اتفاق جوبا انقلاب على الوثيقة الدستورية

بقلم: تاج السر عثمان

 

تجاوز اتفاق جوبا “الوثيقة الدستورية”، بل شكل انقلاباً كامل الدسم عليها عندما مد الفترة الانتقالية لتكون 39 شهراً يبدأ سريانها من تاريخ التوقيع علي اتفاق السلام، واستثناء الممثلين من أطراف العملية السلمية الموقعة على الاتفاق من نص المادة (20) من الوثيقة الدستورية في مجلس السيادة والوزراء دون أن يشمل ذلك ولاة الولايات/ حكام الأقاليم على أن يتقدموا باستقالاتهم قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية المتفق عليها ولتنظيماتهم الحق في اختيار من يخلفهم في تلك المواقع، كما اتفق الطرفان على ادراج اتفاقيات السلام الموقعة في “الوثيقة الدستورية”، وفي حالة التعارض يُزال التعارض بتعديل الوثيقة الدستورية، أي اصبحت بنود اتفاق جوبا تعلو على الوثيقة الدستورية!!!.

جاءت المحاصصات التي شكلت جوهر الاتفاق، كما في السيادي تمثيل الموقعين على الاتفاق ب (3)، ومجلس الوزراء (5)، والمجلس التشريعي (75 مقعدا)، إضافة لتجاوز التنمية المتوازنة في كل أقاليم البلاد، وفرض المحاصصات على سكان العاصمة القومية والشرق والشمال والوسط وكردفان، وفي المفوضيات والخدمة المدنية والقضاء والتعليم العالي، وفي القوات المسلحة… الخ

كما لم تتم اجازة الاتفاقية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي كما في الدستور، وتمّ قيام مجلس للشركاء، لا وجود له في “الوثيقة الدستورية” ضم: المجلس العسكري، والموقعين على اتفاق جوبا، وقوى الحرية والتغيير.

2

جاء اتفاق جوبا امتداداً للمحاولات الانقلابية السابقة التي بدأت بمجزرة فض الاعتصام التي جدد ذكراها بيان لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص بإعلانها اكتشاف مقابر جماعية جديدة لأشخاص قُتلوا ودُفنوا بشكل يمثل انتهاكاً للكرامة الإنسانية، ويعيد للأذهان مجزرة القيادة العامة واحتمال أن تكون لمفقودي القيادة العامة في 3 يونيو 2019، وليؤكد ضرورة الاسراع في إعلان نتائج التقصي في المجزرة ومحاسبة المسؤولين عنها ومتابعة قضية المفقودين، ومتابعة الخيوط التي بدأت تتكشف ومنها المقبرة الجماعية التي تعيد للأذهان المقابر الجماعية المجهولة والتي تمّ كشف بعضها لشهداء 28 رمضان… الخ.

لقد كانت مجزرة فض الاعتصام كما كشفت الصور والفيديوهات وشهادات الحاضرين من أبشع الجرائم في تاريخ السودان الحديث، التي تمّ التخطيط لها والتنفيذ من المجلس العسكري حسب إفادة الفريق الكباشي في المؤتمر الصحفي بتاريخ 13 /6/ 2019، بل كانت انقلاباً دموياً، كما أكد بيان البرهان بعد المجزرة إلغاء الاتفاق مع ق.ح.ت، وقيام انتخابات خلال 9 شهور، ومهدت دعاية فلول النظام المبادة لها من اطلاق الأكاذيب حول الاعتصام والتحريض علي فضه، والهجوم والأكاذيب حول قوى التغيير وتجمع المهنيين، واشتركت في المجزرة، كما أوضحت الصور والفيديوهات، كل الجهات الأمنية والعسكرية، جهاز الأمن والعمليات، الدعم السريع، الشرطة، كتائب الظل، ومليشيات الإخوان الإرهابية، وتجريد الجيش من أسلحته، واغلاق القيادة العامة أمام المعتصمين وهم يحصدهم الرصاص!!، وتم فيها اطلاق الرصاص على الشباب العزل بوحشية أدت لمقتل أكثر من 120 (بعض التقديرات تشير إلى أكثر من 500 شخص)، غير الجرحى والمفقودين، وحرق الخيام ومن بداخلها من معتصمين وهم صيام ونيام، والقمع الوحشي بالهراوات والغاز المسيل للدموع والاغتصاب، ورمي الشباب أحياء أو أموات في النيل وهم مثقلين بكتل أسمنتية، واستباحة العاصمة والمدن لمدة ثلاثة أيام، دون أن يحرك المجلس العسكري وقيادة الجيش ساكناً لحماية المواطنين الأبرياء العُزل.

مجزرة القيادة العامة امتداد للمجازر التي ارتكبها نظام الإنقاذ من إبادة وحرق القرى في دارفور التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف مواطن، ونزوح أكثر من 2 مليون مواطن وفي الجنوب حتى تم فصله، وحروب الإبادة في جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق، ومجازر نظام الإنقاذ منذ انقلاب 1989. وجاء انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في 11 أبريل 2019 ليقطع الطريق أمام الثورة ، وفرض “الهبوط الناعم” الذي يعيد إنتاج سياسات النظام البائد القمعية والاقتصادية وتحالفاته العسكرية الخارجية والتفريط في سيادة البلاد وأراضيها وثرواتها الزراعية والحيوانية والغابية والمعدنية، وايجاد المخرج الآمن لرموز النظام البائد من المحاسبة والإبقاء علي المصالح الطبقية والثروات والأصول التي تُقدر بعشرات مليارات الدولارات، كما أكدت تجربة الخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي في رفع الدعم وتخفيض الجنية السوداني، واستمرار القمع الوحشي للتجمعات والمظاهرات السلمية والقوانين المقيدة للحريات، والتهاون مع فلول النظام البائد في خلق الفتن القبلية ومواكب الزحف الأخضر لنسف الفترة الانتقالية، وتخريب الاقتصاد وافتعال الأزمات في التموين ورفع الأسعار والدولار، وتهريب الذهب والدقيق والقد لدول الجوار… الخ، والتطبيع مع إسرائيل بعيداً عن إرادة شعب السودان ومؤسساته الدستورية، والخضوع لابتزاز امريكا في دفع تعويضات جرائم إرهاب النظام البائد شعب السودان غير مسؤول عنها، والتطبيع مع إسرائيل مقابل الرفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومواصلة تنفيذ اتفاقات البشير العسكرية الخارجية مثل الاستمرار في حلف اليمن وارسال الجنود السودانيين لها، وقيام قاعدة بحرية نووية روسية في البحر الأحمر، وإضافة الاتفاقات العسكرية مع مصر كما في المناورات والتدريبات العسكرية في قاعدة مطار مروي الجوية، مما يهدد وحدة السودان واستقراره وأمنه، ويجعله في مرمى الصراعات العالمية والإقليمية، بدلاً من جعله منطقة سلام، ويتميز بعلاقات متوازنة تقوم على حسن الجوار وتعاون وسلام مع كل دول العالم، مما يوضح المخطط لعودة النظام البائد للسلطة بأشكال جديدة، ومن ضمن المخطط كان مجزرة الاعتصام التي تجمعت فيها كل القوى العسكرية ومليشيات النظام البائد لإخماد واقتلاع الثورة.

3

جاء بعد مجزرة فض الاعتصام التوقيع على “الوثيقة الدستورية” التي كرّست هيمنة المكون العسكري والمالية والإعلامية، وحتى “الوثيقة الدستورية” لم يتم الالتزام بها كما يتضح من: البطء في القصاص للشهداء ومتابعة المفقودين في جريمة مجزرة الاعتصام، وعدم محاكمة رموز النظام البائد على الجرائم الواضحة، وعدم تحقيق السلام وتعقيده بالمسارات والحلول الجزئية، بدلاً عن الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة، وخرق الوثيقة الدستورية بتكوين مجلس السلام بدلاً عن مفوضية السلام، وجاء اتفاق جوبا ليكرس الانقلاب الشامل على الوثيقة الدستورية،
وأخيراً لا بديل غير استمرار الحراك الجماهيري الذي ما زالت جذوته متقدة، وقيام أوسع اصطفاف لقوى الثورة من أجل:

الديمقراطية والتحول الديمقراطي، والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، وتفكيك التمكين واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة المرتكبين للجرائم ضد الانسانية والإبادة الجماعية، وكشف كل القبور الجماعية للشهداء، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وعودة كل شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والدعم السريع وشركات الماشية والمحاصيل النقدية والاتصالات لولاية المالية، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي بما يقوي الصادر والجنيه السوداني وتوفير العمل للعاطلين من الشباب، ورفض السير في السياسة الاقتصادية للنظام البائد في رفع الدعم وتخفيض العملة والخصخصة، وانجاز مهام الفترة الانتقالية وتفكيك التمكين والانتقال للدولة المدنية الديمقراطية التعددية، ورفض الحلول الجزئية في السلام بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.

– إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وإلغاء قانون النقابات 2010، وإجازة قانون نقابة الفئة الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، ورفع حالة الطوارئ، واطلاق سراح كل المحكومين ونزع السلاح وجمعه في يد الجيش وحل جميع المليشيات وجيوش الحركات وفقاً للترتيبات الأمنية، لضمان وقف الحرب والصدامات القبلية والنهب والاغتصاب الجاري الآن في دارفور والشرق… الخ، وتكوين جيش قومي مهني موحد..

– تسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وضد الإنسانية.

– عودة النازحين لقراهم وحواكيرهم، وإعادة تأهيل وتعمير مناطقهم، وعودة المستوطنين لمناطقهم، وتحقيق التنمية المتوازنة.

– السيادة الوطنية ووقف بناء القواعد العسكرية علي أراضي السودان، وارسال القوات السودانية لمحرقة الحرب في اليمن، فلا يمكن تحقيق سلام داخلي، والسودان يشارك في حروب خارجية لا ناقة له فيها ولا جمل، والخروج من المحاور العسكرية، وقيام علاقاتنا الخارجية مع جميع دول العالم علي أساس المنفعة والاحترام المتبادل، وتصفية كل بؤر الارهاب والحروب في السودان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.