مداد القلم.. في قضايا الأدب والسياسة والتأريخ (4 من 6)

 

في مكتبة المصوَّرات بالخرطوم..

الدكتور عمر مصطفى شركيان
[email protected]

مهما يكن من شيء، ففي محتوى كتابنا الذي بين يديك نظرنا نظرة فاحصة إلى بعض من نصوص الأدب الإنكليزي في القرن التاسع عشر، فعلى سبيل المثال روايات الكاتب الإنكليزي رايدر هقارد. وما دفعنا إلى الإقدام على ذلك هو الوفاء بالتبجيل والعرفان بالجميل للذين علَّمونا في الماضي أوَّلاً، وتذكير أنفسنا وغيرنا طرَّاً بما قرأناه في أيَّام الصبا وعنفوان الشباب، ثم كمحفز لكل من أراد أن ينهل من معين ما أغدقه هؤلاء الأدباء على الأدب الإنكليزي ومتذوِّقيه، وكذلك لنتفَّهم هذه الروايات في بيئة كتَّابها. فقد قرأناها في بيئة غير بيئتهم، وفي ظروف غير ظروفهم، وبفهم يغلب عليه فهم غير فهمهم، وكذلك درسناها بعد أن قاموا بتحريرها وإرسالها إلى إفريقيا لأغراض سياسيَّة-إمبراطوريَّة. وأكثر ما شدَّنا في هذه الأعمال الأدبيَّة ممارسة “الحكي”، وهي أقدم ممارسة قام بها الإنسان لسرد القصص. والرواية – والحديث هنا يعود إلى الدكتور المصري جابر عصفور – هي رمز التسامح في مواجهة التعصُّب، ورمز من رموز التعبير للأحسن، والتي تواجه القمع والتسلُّط في كل الأزمنة والأمكنة.
كذلك لم يغب عننا في هذا الكتاب الموسوم ب”مداد القلم” ذكر بعض رجال النِّضال والروَّاد الشهداء من رفاق الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السُّودان الذين انتقلوا إلى مثواهم الأخير في سبيل الوطن وشعوب المناطق التي ناضلوا من أجلها، حتى رحلوا من هذه الدنيا الفانية في ظروف قاسية، وأيام حوالك، ووسط عوادي الدهر الخئون، ومن بعد رضيت عنهم شعوبهم، وكان لزاماً علينا أن نقريهم واجب التقدير والتحية اعترافاً منَّا بما أسدوا لوطنهم، وما زالت الأجيال تذكر مآثرهم وجلائل أعمالهم بين الحين والآخر، وفي كل مناسبة ذُكِرت فيها كلمات العدالة والمساواة والحريَّة.
وها نحن إذ ننشر هذا السفر ونذيعه في النَّاس، وهو يصادف الذكري التاسعة لرحيل عملاق الغناء والطرب السُّوداني الموسيقار محمد وردي، وهو الذي انتقل إلى مثواه الأخير في 18 شباط (فبراير) 2012م. لعلَّ الدكتور صلاح الرَّشيد حمد قد أوفاه حقه حين سرد سيرته ومسيرته الفنيَّة منذ نعومة أظفاره في قريته الوادعة صواردة حتى حين شرع ميمِّماً شطر الخرطوم، وتعاونه مع كبار الشعراء والملحِّنين آنذاك، وعلى رأسهم الشاعر إسماعيل حسن، الذي نعته الدكتور حمد ب”قيثارة على صدر الزمن” (أخبار اليوم، 18/2/2021م)، ومن ثمَّ كوَّنا ثنائيَّة فنيَّة يندر ما تجدها في مسيرة الفن في السُّودان. وبرغم من أنَّ الأستاذ الموسيقار محمد وردي كان قد صار هدفاً لسهام الوعظ من البعض، والنَّقد اللاذع من البعض الآخر، والشكوى الممض من المتطرِّفين بأن لا يمارس الغناء وهو في الحين نفسه يمتهن مهنة التدريس في بداية مشواره الفنِّي، إلا أنَّ الواقع الذي لا مداجاة فيه هو أنَّه أعرض عنهم، وزاول الغناء حتى اشتهر به، وذاع صيته، وبزَّ غيره من المغنيين في الحين الذي فيه “كانت النظرة التقليديَّة للمغنِّي في شتَّى أنحاء السُّودان تتَّسم بالدونيَّة كنتاج لجدليَّة تحريم الغناء كأثر عقائدي، والطبقيَّة الموروثة من المجتمع الاسترقاقي الذي ترك مسألة ممارسة الغناء للرَّقيق والإماء، مثل الموالي والجواري في المجتمع الأموي والعبَّاسي، وظهرت مسمَّيات عدة للمغنِّيين منها – على سبيل المثال – الصعاليك (أخبار اليوم، 20/2/202م).” وقد نشر الموسيقار جمعة جابر مقالات جياد تفنِّد هذه الظاهرة الاجتماعيَّة التي ربطت ممارسة الغناء والموسيقى في الجزيرة العربيَّة بالرِّق، وأذاعها في النَّاس في صحيفة خرطوميَّة يوميَّة في حقب خلت.

وللمقال بقيَّة،،،

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.