الجنجويد في زمن الترهيب والترغيب والوعيد
عبدالعزيز ابوعاقلة
مدخل ( اذا تكرر حدث سرقة الثورة في وطننا مرتين فهذه مأساة ، اما اذا تكرر ثلاث مرات فهذه مسخرة )
# لم يستطع السودانيون ان يتنفسوا الصعداء طويلاً بعد 30 خريفاً كالحاً كان أهم ملامحه مطراً حمضياً مسلطاً عليهم من استبداد وفساد و استكبار ، وخنق جميع الحريات (سلطة الإسلام السياسي) و تحكم بالحديد والنار. والذي قضي علي اليابس والأخضر في جميع المجالات في البلاد .حتي تفاجأوا (بوثيقة الهبوط الناعم ) و الاستسلام للعسكر وميلشياتهم من الجنجويد ومن يرسم معهم خارطة مستقبل وطنهم وشركاء ثورتهم (باللصق والسلبطة ) كمسحراتية جدد . بالإضافة إلي استصحاب جنجويدي مجرم حرب (حميدتي ) بكامل ميلشياته وعتاده حاملاً معه ملف اجرامه و أموال سماسرة بندقيته رغماً عن أن الكل يعلم أن ملفاته موغلة في هتك حقوق الإنسان واذلال كرامة المواطنين السودانيين المدنيين العزل بالقتل والسحل والاغتصاب وهدم وحرق القري في كل أنحاء هامشه الموثقة في كل تقارير منظمات حقوق الانسان في الداخل والخارج . وما زاد من إحباط الثوار هو تغييب صوت الجماهير صاحبة المصلحة في الثورة (المجلس التشريعي ) عمداً وبتواطؤ جمعي مع الذين تسلقوا في السلطة . مع أن نص الوثيقة الدستورية ينص علي أن لا يتجاوز تكوينه ٩٠ يوماً . أكثرمن ذلك هو تماهي وهرولة بعض القوي السياسية والمثقفين والأكاديميين والصحفيين الذين تم تدجينهم لصالح ثقافة فرض القوة لتمجيدهم ومنحهم صكوك براءة وغفران لا لشئ الا لتحقيق مكاسب ومصالح ذاتية لهم بل وبتواطؤ مبطن باستبعاد كتلة الشباب الثوري الذي صنع الثورة بالدم والدموع والتضحيات الجسام . بل تُركوا لاستقطابهم من قبل الدولة العميقة وآخرين من قبل هذه المليشيا المجرمة الجنجويدية بالترغيب والترهيب ليكونوا خارج المساهمة الفعلية في تاسيس منصة وطن يليق بهم ويشبه شعاراتهم وأحلامهم.
# ولكن في سودان عجائب السياسة السودانية ومهزلتها بعد (عسكرة السياسة وتديينها ) باكرا فقد صنع النظام الفاشي مليشيات كان هدفه منها هو القتال نيابة عنه في حروبه العبثية في هامشه في دارفور وجبال النوبة و الفونج بعد فشله في تحقيق أي نصر يذكر علي حركات النضال المسلح حينها بواسطة جيشه الذي افرغه من عقيدته القتالية إلي جيش يسيطر عليه الإخوان المسلمين بشعاراتهم المعروفة ( الجهاد والموت في سبيل الله غايتنا ) وبجانبه دراويش من منسوبيه من الدفاع الشعبي فيما يسمي بالمجاهدين . واهتدي تفكيره الحائر لحمايته من بندقية الثوار وايضاً مساعدته في الامساك بالسلطة عندما يحتاج إليها في زمن ثورة الجماهير الثائرة لمنعها وإسكات صوتها في المركز لذا كانت هذه المليشيات تشبه كلاب حراسة وصيد ومرتزقة بلا عقيدة قتالية وكان هدف هذه المليشيات من ناحية أخري كسب المال وتحقيق امتيازات خاصة يغدق عليها النظام المتاسلم بالمال المنهوب والموارد بلا حدود وكانت امنياته لو أن تكون من الهامش و بعيدة عن مدن مركزه حتي لا تشغله . وهكذا فعل وأراد بعد أن كون في البداية مليشيا من اثنية واحدة بزعامة موسي هلال سرعان ما دعمها للسيطرة علي منطلقة إنتاج الذهب في جبل يسمي ‘جبل عامر’ وفعلا استولت هذه المليشيا علي الجبل وسيطرت علي موارده بعد أن استباحت دماء المواطنين العزل القاطنين حول الجبل وأصبحت هذه المليشيا وحدها لديها الإذن والمتاجرة حتي أن الشركات المملوكة للدولة لا تستطيع الدخول إلي هذه المناطق الا بموافقتها وهكذا زادت ثروة هلال وتضخم وأصبحت له اطماع اخري في السلطة ، وأعلن فجأة تمرده المعروف علي أسياده المجرمين مثله في المركز وأعلن الخروج عن عصا طاعتهم . وفي أثناء تمرد هلال علي أسياده في المركز كان جهاز الأمن جاهزاً بالبديل لذلك المتمرد علي سلطة النظام المركزي . فعلياً صنع صنم جديد بنفس المواصفات والشبه بل أكثر طاعة عمياء من أمثال هلال كشيخ قبيلة وزعيم لقبيلة تعتبر كبيرة . وهكذا استبدل بمجرم آخر (حميدتي) واشرف علي تدريبه ودعمه بكل ما يمكن من عتاد وسلاح وفعلا بدأ نجم حميدتي يصعد خاصة بعد كسب معركة مهمة في دارفور مع احدي الحركات المناضلة المسلحة . وذلك بالخيانة وشراء أحد قادتها حينذاك . وحينها تم تكريم المجرم حميدتي من قبل الفاشي البشير بالنياشين وتمت ترقيته إلي رتبة أعلي لواء بالرغم من أنه لم يري حائط الكلية الحربية ولم يسمع بها وسط ذهول ضباط الجيش والمراقبين والمحللين السياسيين للوضع في السودان .بل تم بعدها استنساخ اسم جديد لتلك المليشيات المجرمة لتصبح قوات الدعم السريع والتي تتبع مباشرة إلي رأس النظام ، ولشرعنتها أكثر تم تمرير قانون خاص بها في برلمان التصفيق والتهليل والبصم المعين . ووجدت دعماً دولياً. وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم حرب في دارفور ، حيث قامت هذه القوات بتشريد المدنيين، ناهيك عمّا تم ارتكابه في تلك الفترات السابقة من حالات الاغتصاب والسرقة والقتل.ونهب الموارد من الدهب في كلّ من دارفور وجبال النوبة وإقليم الفونج. بالإضافة إلي ما تم توجيهه لها من أصابع الاتهام مؤخرا حسب الفيديوهات المنشورة في الميديا الموثقة واعتراف الناطق الرسمي للمجلس العسكري علي الملأ ( كباشي) فيما يتعلق بقتل المتظاهرين السلميين ( مذبحة القيادة) مؤخراً في الخرطوم والأبيض وبعض المدن السودانية الأخرى ولا زال القتل مستمراً حتي كتابة هذه السطور.
# وما يهمنا الان في قراءة المشهد السياسي وخاصة بعد ثورة ديسمبر المجيدة وفشل النخب في السلطة علي جميع الأصعدة المرتبطة بحياة ومعيشة المواطن البسيط وأدراك المواطنين بأن كل الذي يجري امام أعينهم ليس الا التفاف علي ثورتهم وملخصه مساومات وهرولة إلي تمكين رخيص بلا رؤية والامر من ذلك أن أصبح المعترك السياسي مسرحية بهلوانية وتبادل أدوار ومصالح مع هذه المليشيا تتم باسم ( الثورة والوطنية) حيث استغل حميدتي جيداً هشاشة القوي السياسية وضعف مكون تحالف قحت المدني وانقسام تجمع المهنيين بفعل الاستقطاب من قبل المكون العسكري وتلك المليشيات واصبح هو وحده الذي بيده كل الملفات الهامة من الاقتصاد إلي الخارجية حتي إلي تأمين حراسة منازل من هم في السلطة . كانه كان قدراً لوطن آخر جديد لا يستطيع الفكاك من قيوده ولعنته أبداً . بل أكثر من ذلك أن يواصل في ارتزاق بندقية جنوده في حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل ولا أحد يجرؤ أن يسأله ، شبيهه ما يحدث في الدولة اللبنانية مليشيا (حزب الله ) بالرغم من أن الأخيرة لها مرتكزات فكرية -نتفق معها او نختلف في أهدافها- ما يهمنا هنا أنها تشترك كلها في وجود دولة تبتلع الدولة وتركعها من خلال الترهيب والتخويف والترغيب احيانا . وفي تقرير نشر في البي بي سي مؤخرا يكتب الصحفي أليكس دي والذي يرصد صعود عناصر هذه المليشيا إلى مقدمة المشهد في السودان ذكر :
(أصبحت قوات الدعم السريع الآن القوة الحاكمة الحقيقية في السودان. إنها نوع جديد من النظام: مزيج من الميليشيات القبلية والمشاريع التجارية، وقوة مرتزقة انتقالية استولت على الدولة. وقد قطع هو ومقاتلوه شوطًا طويلا منذ بدايتهم الأولى كميليشيا قبلية عربية عادة توصم على نطاق واسع باسم “الجنجويد”.). انتهي .
# باختصار: قوات الجنجويد بعد تضخمها عتاداً وجنوداً ومالا وأصبحت لها ميزانية منفصلة ودعم خارجي وحصلت علي ما تريد من تبيض جرائمها مجانا فهي التي في الواقع تربط وتحل حسب مزاجها و مصالحها ولا خطوط حمراء ولا بيضاء لها .و ربطت مصيرها ومستقبلها بالبقاء في السلطة بوضع اليد دون شهادة بحث موجودة في ذاكرة السودانيين ، وبذلك أدخلت الوطن والمشهد السياسي في دائرة (هي او الطوفان الكبير ) . فهي الآن ترسم حاضرها ومستقبلها ببناء علاقات مشتراه بالمال القذر الملوث لصالحها لشراء الوقت والشرعنة الجديدة والاعتراف بها كأمر واقع في ظل فترة انتقالية ممتدة او غيرها في المستقبل و بالطبع هي مهددة ومعوقة للتحول ومستقبل الديمقراطية الحقيقية والسلام الاجتماعي للمواطنين في الوطن كما أنها تعيد الوطن مرة اخري الي الدائرة الشريرة للانقلابات وتفتح المجال لأي مغامر يغتال بزوغ الديمقراطية الوليدة. وثوار الثورة الحقيقيين يتساءلون الان فيما بينهم كيف الخروج من هذا المأزق بعد أن انكشفت كل الأقنعة ؟ هل نحتاج إلي ثورة اخري أم نستسلم للمقولة ( يد الشعوب تكتب الانتفاضات واستيكة حرامية الثورات تمحوها )
# آخر الكلام : وطني عندما يخذلونك لن تقع علي الارض ستنهض لان هناك فجرا جديداً ياتي …
عبدالعزيز ابوعاقلة أكتوبر ٢٠٢٠ [email protected]