رفقاً بالذاكرة الشعبية..!!
د.مرتضى الغالى
تجري محاولات في هذه الأيام لإعادة كتابة سيرة الشيخ حسن الترابي- عليه الرحمة- باعتبار أنه قدم عملاً قانونياً مفيداً للسودان.. ونحن لا نرى في قوانين سبتمبر التي باركها مع جماعته إلا أنها (أسوأ تعبير قانوني) عن أسوأ مرحلة أطفئت فيها مصابيح العدالة وانطلقت فيها الغيلان الانكشارية لتصطاد الناس في الطرقات والصبية من الحافلات واستعرت فيها هجمات الجلاوزة فاقدي التأهيل لينقبوا عن ضمائر الناس ونواياهم في أكبر حملة للإذلال يتعرّض لها المواطنون في تأريخهم القريب..! كل ذلك باسم شريعة خاصة بالجماعة تم تركيبها في النائب العام وفي القصر وجعلت من حاكم عسكري إماماً (واجب البيعة) يحكم بالكفر والإيمان ويجلد النساء والرجال في حملة قهر طاحنة لتثبيت نظامه بعد أن أكمل كل الذرائع للبقاء.. ووجد العون من فقهاء و(متفيهقين) وثلة من ترزية القوانين وخبراء التفصيل وفق هوى (صاحب القماش)..وتجمّع أصحاب التلبيس و(الطلطميس) من كل صنف وعلى رأسهم (ثلاثي القصر) واشتد التنافس في أمور الشعوذة و(الطوطمية) والتديّن الكاذب..بعضهم يريد حصد النصيب الأوفى من نشب الدنيا وبعضهم يرغب الحظوة وآخرون يعملون على تمكين أنفسهم وجماعتهم إلى درجة التماهي مع الطاغوت وإلباس المصالح الدنيوية ثياب (الكهنوت والرهبوت) حتى أن عرّابهم طلب البيعة لرجل لا يملك من أمره غير سلطة مغتصبة في مفارقة صارخة لدستور البلاد وحقوق الشعب وطبيعة الحكم التي تحوّلت في غمضة عين من جمهورية ديمقراطية إلى خلافة ذات أختام وشارات..! وبدأ حينها (مولد النصب والاحتيال) وفتح مصاريع السلطة للأفاقين والأفاكين والدجاجلة..وانطلقت من داخل المؤتمرات القطاعية للاقتصاد الدعوة للاستعانة (بالجن التنكوقراط) وشهد الناس كيف كان المشعوذون ينصبون الكراسي الخالية لإيهام خليفة المسلمين بأن المقاعد يشغلها مندوبون من الملأ الأعلى وبعض زعماء الجن المسلم.. وهذا هو الوقت الذي حوّلت فيه تشريعات الجماعة الحرب الأهلية في الجنوب إلى حرب دينية بكامل كراماتها ومِسكها وعنبرها..!
لن تجدي محاولات كتابة هذا التاريخ المخزي للجماعة وعرّابهم (بمداد جديد) يجعل من قوانين سبتمبر (الغريغورية) إصلاحاً قانونياً تأصيليا لإزالة الأثر البريطاني ومواءمة القوانين مع الشريعة..وهم يقصدون شريعة الإنقاذ لا مقاصد الدين في العدل والإنصاف والحرية وتحريم الظلم والعنطزة.. وكل ما خرج به السودانيون من هذه التجربة أن الجماعة كذبت على الناس على اختلاف تمويهاتها وتبدلات لافتاتها ما قبل جبهة الميثاق والى الجبهة القومية والمؤتمر الوطني والآخر الشعبي والكيان الخاص وتنظيم التوالي الموالف و(النظام الخالف) وظلوا في كل المراحل يعملون من أجل السلطة العضوض ويختبئون خلف الشعارات الدينية لتمكين أنفسهم وسلطتهم صاحبة المثل الأعلى في إراقة الدماء والظلم والتعذيب والإقصاء وسرقة الموارد وتشريد الناس وإهدار القيم الوطنية..!
ما قيمة التذكير بقوانين سبتمبر والحديث عن إنجازات جماعة الترابي القانونية ما دام كل الأمر قد انتهى إلى كذبة (القصر والسجن) والى تزكية شيخ الجماعة لنظام الإنقاذ الذي يمثل الوصمة الأفظع في تاريخ تسخير الدين لأطماع الدنيا وارتكاب أكبر جناية عليه عبر تقديمه في إهاب الوحشية غير المسبوقة.. ولسنا في حاجة للتذكير ببشاعة الإنقاذ ربيبة حركتهم الإسلامية..وما وقع بإشراف قادتها في معتقلاتها الحضارية وكوادرها الذين يركلون المصاحف بأحذيتهم في بيوت الأشباح ويسبون خالق العباد ويغتصبون الرجال.. والزوجات أمام أزواجهم..ثم يأتيك من يتحدث عن سجل قادتهم في إصلاح القوانين التي ما أن فرغوا من كتابتها حتى أطلقوا على الوطن الكلاب المسعورة الشرهة التي عطلت مسيرة الوطن لثلاثين عاما قادمة بعد ثلاثين عاماً كانت نكالاً يمثل أسوأ ما يمر على البشر من (كوابيس اليقظة)..!!