السودان ما بين رفع اسمه من قائمة الإرهاب وما بين مواصلة الثورة

بقلم/ محمد جلال أحمد هاشم

التفكير الرغبوي في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب

كثيرا ما ينشغل السودانيون بين الفينة والأخرى بأخبار كلها كاذبة تتعلق برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. يفعلون هذا دون أن يخطر في بال غالبيتهم أن يتساءلوا: هل ألغى الكونقرس قانون وضع اسم السودان في قائمة الدولة الراعية للإرهاب؟ وضع السودان في هذه القائمة مبدئيا هو قرار سياسي رئاسي، لكن سريان القرار وإلزاميته لا تتحقق إلا عندما يصدر الكونقرس قانونا بذلك. ولهذا قرار إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ليس سياسيا، بل قانون، ذلك لأنه ينبغي أن يصدر الكونقرس قانونا يلغي به القانون السابق. فهل هذا حدث؟ إذا فعلا حدث، فعندها يمكن أن نقول مبرووووك.

لكن إذا هذا لم يحدث، فعندها لا نملك إلا أن نأسف لموافقة حكومة حمدوك تحمل مسئولية فعل لم يقم به الشعب السوداني، حيث كان ينبغي استئناف قرار محكمة الموضوع، بدلا عن التورط في الموافقة على دفع هذه المبالغ الضخمة من إحدى أفقر دول العالم لواحدة تعتبر من أغنى دول العالم.

قائمة الإرهاب كشرك إمبريالي للسيطرة على الدول وتفكيكها وللحقيقة، طالما أن (82%)من الدخل القومي يقع خارج الموازنة العامة لوزارة المالية والحكومة المدنية “كما صرح بذلك حمدوك” فإن الكونقرس لن يزيل اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فما سيشغل فكره هو مصارف هذه المبالغ المهولة التي تشكل نفس النسبة من إنتاج واحدة من أغنى الدول من حيث الموارد الحية وغير الحية، الفقيرة من حيث الحكم الراشد بجانب كونها من أفسد دول العالم. كما ينبغي أن نعلم تماما أن هذا الوضع هو بالضبط ما تريده امريكا “ومعها الغرب الامبريالي.” للسودان، وهو أن يكون دائما ضعيفا بحيث يمكن استغلال ضعفه هذا لتوجيهه إلى أي وجهة في صالح أمريكا، بما في ذلك تفكيكه إذا اقتضى الأمر. مشاكل السودان مسئول عنها السودانيين في المقام الأول.

ولكن التناقضات الهيكلية والأدائية في القوى الوطنية المتصارعة داخل السودان لا تشي بأنها يمكن أن تجتمع كلمتها في تسوية تاريخية ينبغي أن تبدأ بموافقة الجميع على أن تستعيد مؤسسة الدولة لشرط علمانيتها حتى تتهيأ لأن تكون دولة مواطنة بحق وحقيق. ولكنزهذا، فيما نراه، دونه خرط القتاد. وتكمن المشكلة في أن مؤسسة الدولة قد تم إنهاكها ربما لدرجة لم تعد معها قادرة على احتمال أي صراعات قادمة، دع عنك شبح عودة الحرب الأهلية بدرجة من الضراوة ربما غير مسبوقة، بالذات في جبال النوبة والنيل الأزرق، ثم بعدهما في دارفور والشرق. هنا سوف يتدخل الغرب الامبريالي ليقول “enough is ejough!” وهي طبعا ستكون تمثيلية منه، كونه لعب، ولا زال يلعب دورا أساسيا في تعميق هذه التناقضات، وأولها انتداب حمدوك ليقوم، أولا، بدور رئيس الوزراء الضعيف، فاقد الرؤية، وثانيا، بالمحافظة على هيمنة العسكر ومليشيا الدعم السريع على مفاصل الاقتصاد، وثالثا بتجهيز الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني بيلعبوا دور بناء جبهة تضمهما بجانب فلول النظام البائد والبعثيين والمؤتمر السوداني والجبهة الثورية وكل قوي الهبوط الناعم التي سوف تتخذ من اتفاقية جوبا مع الجبهة الثورية مدخلا لفرض هيمنة العسكر والمليشيات على مفاصل الدولة أكثر وأكثر، بجانب تطويل الفترة الانتقالية بما يسمح بإشعال الحرب في المناطق المشار إليها أعلاه خلال الفترة الانتقالية.

كل هذا يكشف لنا أن أمريكا “ومن ورائها الغرب.” ليس من مصلحتها أن ترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. بالتأكيد يمكن أن تتخذ قرارات سياسية قد تخلق الانطباع بأنها قد أزالت اسم السودان من القائمة، ألا انها سوف تحرص على المحافظة على وضعه الهش عبر صيغ أخرى يمكن ضرب أمثلة لها لو كان الوقت يتسع لهذا. هل من مخرج: مواصلة الثورة هي المخرج، ولكن!

اذن، ما المخرج من هذا؟ المخرج هو في مواصلة الثورة وفق مشروع بعينه؛ فإما مشروع الدولة الدينية ذات الأيديولوجيا الإسلاموعروبية، غير الوطنية، التي ظللنا نعيش في ظلها منذ الاستقلال وهي تتدهور بطريقة منظمة وكل همها أن تتظاهر بأنها عربية أكثر من العرب أنفسهم، أو الدولة الوطنية العلمانية الآفروعمومية Pan Africanism”.” المتصالحة مع حقيقة أننا شعب أفريقي أسود، وأننا عربفونيون “ناطقون بالعربية بجانب الإنكليزية وباقي اللغات الوطنية.” كما نحن ننتمي للثقافتين العربية والإسلامية السمحتين، بجانب باقي ثقافاتنا الأفريقية الأخرى. فإما أن تنطلق الثورة القادمة من الخطاب الايديولوجي الإسلاموعروبي المستغرق الذي لا يفعل فينا شيئا غير تكرريس الغباء الأيديولوجي، أو ان تنطلق الثورة الشعبية القادمة من الخطاب الثقافي الافروعمومي المنفتح والمتفاعل الذي يخلق فينا الذكاء الثقافي. ان ما عاب ثورة ديسمبر المجيدة، بالرغم من أنها غير مسبوقة حتى الآن في تاريخ البشرية، انها لم تنتخب لها مشروعا وطنيا واضحا يحسم تناقضات السودان القديم التي اوصلتنا إلى هذه المرحلة. فقد جمعت بين صفوفها كل قطاعات الشعب بمجمل تناقضاتهم التي ورثوها من السودان القديم. ولهذا ما كان يمكن لها أن تختط مسارا يختلف عما كان السودان القديم يسير عليه. دعونا نضرب مثالا لهذا. كلنا يعلم أن حزب الاتحاديين الديمقراطيين التابعين لمحمد عثمان الميرغني قد سقطوا ضمن سقوط نظام البشير؛ وكلنا نعلم أن الصادق المهدي ظل يعرقل مسيرة الثورة بتخذيلها ليس فقط منذ سنوات، بل حتى أثناء اندلاعها. ولكن بالرغم من هذا، كان أتباع الرجلين ضمن الشارع الثوري، متجاوزين لهما في وقتها، بينما هم يريدون الآن الاحتفاظ بموقع تبعيتهم للرجلين بما يعني استصحابهما في المرحلة الانتقالية وما بعد الانتقالية. وعلى هذا فقِس!

#الثورة الشعبية الخامسة قادمة إن سلما أو حربا:

هناك مرحلة ثورية قادمة فيها يثبت هذا الشعب العظيم انه فعلا معلم الشعوب. ينبغي أن يرتفع الوعي الثوري في ثورتنا المقبلة – إن سلما أو حربا – إلى درجة حسم التناقضات الهيكلية والأدائية التي أقعدت وطننا من اتخاذ مجمل ثوراته الأربع الماضية كنقطة انطلاق نحو صناعة التاريخ. ولن يتحقق هذا إلا بارتفاع الوعي حتى تتمايز “الكيمان” والخطوط: فإما ثورة شعبية منطلقة من الأيديولوجيا الإسلاموعروبية التي تعمل على تزييف وعي الشعب بإيهامه بأنه هو عرب العرب، بما يعني أن ترتد الدولة عندنا إلى مرحلة الدولة الدينية المشيخية، غير الوطنية، المتأخرة عن ركب البشرية بأربعة قرون على أقل تقدير، أو أن تكون ثورة شعبية منطلقة من الوعي الثقافي الحضاري لشعبنا بما يجعلنا نلحق بركب الحضارة، انطلاقا من علمانية الدولة كشرط بنيوي بغيره لا يمكن أن تصبح دولة وطنية، وانفتاحا حضاريا ينطلق من مكامن الحضارة عندنا بوصفنا شعبا أفريقيا أسود، عربفوني وآنقلوفوني في نفس الوقت الذي يستشعر العزة والكرامة من تعدده اللغوي.

#فإما هذا أو ذاك، لكن لا مجال للجمع بينهما بعد الآن!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.