مصادرة ذاكرة المكان

خالد عباس

خالد عباس

الناظر لأثار قدميه خلفه على الأرض يدرك دون شفافية بصر أو بصيرة منه أن للمكان ذاكرة.. ذاكرة من الحكايا والروايات.. روايات مرتبطة.بالانسان… الحيوان.. النبات… الاحداث.. ارتباطا متسقا معه و… ومتجزرا في (ذات المكان)
وبهذا أجزم أن المسافة بين (خسار مريسة) و(زمزم) تعج بآليات وسياسات التعريب والتغريب الراكضة ركضا يسيل فيه العرق…. نحو (التطويب) الاسلاموعروبي وأعادة إنتاج الإنسان بعد مصادرة ذاكرة المكان.
قرب فاشر السلطان ليس بمسافة ليست ببعيدة…. على بضع كيلومترات… تقع منطقة (خسار مريسة) – هكذا كان اسمها حتى منتصف تسعينات القرن- قبل أن تطالها آلية مصادرة ذاكرة المكان خلال ثلاثينية الدم الموسومة بالعنف الثقافي زيادة على العنف في كل شئ والقمع لكل ماهو أصيل وجميل.
ولخسار مريسة قصة و روايه – وقد تتعدد الروايات.. والعهدة على الرواة- انه ذات نفير عامر بالجماعية والطوعية في الفعل.. وكعادة أهل السودان يكون النفير على أنغام مشروب… المريسة… بأنواعها… دقة … حسوة… وما شاكلها من دكاي.. بقنية.. شربوت.. في بقاع أخرى من السودان الكبير
يروي انه وفي ذات النفير والجميع يعلن سواعد الجد حفرا ومهام أخرى لحفر بئر سقيا ومورد حيوات.. إذ مرت علي الجمع عجوز تحمل قصعتها… وقامت بفحص آخر تراب تم انتشاله من البئر بحصافة جيلوجي فطري وقالت:

يا عيالي شغلكو دي خسار مريسة ساكت
بالمعنى…. البسيط… البسيط… قال الجيولوجي الفطري… أعني قالت العجوز انه ليس هنالك ماء قريب تحت مثل هذا النوع من التراب.. وأن هنالك هدر عظيم.
بهت الجمع.. واستشارها… فأشارت… وواصل النفير شغله في الحفر في الموقع الذي أشارت إليه.. وبجهد ليس بالكبير…تدفق الماء تحت المعاول… فاخضرت الأرض.. وشرب الأنسان والحيوان.. وسمي المكان استنادا على الرواية خسار مريسة..هذا قبل أن يستحيل بقدرة قادر إلى (زمزم) هذا الأسم ذو الدلالة الثقافية والدينية المختلفة الذي يضع قصعة العجوز على كتف قاطني المكان ليجبرهم على النزوح المعرفي إلى شبه الجزيرة العربية… مثلما نزح لذات المكان خلال محارق دارفور ما يقارب الثلاثمائة الف واحتموا بمعسكر زمزم للنازحين.. وهكذا كرست ثلاثينية الدم النزوح بأنواع شتى.
وهنا في عروس الجبال وجدت العجب العجاب.. ورأيت ما يدعو للتقيؤ من صلف للنظام البائد في مصادرة ذاكرة المكان:
التهجير الممنهج من السودان إلى الصحراء الليبية يتم عن قصد مثلما يهاجر الكثيرون ارتزاقا ليحاربوا شعبا على أرضه في احلاف كثيرة على الأرض الليبية اليوم.
وجدت ذلك في إعادة تسمية مدرسة عبد الفضيل ألماظ بعمر المختار… وقلت لنفسي يا للهول لما كل هذا الطمث… كيف عمدوا لأستبدال هذا بذاك… ثورة اللواء الأبيض علامة فارقة في تاريخ السودان الحديث ثورة اتسمت بقوميتها… على عبد اللطيف… عبد الفضيل ألماظ… عبيد حاج نور… كما اتسمت بالفداء… رغم تامر كتاب التاريخ عليها بأقلامهم النخبوية النيلية الا انها ظلت محفورة في وجدان الأحرار….ولعبد الفضيل ألماظ هنا في الدلنج رمزيتين…. رمزية الثورة… ورمزية المكان.. إذ أنه في دفء العشيرة وبين الأهل… إذا ماهي حوجة وجدان مدينة الدلنج الجمعي لتكريس عمر المختار غير تربص المتربص لتنزيح ذاكرة شعب.. بمصادرة ذاكرة المكان.
ليس هذا فحسب بل تجلى هذا الصلف المتأمرالبغيض… في استبدال اسم مدرسة السلطان عجبنا بسلمان الفارسي… مما يجعلني اقول بسودانية خالصة
ده شنو ده؟؟؟؟!!!
الناس دي طاير ليا ؟؟!!!!
ثم ارجع لأقول ماذا أراد أن يفعل هؤلاء… بل (من أين أتى هؤلاء)؟؟؟!!… حتى يحملوا هذا الشعب كل هذه التركة من الخراب العظيم… شكرا ترؤس ثورة ديسمبر المجيدة التي وقفت حائلا ضد هذا التنزيح المعرفي والوجداني القسري وعلينا جميعا استكمال الثورة وأنزال مثل هكذا لافتات وإعلان الأستقلال الجديد تقية ألا يمر بك مشهد ما وانت تجلس قرب بائعة شاي لتقول لك بعادية وهي تسألك:

شو بدك يا زلمي؟
كمرمالك أهوى…. احط عليها.. هيل.. وحبهان ؟؟

فتصعق حينها.. حزنا وانت تشاهد أعادة إنتاج الإنسان السوداني ماثلا أمامك.. فتأسي وتسبح في اللازمان.. واللامكان.
لكن مثلما حاربت الكنداكة (مندي) حارب مجتمع الدلنج لأجلها.. إذ مازال اسم مدرسة مندي الثانوية يحمل ذات الاسم الجميل والجليل.. تهرع إليها صبايا مدينة الدلنج كل صباح بجلالة الأسم… مندي

ونواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.