بناء الدولة : صراع التنظير و الحضارة (2)

بقلم / كومان سعيد

 

 

لا يخفى على أحد حجم الدمار الهائل الذي أحدثه الإسلام السياسي في تاريخنا البشري , أشخاص ومفكرين إسلاميين أمثال الإمام الغزالي ، حسن البنا ، رشيد رضا قد عملوا على إنتاج نموذج سيئ لأيدلوجية سياسية إسلامية خاوية من القيم الإنسانية النبيلة . لا أحاول هنا الحديث عن نموذج جيد للإسلام السياسي , فقط اود ان أكرم بالذكر نماذج من الفلاسفة المسلمين المستنيرين الذين تحدثوا عن الدين من وجهة نظر إنسانية بحتة , أمثال بن رشد ، التوحيدي ، مسكويه ،محمد أركون , ومحمود محمد طه . استطيع القول بكل ثقة أن أزمة الإسلام السياسي ليست مقترنة بتاريخ الرسالة المحمدية علي طوال تاريخها التبشيري الهجري , فقد مر التاريخ الإسلامي بفترات استنارة حيث كان للفكر والفلسفة مكانا ساميا . هنا يمكننا الحديث عن العصر الكلاسيكي الإسلامي , حيث بن رشد و التوحيدي ومسكويه يمكننا الحديث عن نموذج متقدم للإسلام . يعتبر هذا العصر عصر الفلسفة و التنوير الإسلامي البغدادي العالمي , او يمكنك القول العصر العلماني كما احب مناداته , قد يعتبره البعض غلوا في إطلاق هذا الإسم حيث يمكننا الاختلاف حول ذلك بكل لطف. و بكل تأكيد كانت الفلسفه هي سيدة هذا العصر الإنساني وكان الفلاسفة أمثال ابن رشد متأثرين جدا بالفلسفة الإغريقية و أرسطو بكل تأكيد . حينها لم يكن سرطان الأيدلوجية الإسلامية الأصولية قد اخز في التشكل بعد .لم يدم الأمر طويلا حتى جاء هذا العصر المشؤوم ,عصر الأصولية الدينية عصر التكفير وتحريم العلوم والفلسفة عصر الظلام والانحطاط الإسلامي كما يقول أركون. فحرمت العلوم وجرمت الفلسفة و كفر الفلاسفة وكانت هذه هي نهاية التفكير والاستنارة الإسلامية ’ نهاية العصر الفلسفي الإسلامي . فكانت الأصولية والتشدد الديني هي بديل الفلسفة والاستنارة , عصر السبات الإسلامي الفكري . توقف حوالي الأكثر من مليار إنسان عن إضافة أي فكر للإنسانية . فغدا تراث العصر الكلاسيكي ماضي تبكي عليه الإنسانية جمعا . وبكل أسف استطيع القول ان هذه الأصولية الدينية وهذا السبات مازال إلى يومنا هذا . البعض يعزو هذا التصلب والتطرف و الجمود الفكري لطبيعة الدين نفسه من حيث النصوص والتنظير السياسي القيمي . الا ان اخرون يعتبرون أنه ليس هناك أي موذج مركزي يمكن ان نسمية إسلام عالمي و بتالي إطلاق مصطلحات مستفزة مثل الدولة الإسلامية العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية …الخ . في عمق هذا الصراع التنظيري الثقافي لابد أن نتسائل “لماذا نجحت المقاربات النظرية التقليدية في التأسيس لنمط الدولة الغربية ؟ وإلى اي مدى يمكن الإستفادة منها في أنماط الدولة الخارجة عن السياق الغربي ؟ . إلي أي مدي يمكن الحديث عن مقاربة تنظيرية للدولة في الحالة الإفريقية تؤسس لوجودها القيمي و المجرد في نفوس مواطنيها و لحضورها المؤسساتي على مستوى الدولة وعلى مكانتها ووزنها على مستوى تحليل النظام الدولي ؟ “. يخبرنا التاريخ أن الأيدلوجيات السياسية وليدة الحضارات المختلفة هي نتاج تلك الثقافات و الحضارات فإذا قلنا بالدولة الغربية كنموذج فهي نتاج بيئتها و ثقافتها و بتالي لم تكن الدولة الغربية الليبرالية غريبة على الثقافة الغربية بل هي تمظهر للتراث الإغريقي . حسنا إذا كنا ننتقد الإسلام السياسي بحكم الخصوصية الثقافية التي أنتجت التنظير الإسلامي السياسي فلماذا ندافع إذا عن الدولة العلمانية الديمقراطية الغربية فهي ذات خصوصية ثقافية غربية أيضا ؟ أقول إن هذا الصراع سيفوز به من يحترم الحريات والديمقراطية , وكما ذكرت في مقال سابق أن الديمقراطية والحريات قيم لا تؤمن بها الأيديلوجيا الإسلامية , فهي تؤسس لحكم تميزي يقصي الأخرين ويهضم حقهم في الإختلاف و يميز ضدهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.