المسحراتية القدامي والجدد (٢)

 

عبدالعزيز ابوعاقلة

مدخل : ( قد لا يكون الشر دائما بالعنف , قد يكون الشر من خلال اعجابنا بذلك العنف.)
جيم موريسون

# من المهم أن نبين أن ما تمّ هو نتيجة امر واقع للثورة السودانية المجيدة ديسمبر٢٠١٩ لم يكن باي حال من الأحوال تطلعات الشعب السوداني ممثلا في قواه الثورية الحية علي الارض . ومن المفيد أن يدرك نخب (سدنة العسكر ) وطحالبهم من المليشيات الجنجويدية بأن الشعب السوداني وفي مقدمته لجان مقاومة مناطقه علي الارض ، الثوريين من الشباب /ت و بوعيه الناضج وضع فاصلاً لحقبة مظلمة من الاعيب الغش والخداع و الاستهبال النخبوي السياسي والعسكري معاً ، الذي كان يمارس عليه من النخب العسكرية وتبادل الأدوار مع بعض القوي السياسية (المتقيحة) (عسكرة السياسة وتديين السياسة ). كما حدث في كل الأنظمة السابقة ديمقراطية ليبرالية ديكتاتورية مستبدة ، وخاصة في مرحلة التحول الديمقراطي .ولابد أن يفهموا ان الجماهير قالت كلمتها بأن ذلك العهد ولي بلا رجعة وذلك بعد كظمت غيظها علي الحقبة المظلمة للنظام المتاسلم واكتوت بفساده واستبداده وتطرفه الديني خاصة بعد شنه للحروب العبثية علي شعوبه السلميه ، بل ظل النظام الفاشي مستخدما الجيش الوطني والمليشيات الإرهابية المجرمة والتي صنعها كرافعة مساعدة له للقتل وترويع المدنيين في هامشه وتقديمها في طبق مسموم في أجهزة إعلامه المختلفة وخطابه السياسي دوما علي أنها حروب مقدسة مدعومة بفتاوي جهادية زورا ..الخ خاصة أن الجماهير شاهدوا بأعينهم في عمق مركزهم مشاهد فض الاعتصام الدموي في رمضان أمام أعينهم وعدسات المصورين وأمام مكاتب الأمم المتحدة وسمعوا الإعتراف المبطن بقرار فض الاعتصام علناً علي الهواء بلا خشية أو حياء . وكيف خذلتهم نخب من يمسكون بزمام الأمور في جيشهم القومي بعد فصول من القتل والسحل الممنهج ولا سلمت اياديهم الدموية من هدم المنازل والمساجد والكنائس والصوامع التي يعبد فيها الله في هامشه، وهم الذين يدعون كذباً أنهم حماة العقيدة . ورغماً عن ذلك فإن صناع الثورة تغاضوا عن كل هذا الإجرام العلني رغبة في التخلص من طاغية مستكبر ربط مصير بقائه بتفكيك الوطن، وحكموا عقولهم وراهنوا علي انحياز جيشهم وحمايتهم لعله يستعيد صوابه وفقا لما يردده البعض (قومية وحيادية الجيش) من التدخل في الشأن السياسي ولكن خاب ظنهم خاصة بعد أن نزع الشعب السوداني بإرادته الصلبة دون مساعدة أحد ورقة توت النظام الفاشي المتغطرس. مستصحبين معهم بأن المواطن البسيط يدفع الضرائب والاتاوات والإستقطاعات وغيرها من قوت يومه لتذهب إلي الصناديق الخاصة للجيش والأجهزة الأمنية الأخرى للنظام المقبور وخاصة لا يتم الصرف علي الصحة والتعليم ..الخ الا فتات بل تذهب أغلب منصرفات الميزانية والدخل القومي و ذلك بنسبة أكثر من ٨٠ % من الموازنة لتصرف علي الحرب العبثية و ما يسمي بالدفاع والجيش والأمن وحزب المؤتمر اللاوطني للنظام في شكل مرتبات ومزايا وسيارات وغيرها من أوجه الصرف الأخرى ، و لا شيء ملموس يجود به الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى والمليشيات بعد أن نصبت في ظل غياب المحاسبة والشفافية امبراطوريات اقتصادية أحادية معزولة عن دولة المواطن تحت مسمي شركات تجارية لها من الأموال العامة للشعب معفية من الضرائب والخدمات ولم تساهم في الدخل القومي بالتنمية والخدمات للمواطن لأنها خارج نطاق النظام المالي للدولة واشراف وزارة المالية بل خارج سيطرة البنك المركزي مما وضح حجم الكارثة الاقتصادية في سنوات النظام قبل لفظ أنفاسه الأخيرة وبالطبع فما فعلته نخب الجيش لا يشبه اطلاقا كغيره من الجيوش في الدول المجاورة لنا والتي تضع قوميتها خطاً احمراً في عقيدتها و عنوانا لها لا يمكن تجاوزه مهما كانت الظروف . والأسوأ من ذلك ما قدمته أخيرا وكشفت به عن وجهها نخب الجيش دليلا وبرهانا ملموسا لتواطئهم بل مشاركتهم ومعهم مليشيات النظام الجنجويدية ومسمياتها الأخرى لفيلم الرعب والذعر في فض اعتصام الشعب السوداني أمام القيادة السلمي الذي كانت اهم ملامحه القتل والسحل والاغتصاب للشباب / ت حتي تتضح الصورة أكثر لمن يرون بعين واحدة.
# ظل الجيش السوداني طيلة تاريخه منذ تأسيسه في ١٩٢٥ م ومرورا باستقلال الوطن في ١٩٥٦م بواسطة نخبه من الرتب العليا جيش انكشاري مستلب الهوية يقوض دوما الديمقراطية الليبرالية (بالانقلابات المتتالية ) ٥٨ /٦٩/ ٨٩ في حالة شاذة يحسد عليها كغيره من الجيوش الوطنية التي لها عقيدة قتالية ملتزمة (بالأخلاق ) اولا واخيرا لحماية المواطنين المدنيين وحراسة الحدود من أي عدو محتل ومساهمة في تنمية الوطن بالإضافة إلي حماية التحول الديمقراطي من أي مغامر . فالمعلوم أن الجيوش الوطنية في بنية الدولة الحديثة عقيدتها القتالية الأخلاقية هي التي تميز بين البندقية الوطنية والبندقية المعروضة للبيع من اجل المال . ومن هنا يأتي مأزق جيشنا الوطني ولاسيما في الثلاثين عاماً الماضية في ظل الدولة الاوباشية الفاشية الإخوانية التي شطبت تاريخ واخلاق جيشنا الوطني بجرة قلم وركلت العقيدة الوطنية واستبدلتها بعقيدة جهادية دينية متشددة إقصائية موغلة في العنف والتكفير ضد شعوبها ، همها الأول حماية النظام الديكتاتوري المستبد الفاسد وقمع الجماهير وتكميم الحريات العامة التي انتهجها النظام المتاسلم لتأمين بقاءه لأطول مدة ممكنة في السلطة وبصناعة مليشيات مسلحة لها امتيازات مالية واقتصادية اهدرت ثروات البلاد في حسابات خاصة يدركها الكل ابتداءا من الدفاع الشعبي والأمن الشعبي وانتهاءاً بما يسمي بأمن المجتمع داخل الأحياء واخيرا ما يسمي بمليشيات الجنجويد المتخصصة بالسحل و القتل وسرقة موارد الوطن بقيادة مجرم الحرب حميدتي . و ظلت هذه المليشيات المجرمة تقاتل بالوكالة عن النظام الاستبدادي لقتل المدنيين السلميين في الهامش وأخيراً في كل مدن المركز ووفر لها النظام الدعم المالي والعتاد العسكري بلا حدود وساهم الإتحاد الأوربي في خطأ تاريخي لا يغفر بتمويله بالمعدات الحديثة والتدريب المتطور الحديث بحجة الحد من الهجرة الغير شرعية لدوله من الشباب الهارب من جحيم الحروب والفقر واستبداد الأنظمة الديكتاتورية في بلدانهم ولكن مصطلحات (النيوليبرالية ) لا تري كل ذلك فهي تعمل ما يحقق مصلحتها فقط وسياسة الأمر الواقع حتي لو كانت هذه الأنظمة تحكم بالحديد والنار شعوبها المستضعفة . وبهذا أصبحت المليشيات الجنجويدية لها نفوذ وقوة لا يستهان بها ووصل تعدادها إلي أكثر من ٨٠٠٠ قاتل مرتزق (إحصائية غير رسمية ) حتي تفوقت علي الجيش الوطني مالا وعتادا وتدريبا في ما يخص التدخل السريع لحرب المدن وقمع المواطنين المدنيين السلميين وتكميم الأفواه . وعندما كتبنا باكراً قبل أن يصبح قائد هذه المليشيات المجرمة (حميدتي ) بوضع اليد وقوة البندقية في مسرحية وثيقة المساومة المسخرة وحذرنا من أن الدولة التي توجد بها مليشيات بجانب جيشها الوطني ومهما تمت شرعنتها تحت أي شكل قانوني وهي ما زالت مستقلة ماليا وادريا ولها عقيدة خاصة بها فسوف تؤدي إلي فوضي واطماع في التدخل في السلطة مادامت تسير علي عقيدة فاسدة كاذبة وهذا ما أثبته توالي الأحداث والشواهد في كل مدن الوطن حيث تحول (كلب الحراسة) إلي (ذئب متوحش) وكما قلنا باكرا أنها لا تؤدي الا إلي طريقين احلاهما مر : الاول مقدمة و هشاشة لانهيار الدولة الوطنية . والثاني تضخم هذه المليشيات وتغولها علي السلطة وتقويضها بقوة البندقية و ممارسة الوصاية علي السلطة والترغيب والترهيب والابتزاز حينا آخر .هذه صورة مصغرة مستنسخة من تجارب الكتالوجات المجانية لبعض الدول الإفريقية القريبة منا والتي لم تستطع الخروج من هذا المأزق التاريخي، باختصار عندما يتحول المقاتل – مهما كانت مسمياته واجندته – إلي قاتل محترف بعقيدة معروضة للبيع لمن يدفع أكثر (حميدتي نموذجا ) فالوطن يصبح في محنة ومأزق وطني ويفقد مشروعه الوطني القومي ويظل الوطن يبحث عن هويته المفقودة وتصير أجندة الكراهية والانقسام والعنصرية تظلل وجهه وبالتالي تقويض بناء التحول الديمقراطي السليم واعاقة الدولة الحديثة التي يحلم بها جميع السودانيين الوطنيين . و علي الرغم من ذلك يظل (المسحراتية الجدد ) من النخب السياسية في زمن الانحطاط السياسي يحدثونا بلا خجل آناء الليل والنهار عن نجاح الثورة الذي تم بشراكة العسكر ومليشياتهم ا في ثورة الشعب . إلي أن سقطت اقنعتهم الزائفة بأن جعلوا ( حميدتي) قبلة لهم يطوفون حولها وبطل منقذ (Superhero) بالطبع هم يحاولون أن يلووا عنق الحقيقة الواضحة الماثلة أمامنا لغسل هذا التاريخ الدموي المخجل لا لشئ سوي الحصول علي امتيازات واجندة ذاتية ومنح شيكات علي بياض ممن لا يملك إلي من لا يستحق .

# اخر الكلام : المجد لشهدائنا النبلاء ، ودولة الديمقراطية الحقيقية آتية لا ريب فيها حتي لو كره المنافقين وقوي الردة .. (نواصل ) .

عبدالعزيز ابوعاقلة سبتمبر 2020
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.