد ان وعود المانحين بتخفيف الديون صادقة ولكنها مشروطة بتنفيذ برنامج صندوق النقد. ومن المؤسف أن نضطر ان نشرح للصحافة السودانية وأي انسان بيفك الخط ان هناك فرق بين إعفاء آني للدين وبين تكرار الوعد القديم بتخفيفه في مستقبل قريب أو بعيد بعد استيفاء شروط.

– في حالة استيفاء السودان للشروط, بشهادة الصندوق، سيتم إعفاء جزء كبير من إجمالي الدين ولكن ليس كله.

– ورغم انه لا جدال في أهمية إعفاء الديون إلا ان ذلك لا يعني ضخ مال جديد في شرايين الاقتصاد المتيبسة وهذا يعني ان شطب صفوف من دفتر الحسابات، علي أهميته، لن يغير شيئا في الظروف المعيشية محسوبة بتحسن الدخل واستقرار الأسعار وتوفر فرص العمل للشباب.

– ولن يحل مؤتمر باريس ولا شطب الديون مشكلة اختلال الاقتصاد الكلي المتجذرة في العجز المزمن والكبير في موازنة الدولة لعدم وجود دعم خارجي معتبر للموازنة في أي مدي زمني منظور. لذلك تظل التحديات كما كانت عليه وهي لجم عجز الموازنة وتشجيع الإنتاج وإزالة كوابحه وهي تحديات حلها في الداخل.

– نبهنا الحكومة منذ يومها الأول ان الحل في الداخل, وان العامل الخارجي رغم أهميته العالية, الا انه يجب ان يدور في فلك الداخل وليس العكس.

– ولكن الحكومة لم تصغ وتقطعت شباشبها بحثا عن مال الخارج, وكانت ضربة بدايتها الطلب من المانحين ان يدفعوا عشرة مليار دولار كاش وإلا انهارت الدولة وعشعش فيها الإرهابيون أعداء الغرب. ولكن لم يدفع أحد لذا تضطر الحكومة الآن لبلع ما تقدم من حديثها وتغيير موقع المرمي بنغمة جديدة عن ان السودان لا يحتاج لهبات بل الي استثمار – مكره اخاك لا بطل.

– ولكن جذب الإستثمار الخارجي, لو افترضنا انه حل وهو ليس كذلك, إلا انه تحدي داخلي في المقام الأول لأنه, قبل المؤتمرات, يستلزم اصلاح بيئة الأعمال وتحقيق استقرار سياسي وامني واستقرار في مؤشرات الاقتصاد الكلي.

من المهم التذكير انه من المعروف في أدبيات الاقتصاد الجادة, بما في ذلك توماس بيكيتي في كتابه الرائع راس المال في القرن الواحد وعشرين, ان كل تجارب التنمية الناجحة في آسيا اعتمدت على رأس المال المحلي ، وليس على رأس المال الأجنبي ولا الهبات.

– ولك ان تقارن النجاح الآسيوي الذي ارتكز علي راس المال الوطني بأفريقيا التي تعتمد على رأس المال الأجنبي. فتح الدول الافريقية الأبواب لراس المال الأجنبي تنفيذا لشروط البنك والصندوق نتج عنه ان الأجانب يملكون ما يقارب 40 في المائة إلى نصف راس المال الصناعي في القارة ويترتب علي ذلك ان الدخل الذي يجنيه المستثمرون الأجانب ويحولونه إلى الخارج يبلغ ثلاثة أضعاف المساعدات التي تحصل عليها القارة. هل هذا هو طريق التنمية الذي يناسبنا ونتمنى ان نسير عليه؟

– وجود راس مال سوداني هائل معطل داخل وخارج السودان يقول بأن الاسلم هو اطلاقه من القيود التي تكبله وان كان لا بد من راس مال اجنبي فليلعب دورا مساندا ومكملا ومحسوبا في مجالات بعيدة عن قدرات راس المال الوطني لأسباب تكنولوجية أو غيرها.

– أما التركيز على الإستثمار الأجنبي وجعله مسطرة قياس النجاح فهو تغيير في لكنة الخطاب الحكومي ولكن يظل الخارج هو ذات نفس لغتها. ولن تكون ثمار التعويل علي الإستثمار الخارجي بأفضل من ثمار مطاردة الهبات الخارجية ولكنه سيمسك زمن بشعب انتظار جيدو.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.