جذور الأزمة في العالم النامي ثقافية “العلمانية في السودان نموذجاً”
أ.د. عامر عباس حمد
العلمانية ليست مدرسة ولا مذهب لا فلسفي ولا فكري ، لذلك لا يوجد شخص علماني الا على سبيل التوصيف فقط بمعنى من يؤمن بمبادئ العلمانية في إدارة الدول … يجوز ان نقول إنها طريقة في إدارة الدول …
المصطلح للانجليزي جورج هوليوك والذي صاغه في 1846م ثم لاحقا فصل فيه فلاسفة المدرسة الوضعية في إنجلترا ثم فرنسا وتبعهم البقية في أميركا وغيرها …
ولكن اول من فطن للفكرة والمضمون في أوائل القرن السابع عشر الميلادي هو المفكر اليهودي الديانة والهولندي الجنسية الرائع باروخ اسبينوزا اول من وضع النصوص المقدسة تحت مجهر النقد والفحص العقلي والبحثي فانتهي لإثبات تحريف التوراة والإنجيل ومن يدري فلربما كان لا محالة منتهيا لإثبات صحة وثبوت القران كما حدث لاحقا من قبل رصفائه في البحث لولا أن عاجلته المنية والتي ساعد عليها الهجوم الذي تعرض له والحروب التي شنت عليه من كلا جهلة ومتعصبي اليهودية والمسيحية وأرزقية السياسة على حد سواء حيث تم تكفيره وهرطقته وتعرض لعدة محاولات إغتيال حيث نجح أحدهم في طعنه بسكين وإن لم ينجح في قتله ، وترتب على ذلك هروبه لهولندا ولجوئه بها حيث كانت ملاذا للحريات وللمضطهدين وعاش بها فقيرا معدما يعمل بإصلاح الساعات وهو سليل إحدى الأسر اليهودية الموسىرة… وبذا ارتبط بعصر التنوير الهولندي وقد قدمت عنه ندوة كبرى في 2018م برفقة البروفيسور السوري المقيم بالمانيا محمد محمود عيد وبرعاية السفارة الهولندية وجمعية الصداقة السودانية الهولندية وبالاشتراك بين مركز تواصل العالمي للتدريب والتنمية البشرية ومركز التنوير المعرفي تحت عنوان : باروخ اسبينوزا وعصر التنوير الهولندي .
و اسبينوزا هو الاستاذ والاب الروحي للبرت أينشتاين ابو الفيزياء الحديثة( وهو من جعل منه مؤمنا وليس ملحدا كما يعتقد غالب الذين ينظرون لاينشتاين باعتباره كان ملحدا ، وهو في حقيقة الحال كان ملحدا باله ودين الكنيسة المحرف ) وكان لاسبينوزا فضلا عظيما في فتح الأبواب للدولة المدنية وانطلاق مسيرة العلم الحديث وحركة الكشوف الجغرافية والعلمية والتي نحيا كلنا الان بمن فيهم الذين يلعنون العلمانيةويكفرونها في ظلال دوحتها ونعيمها ونمارس كل تفاصيل حياتنا اليومية تقريبا عبر منجزها الثقافي والتكنولوجي وإن جهلنا أو جهل كثير منا ذلك …
العلمانية أو ال Secularism بفتح العين أو كسرها ،، وسكون اللام دائما ،، صحيحة بأي طريقة اخذتها وذلك للآتي:
– بكسر العين فهي منسوبة ،، للعلم ،، والأخذ به في إدارة شئون الدول وحلحلة مشاكلها .
– بفتح العين فهي منسوبة ،، للعالم ،، بمعنى أن مهمة الدولة ليست في نشر الاديان ولا المعتقدات ولا منعها ولا فرضها باي شكل من الأشكال لان تلك مسائل شخصية يختلف حولها الناس ونادرا ما يتفقون وبسببها تنشأ الحروب والصراعات وهي مسائل غيبية ليس بوسع أحد الجزم فيها بالصحة أو البطلان … ولكن مهمة الدولة هي تقديم الخدمات التي يحتاجها كل فرد ايا كان دينه أو معتقده أو لونه أو جهته التي يقيم فيها من صحة وتعليم وأمن ورفاهية وكل ما يحقق كرامة الإنسان … وهذه مطلوبات وحاجات مجالها هو البحث في العالم المحيط بنا لاكتشاف القوانين التي تحكمه وتسيره وفهمها للسيطرة عليها وتوظيفها لخدمة المطالب المذكورة وتحقيقها …
بمعنى تحويل الدولة من السيطرة على المواطن عبر استغلال عواطفه الدينية لصالح فئة أو طبقة أو جماعة …للسيطرة على الطبيعة وجعلها في خدمة الإنسان …
لذلك اتت كل المخترعات والاكتشافات الحديثة في مختلف مجالات الحياة من زراعة وطب وصناعة وهندسة بناء وأبحاث فضاء وإلكترونيات .. الخ حيث أن كل ذلك هو منجز الدولة العلمانية لا الدينية ولا الاستبدادية والتي لم يكن لها من إسهامات في مجرى التاريخ البشري سوى الفساد والتفنن في اختراع ادوات القمع والتعذيب والقتل وإشعال الحروب وتأجيج الصراعات… غير أن أهم منجز للفكرة العلمانية هو الدولة المدنية الحديثة وحل معضلة السلطة و التداول السلمي لها وتحقيق التوافق المجتمعي على النظام السياسي الذي يحوذ على رضا المجتمع على اختلافه حول كيف يحكم لا من يحكم ، هذه المعضلة التي كلفت التاريخ البشري أنهارا من الدماء والاشلاء وخراب العمران في مختلف أرجاء المعمورة قديما ولا تزال في حاضرة في عالمنا العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص وبقوة مما هو مشاهد في الحروب والصراعات العبثية والعدمية التي يدور رحاها حول السلطة وبأي ثمن أو كيفية ، لقد عجزت مجتمعاتنا خاصة التي يسود فيها الاسلام أن تستلهم قيم الدين في الحريات والشورى والعدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون منذ بواكير ظهور ما يؤرخ له باسم الفتنة الكبرى في القرن الهجري الاول ولقد صدق ابن كثير حين قال بأنه لم يسل سيف في الاسلام كما سل على مسألة الإمامة ولم يعصم من ذلك حتى كبار الصحابة وأئمتهم…
لقد قدم كاتبنا ومفكرنا العظيم المرحوم الدكتور زكي نجيب محمود مقالة رفيعة حول الموضوع في جريدة الأهرام في ثمانينيات القرن الماضي عنونها ب: ع – فتحة – عين …
وهو يقصد أن الموضوع قد تم تشويهه من قبل الجماعات الدينية من متسلفة وإسلامويين ومن قبل خطباء المنابر وأئمة المساجد لدرجة إضطرته لاستدعاء طريقة الكتاتيب ،، خلاوي مصر ،، في تعليم الصغار أبجديات الحروف الهجائية وأساسيات القراءة … ليشرح بعض مما ذكرناه اعلاه ، ويختم حديثه بالتساؤل حول من يرفض العلمانية ايا كان نسبتها سواء الى العلم أو العالم؟.
إن الحراك الشعبي الضخم في السودان ولكي يتحول إلى ثورة حقيقية فلابد له من تطبيق شعاره الاثير الا وهو: الدولة المدنية… ولكي يتم تحقيق ذلك فلابد من توفير ثلاثة شروط للدولة هي:
– العلمانية
– المواطنة
– الديمقراطية
* العلمانية تعني أن الدولة يجب أن تكون محايدة تجاه المعتقدات الروحية للشعب فلا تشجع ديانة معينة ولا تمنع أخرى ..بل هي ملزمة وملتزمة برعاية وكفالة حرية الاعتقاد لجميع المواطنين على قدم المساواة وتوفر لهم كل الحماية والدعم المالي اللازم لبناء دور العبادة وممارسة الشعائر والعبادات والتبشير بما لديها بكل حرية وأمان.
* المواطنة تعني المساواة ، المشاركة ، الانتماء …وأنها وحدها أساس الحقوق دون غيرها من معايير أو ميزات فلا ديانة ولا لون ولا عرق ولا قبيلة ولا جهة .
* الديمقراطية تعني أن السلطة هي سلطة الشعب وليس سلطة الدولة أو النظام الحاكم ، فالشعب هو من يكون الدولة وهو من يختار مسئوليها وهم يخضعون لرغباته وينفذون تطلعاته ومحاسبون أمامه عبر تداول سلمي للسلطة بصناديق الاقتراع بما يحقق رغبة الأغلبية ويضمن تنفيذ خيارها مع ضمان حقوق الأقلية وكل ذلك بدون لجوء القوة أو السلاح أو القهر أو التزييف أو التضليل.
تضمن العلمانية الحريات العامة وحقوق الإنسان ولا تتهاون فيها ابدا …
الشروط الثلاثة اعلاه مجتمعة هي ما يكون الدولة المدنية …
والعلمانية أعلى مستوياتها وارقاها …
إن مبادئ العلمانية هى ذات مبادئ ديننا الحنيف فيما يتعلق بحرية الاعتقاد والضمير وفي ممارسة الفعل السياسي وسياسة الدول والمجتمعات ، لذلك إن جاز لنا اسقاط المصطلحات الحديثة على التراث فإنه يصح القول بأن الإسلام يمثل دين العلمانية بامتياز وبأن وثيقة المدينة المنورة هي اول وثيقة علمانية مكتوبة في تاريخ البشر … وذلك من مميزات ختم النبوة وعوامل صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان ، لذلك فهو الأوسع انتشارا وقبولا في مجتمعات الدول العلمانية في الغرب …. لقد أدار الرسول الكريم بكل كفاءة وإقتدار مجتمع المدينة المنورة المختلف عرقيا ودينيا وثقافيا وفي وسائل وسبل كسب العيش ، حيث وجد فيه اليهود ، النصارى ، المسلمون، المنافقون، المشركون … حيث كفلت الوثيقة الاتفاق والتوافق على الحد الأدنى المشترك بين كل هذه الأطياف المتباينة والمتمثل في المواطنة والتعايش السلمي على أرض المدينة والاشتراك في الدفاع عنها ضد الأعداء وفي حرية العقيدة والضمير وفي تحاكم كل جماعة أو طائفة لشرائعهم الخاصة مع القبول بالرسول محمد كمرجعية عليا للفصل بين الخصوم حال عدم التوافق إن طلبوا معونته…
إن هذه القيم والتجارب كان حريا بها أن تستلهم وان تطور وان يستمر المجتمع في تطبيقها والالتزام بها ، وليته فعل لجنب نفسه وغيره شرورا ورهقا كبيرا.
السودان على سبيل المثال دولة في طور التشكل ، وبلا هوية متفق عليها ، وتجتمع فيه إثنيات وقبائل وثقافات وعادات ولغات واديان ومعتقدات والوان وافكار وأحزاب وجماعات شتى متباينة أشد ما يكون التباين ، ومختلفة أشد ما يكون الاختلاف ، ليس بين كل جماعة وأخرى ، أو كل قبيلة وغيرها أو كل لون وما سواه فقط ..بل داخل كل مكون من هذه المكونات نفسها …! فكل مكون أو جماعة أو طائفة ترى نفسها وحدها الفرقة الناجية وأنها الممتلكة الحقيقة المطلقة دون غيرها … وعليه فلن يتفق هؤلاء الاشتات ولن تجتمع هذه الفسيفساء البشرية قط إلا على القاسم المشترك الاعظم بينها جميعا الا وهو تأسيس الحقوق على المواطنة وحياد الدولة تجاه كل الأديان والمعتقدات والثقافات ، اي الحياد الديني والمذهبي للدولة …
الاسلام كدين لا يعترف بالكهنوت ولا رجال الدين ، ولا الواسطة بين الفرد وخالقه ولا الإكراه على العقائد ولا بالدولة الدينية ولا بالوكالة عن الله في الارض ولا بالحق الإلهي في الحكم وليس فيه نظرية سياسية ولم يفصل في الشأن السياسي وليس به نظرية سياسية والا لكفى المؤمنين شر القتال… وهو دين العلم والعقل والداعي لاكتشاف الطبيعة والعالم الكوني والسيطرة عليه وتسخيره لفائدة الإنسان… وهو دين وأمة وليس دين ودولة
وليس في الاسلام ولا في القرآن كل شئ ..ولكن فيه أهم شئ .. وهو تحديد الفواصل بين حدود المعرفة بحيث فصل الغيبي وحدده وأخرجه من دائرة التفكير والاستدلال المنطقي وادخله في باب الايمان ، ثم افسح المجال فيما هو دون ذلك لعمل العقل والبحث العلمي ، إن إسهام إيمانويل كانط الفيلسوف الألماني الفذ والذي استحق به أن يؤرخ للفلسفة بخطين فاصلين هما : ما قبل كانط وما بعد كانط إنما يتمثل في لفت نظر العالم لهذه الحدود الفاصلة في طبيعة المعرفة بحسب طبيعة تركيب العقل البشري وذلك في سلسلة كتبه النقدية : نقد العقل المحض ، نقد العقل العملي ….الخ
هذا الذي هو معطى بين أيدينا ولكننا لم نفهمه حتى الراهن ! ولقد صدق مفكر إيران المغدور علي شريعتي بقوله : لا تكمن المأساة في أننا لم نقرأ القرآن ..ولكن في أننا لم نفهمه بعد !
وكما يقال في عوالم الابداع الجمالي: الشعري والقصصي والروائي والمسرحي …الخ أن المعاني ملقاة على قارعة الطريق ولكن من يلتقطها ؟
إن العداء للعلمانية والإصرار على تشويهها نابع من الإدراك العميق لأنها الوحيدة القادرة على سحب البساط من تحت اقدام المتاجرين بالاديان والمستغلين للعواطف الدينية للبسطاء والمتدينين عن عدم وعي وهي بالتالي ستحرمهم من كل امتيازاتهم ومصالحهم وال Business الذي يديرونه من خلال استغلال الدين وتوظيفه سياسيا …
لذلك فإن جذور أزمتنا في المنطقة ككل هي جذور ثقافية ناتجة عن تطاول أمد الاستبداد السياسي بإسم الدين أو بغيره نتيجة فشلنا في إستحداث وسائل سلمية لحل معضلة السلطة نابعة من واقعنا من جهة ورفضنا ومعاداتنا لاستلهام تجارب الأمم من حولنا ، هذا الاستبداد الذي أفرز تفشي الأمية بمختلف انواعها : الأبجدية ، الثقافية، السلوكية والقيمية، الإلكترونية…الخ وينتج عن مجمل ذلك حالة الفقر والتخلف والعجز والفشل عن اللحاق بركب الحضارة والتمدن والغرق حد الثمالة في أتون صراعات وحروب عبثية مع ذواتنا ومع الآخر أفضت لتبديد كل شئ، وافسحت المجال خصبا لقوى الظلام للعمل والتمدد من خلال غش وخداع الجمهور والمجتمع بالشعارات الدينية الزائفة والسيطرة عبر استغلال العاطفة الدينية ، بحيث أصبح الناس يقبلون ما يقبلون دون عقل .. ويرفضون ويكفرون دون وعي أو مجرد محاولة للبحث أو الفهم …
يدخل في ذلك أيضا احزابنا الطائفية وزعمائها كالصادق المهدي مثالا والذي تكمن المفارقة فيه أن كل تفاصيل حياته اليومية والأسرية من لدن جده عبد الرحمن وحتى اللحظة هي ضمن احضان ومنجز العلمانية الفكري والثقافي والمعيشي ومع ذلك فهو ما فتئ في الآونة الأخيرة يصرح برفض العلمانية وبرفض الحق في تقرير المصير للجنوب الجديد في السودان ( جبال النوبة ، النيل الازرق، دارفور ) إنه وأمثاله يطلبون من الذين همشوا وحرموا من التنمية ومن السلطة ومن الثروة وحوربوا وقصفوا بالطائرات والمدافع وحرقت قراهم ومزارعهم وابيدت ثرواتهم الحيوانية على بؤسها وضاع أجيال من أطفالهم دون تعليم ولا رعاية ولا مستقبل وقتلوا واغتصبوا وشردوا بلا هوادة في دول الجوار وداخل معسكرات اللجوء والنزوح داخل وطنهم تحت حماية الجيوش الأممية ووصاية العالم الخارجي ..حماية من أبناء وطنهم ومن سلطة ونظام بلدهم المهووس بتأسيس خلافة إسلامية مدعاة ودولة إسلامية لا وجود لها إلا في مخيلة المرضى فكريا والمشوهين ثقافيا من اشباه المتعلمين وانصاف المثقفين … يطلبون منهم نسيان كل ذلك وتركه وراء ظهورهم والمغامرة بقبول نظم سياسية من المؤكد أنها ستعيد الكرة عليهم مرة أخرى طال الزمن او قصر ، إذ أن آفة حارتنا النسيان كما ظل يردد صاحب نوبل نجيب محفوظ في ختام كل فصل من فصول رائعته الممنوعة من النشر رواية اولاد حارتنا …. يطلبون منهم الا ينادون بالعلمانية اساسا لكيف يحكم السودان وفي نفس الوقت الا يتجرأوا على طلب تقرير المصير لان ليس لهم من خيار إلا أن يكونوا مواطنون من الدرجة الثانية في وطنهم وان يكونوا مستعدون لدفع نفس الثمن مجددا ! وياله من زيادة في الظلم .. اوليس ذلك حقا حشفا وسوء كيل ؟! .
إن الصادق المهدي ،، كثيرون غيره ،، لا يختلف في اسلامويته عن الاسلامويين والسلفيين الا في الدرجة وليس في النوع ، وهو وان كان يبدو أو يحرص أن يكون ليبراليا ومثقفا ومفكرا له مؤلفات ودفاع عن الديمقراطية والحريات…الخ مما يربك كثير من متابعيه ولا يجدون له تفسيرا ، مع أن الأمر عندنا بسيط ويكمن في الفرق بين المفكر والباحث وبين السياسي … فبينما يقود المفكر والباحث المجتمع نحو الصواب والحقيقة فإن السياسي وكما أنه يقود المجتمع إلا أن المجتمع يقوده ايضا، و يضطر للإنحناء والانقياد له كي لا يفقد جماهيريته وهو الحريص على كسبها … بينما لا يحرص المفكر والباحث الا على الحقيقة والصواب فقط ، رضي المجتمع ام سخط …
إن الاسلامويون والسلفيون والطائفيون يدافعون عن مصالح مشتركة تتمثل إستغلال العاطفة الدينية للسيطرة والتحكم في الشعب ومن ثم إستنزافه ونهب مقدراته ثرواته ، إن لم تكن المالية المباشرة فالعقلية والإبداعية وأحلامه وتطلعاته في وطن معافى ومزدهر ومستقر وآمن …
إن الحضارة الغربية المعاصرة بمدنيتها المزدهرة طيلة القرون الأربعة الماضية وبمنجزها غير المسبوق في مجال العلوم والتكنولوجيا والفلسفات والأفكار …الخ لم تصل لذلك الا لأنها قد نجحت في التوافق على المعادلة السليمة لمعضلة السلطة وعلاقتها بالمجتمع .. وعبر علمنة الدولة ولا شئ سواها فهل نحن مضطرون لدفع نفس الثمن الذي دفعوه قبلا للوصول إلى الحل؟ ام هل يا ترى أن طرح السؤال نفسه خاطئا ؟ وإنما يجب أن يكون : الا يكفي ما دفع حتى الآن ؟!
يقول د. زكي نجيب محمود : إنه لولا علم الغرب ، ولولا ثقافة الغرب، ولولا انتاج الغرب الصناعي وتكنولوجيته لتعرت حياة العربي المعاصر فإذا هي لا تختلف كثيرا عن حياة الإنسان الأول في كهوفه …
أو شيئا من ذلك .
لا حل للسودان ولكامل منظومة الدول العربية والإسلامية الا بعلمنة النظم السياسية ومدنية الدولة ، طال الزمن او قصر ، قل الثمن أو كثر … وانما العاقل في زماننا هذا ليس بمن اتعظ بغيره … بل بنفسه …
لحكومة الفترة الانتقالية بما تحويه من تفويض شعبي غير مسبوق في تاريخ السودان فرصة ذهبية للعبور به لمربع جديد ومختلف عن سابقه إن كانت مدركة لوضعها وموقعها من التاريخ … وفطنة لأن جذور الأزمة ثقافية وليست سياسية … وما البديل لذلك الا وطن ممزق ومهدد بإنفصال مناطق عدة منه ، و ربما وطن مهدد في بقائه…
أ.د. عامر عباس حمد
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
هيئة الطاقة الذرية السودانية
مقال رفيعة جدا ومفصل !!