هكذا تمضي الحركة الشعبية بِخُطى ثابته وسط الرمال المتحركة
أنس آدم إبراهيم
توالت رُدود الأفعال في الوسائط الإعلامية المُختلفة وباحات السِجال السياسي حول لقاء حميدتي مع القائد عبد العزيز آدم الحلو _رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، و بحضور السكرتير العام للحركة الشعبية رئيس الوفد المفاوض _عمار آمون دلدوم وذلك تلبية للدعوة المقدمة من رئيس لجنة الوساطة توت قلواك مانيمي ومواصلة لِرحلة البحث عن سُبل كسر الجمُود الذي خيم على مباحثات السلام عند قضية علاقة الدين بالدولة وحق تقرير المصير. و سبق أن عُقِد إجتماع مُماثِل بِذات الخُصوص بِجوبا في أكتوبر 2020 بين القائد عبد العزيز آدم الحلو و رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك.
المتتبع الحاذِق لِمُجريات الأحداث ومواقِف الحركة الشعبية مُنذ تشكيل حكومة الفترة الإنتقالية فقد أكدت مراراً وتكراراً إستعدادها وجاهِزيتها للتفاوض مع حكومة الأمر الواقع The Government of the day ويأتي هذا المَوقِف في سياق جُهود ومساعي تحقيق السلام العادل في السودان و ترجمة شعارات الثورة حُرِية.. سلام .. وعدالة إلى واقع مُعاش ومع ذلك تتردد هنا و هناك أصداء بعض الدوائِر المُعادية للحركة الشعبية طِوال فترة إنطلاقة المفاوضات في أكتوبر 2019 بِجوبا و حتى اليوم في مُحاولة مِنها لِوضع الحركة الشعبية في سلة القُوى الممانِعة لِلسلام وشيطنتها بإعتبارها تضع شروط عاجِزة و غير واقعية دون تفهُم ومُراعاة القضايا المصيرية والمُلِحة المطروحة من قِبل الحركة الشعبية و هي قضايا ماتزال تُشكل أُس المُشكِلة مُنذ بُزوغ فجر الدولة السودانية الحديثة.
تعالت الأصوات ما بين مُباركاً و رافضاً لإجتماع حِميتي _ الحِلو وكذلك مجموعات أخرى لا تعجبها العجب ولا الصيام في رجب فقط من باب المُزايدة والمُكايدة السياسية وأشياء أخرى في نفسِها، عموماً كل إناء بِما فيه ينضح. نسي هؤلاء أن الحركة الشعبية وقيادتها تعي دورها ومهامها التاريخية كما تدري كيفية إدارة الملفات الحساسة والمعقدة في إطار زماني ومكاني مناسب و حتى في ظل الأوضاع الإستثنائية، فلا شك أن الحركة الشعبية ترتكز علي إرث تفاوضي ضخم و ثر لا يضاحيه مثيل و هذا الإرث يؤهِلها للإبحار وسط الأمواج المتلاطِمة بِجدارة كما أن قيادتها نهلت كل فنون وتكتيات ومهارت التفاوض من مدارسها الثورية، السياسية و الفكرية المميزة حتى الأعداء يعرفون ذلك جيداً قبل الأصدقاء.
و يمكن قراءة ردود الأفعال في إطار التأثير الكبير للحركة الشعبية على المشهد وحلبة الصراع السياسي فقد ظلت أخبار ومواقف الحركة الشعبية وتحركاتها السياسية محل متابعة وترقب شديدين من المهتمين والمراقبين وجموع السودانيين بقواهم السياسية والمدنية لذا جاءت هكذا ردود أفعال على قدر الحجم و الحيز السياسي الكبير الذي تشغله الحركة الشعبية لا سيما أن إتفاق الجبهة الثورية والحكومة الإنتقالية إصطدمت بِصخرة الرفض الواسع الذي تجلت حيثياته و إرهاصاته في خروج الآلاف من شعب البجا في شرقي السودان وأعداد هائلة من النازحين في معسكرات دارفور دعك من موجة الإستنكار الواسعة للإتفاق في مُدن و وِلايات السودان المختلفة عِوضاً عن أحاديث المراقبين و المحللين السياسيين الذين أكدوا من خلال إستقراء وتمحيص الإتفاق الذي تم توقيعة في جوبا بأنه لا يعدو كونه إستنساخ فقط Copy & Paste لِتجربة الإتفاقيات السابقة التي عمقت الأزمة السودانية ولم تخاطب جذورها و إقتصرت على تقسيم الكيكة.
فقد أقرت الحكومة نفسها ولجنة الوساطة بأنه لا يمكن تحقيق سلام دون الحركة الشعبية فضلاً عن تحذيرات اللاعبين الأساسيين على المستويين الإقليمي والدولي ومناصري قضايا السلام بأن هنالك أطراف ذات وزن سياسي وثقل جماهيري ما زالت بعيدة عن العملية السلمية بالرغم من أهميتها في المعادلة السياسية السودانية وفق منطق المُعطيات الماثِلة على الأرض والذي لا ينكرها إلا مُكابِر ومُتغطرس يريد أن يلوي عُنق الحقيقة، بالمقابل أصبحت الحكومة الإنتقالية في حيرة من أمرها فوجدت نفسها في موقف حرج فما كان عليها إلا و أن تبحث عن الحركة الشعبية واللهاث ورائها لإنقاذ العملية السلمية في ظل صراخ المجتمعين الإقليمي والدولي ودق ناقوس الخطر حالما إستمرت الحكومة الإنتقالية في نهجها المُختل ستكون المُحصلِة كارثية.
يبدو أن بعض القُوى السياسية وشُركائها العسكر لها مفهوم آخر للسلام و وجهة نظر مُغايرة ومُختلِفة عن رؤية وتعريف الحركة الشعبية للسلام فهذه القُوى تسعى على الدوام لإنهاء الحرب عبر ميكانيزمات تقليدية ومُجربة عفى عنها الدهر و كانت نتائجها مزيداً من الإحتراب وتعميق الجراح والتخريب الهيكلي والمؤسساتي التي أصابت الدولة في مقتل ومأساة فقدان جنوب السودان شاخِصة للعيان بعد مغادرتِه لِكشوفات النادى السوداني ولِربما أقاليم أُخرى ستمضي على نفس المنحى و تلحق بالركب وسط بُكائيات لن تجدي نفعاً.
فمن الأهمية بِمكان إعادة تعريف مفهوم السلام الذي نريد، بالطبع هو سلام بالضرورة يُسهم في طي صفحة الحروب وتضميد الجراحات تِلك هو السلام العادل و المستدام الذي يلبي طُموحات وآمال السودانيين والسودانيات و هذا لا يتأتى إلا بالإرادة السياسية The political willing، أما السلام الذي إعتادت النخبة المركزية على إختزاله في الإحتفالات وفلاشات الكاميرات وتقسيم الكيكة مآلاته معلومة سلفاً للقاصي والداني وموثقة تاريخياً كما في صفحات كتاب نقض المواثيق والعهود لصاحِبه السياسي والقانوني الضليع مولانا أبيل ألير، فهي صفحات مُكتظة بالإتفاقيات التي ذهبت أدراج الرياح وبسببها أضحت الدولة السودانية في صدارة موسوعة غينيس للأرقام القياسية بلا منازع من حيث نقض المواثيق والعهود.
تنبع منهجية تعاطي الحركة الشعبية مع قضيتي الحرب والسلام من واقع التشريح والتشخيص السليم للمشكلة السودانية وتقديم قراءة نقدية بناءة لِتجارب النُخب الفاشلة مقروءة مع الدُروس والعبر المُستقاة من عملية التنقيب عن حلول ناجعة للمشكلة السودانية … فلا يُعقل حل المشكلات والقضايا السودانية المُعقدة والمُتجذِرة التي تجاوز عمرها ستون عاماً ونيف في غضون بضعة شهور بالأماني والأغاني و التصفيق الزائف وإحداث ضجيح في الإذاعات والتلفاز و إلا ستكون ملهاة وضِحك على الذقون.
ستظل الحركة الشعبية و عبر رؤيتها السودان الجديد وبمواقفها المبدئية بارقة أمل الملايين من المهمشين وطوق نجاة الدولة السودانية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.