الطيب مصطفى وجرثومة الباطل حتى اللحد!

آدَمْ أجْـــــــــــــــــرَىْ

 

الأستاذ الطاهر تية عندما يطالب، بصفته أميناً عاماً لإتحاد التراث الشعبى، فإنما يفعل لمصلحة هذا القطاع، وإلا لن يكون مؤهلاً للبقاء فى هذا المكان. عندما يعلن فى منتدى سونا سعيه لإدراج (136) لغة فى الخريطة البرامجية للفضائيات والإذاعات السودانية، فإنه يفعل ذلك إنقاذاً لها بعد أن بلغت من الهشاشة والضعف مبلغاً لا يمكّنها من الصمود قرناً آخر. عندما يقول أن العربية ليست كل شيئ حتى يتم التضحية بأكثر من مائة لغة لأجلها، والعرب لا يمثلون أكثر من (30%) ولغتهم لا ينبغى أن تكون شرطاً للنجاح الأكاديمى، فإنه كان محقاً، مسنوداً بتيار يضم غالبية ممتدة من حلفا حتى طروجى، ومن كسلا حتى أمدافوق. كان سخياً فى عرضه هذه النسبة المئوية، بالنظر إلى العرب الذين يقولون لسكان شمال أفريقيا: #لستم_عرباً. ولا يشيرون إلى السودان، لأنه خارج المعادلة أصلاً. أشار الطاهر تية إشارة متحفظة لمعاناة وإنحراف مسيرة آلاف إستسلموا لتبعات التفشيل المتعمد، فإتجه بعضهم إلى مهن العتالة والنظافة والجندية فى أفضل الحالات. لقد صُعّبت العربية قصداً حتى تفوقت على الجبر والفيزياء فى التعقيد، أغرقت إغراقاً ووظفت بسوء نية كغربال يجز عناصر غير مرغوبة فيها، قبل إلقاءها فى المذابل، وظفت فى تقليص فرص ترقيهم فى هرم المنزلة الإجتماعية والثروة والسلطة. نجحت مؤامرة وأد الوطنية وتحققت التصفية وظهرت النتائج، رغم أن العربية ما عادت لغة علم ولا حداثة، وتبقيك قزماً خارج أى معادلة إن لم تتعلم غيرها.
الطيب مصطفى فى سياق سعيه لإبقاء اللغات القومية مقهورة ذاهبة إلى حتفها، إستشهد بقول دكتور جون قرنق، فى أن العربية إحدى مكونات الهوية السودانية –لم يأت بجديد- وفى نفس مقاله هاجمه وصف أقوالاً لم يأت بنصوصها، وصفها بأنها منتقصة وساخرة من الإسلام. والسودان كله يعلم أن جون قرنق لم يهاجم الإسلام يوماً بل كان يشبه نظرية السودان الجديد بالمائدة الرمضانية -الإسلامية- المتنوعة أطعمتها. وقد فات عليه أنه مهما إغتسل طوال ما بقى من عمره، لن يبلغ مبلغ طهارة ووطنية جون قرنق.
يقول الطيب مصطفى مخاطباً الطاهر تية، أنه ليس أقل إنتماءاً منه للقارة الأفريقية وأن الفرق بينهما أنه لا يغرق فى شبر موية. لكننا نفهم أن الذى لا ينظر شبراً واحداً إلى الأمام، ولا إلى الخلف، يصرخ بلا أى مناسبة “وااا حر قلباه” يغفل عن تبعات فعله، وعن رؤية مقصلة هلاكه، يستهويه المضى فى حرب الجنوب، يجهض إتفاقية سلام عقار- نافع، لا يرى النار المتقدة فى مرجل دارفور، ناهيكم عن رؤية الجذور الحقيقية –دون السطحية- للأزمة المتمددة، فإنه بلا أى شك قد أغرق نفسه فى ملعقة ماء ناهيكم عن شبره.
الطاهر تيه لم يشر إلى الإسلام فى مرافعته، أما تيار الطيب مصطفى الذى لم يطل إلا لأجل إقحامه فى معركة بلا معترك، فإنما يبرهن أن إسلامويته وعروبته وجهان لعملة واحدة، توأمان سياميان، ملتصقان، يمضيان سوياً ويأتيان سوياً. أنها المدرسة التى تدعى أن الحساب يوم القيامة لا يكون إلا باللغة العربية -لأنها تريد ذلك- والجنة لغتها العربية -لأنها تنطق بها- لا علم لنا بكل ذلك، وبما أن أصحابها هم الذين تصلهم هذه الأخبار الغيبية، نسألهم أن يخبرونا باللغة التى سيتحدث بها أهل النار للتعبيرعن آلامهم؟ سؤال مباشر لهم، ما هى لغة الجحيم؟ ننتظرهم، لكنا نخشى أن يقولوا أنها اللغات التى يحاول الطاهر تية إنقاذها.
الطيب مصطفى يقول أن دعاة الأفريقانية يكرهون لغة القرآن، ناسياً أن قرآن اليوم لغته ليست العربية وحدها بل ترجم إلى (331) لغة لم نسمع عن بعضها، آرانكية.. بوهيمية.. خميادو!! ولأهلها فإنها لغات مقدسة يحبونها، لغات قرآن كريم يرتلونه بها ترتيلاً، يعتبرونها لغات الجنة وسيجدونها هناك إن دخلوها، فهل له الحق فى الإعتراض على ما يفعلون أو يعتقدون؟ وهل هو المعنى بهذا الأمر أصلاً؟ الطاهر تيه لديه (136) لغة، يتطلع إلى تدريسها، كتابة القرآن وترتيله بها ترتيلاً، والدعوة بها إلى الإسلام. وقد سبق لنفس اللغات أن أدخلت الآلاف هذا الدين، رفعت بها خطب الجمعة والأعياد، ودعوات الإستسقاء، فضلاً عن الصلاة بها على موتاهم المسلمين. إنهم يعتبرونها لغة الأم التى سيحاسبون بها يوم القيامة، لغات مقدسة سيجدونها فى الجنة، فهل ثمة إعتراض؟ ما المصلحة فى تضييق مواعين الإسلام والقرآن والواقع يؤكد أنها باتت بسعة لا يمكن لأحد تضييقها!
مدرسة الطيب مصطفى تدعى خدمة الإسلام، لكنه نوع الإسلام الذى يحمل جرثومة العروبة شرطاً، تيار منافق يضمر الكراهية والبغضاء لكل مكون لغوى وثقافى لزاماً. أما الصادقون فإنهم الذين يفكرون خارج الصندوق، إعترفوا بكل لغات الكوكب، إحترموها، ترجموا القرآن إليها، أفسحوا لأصحابها الدرب للمضى قدماً فى مساعيهم إلى الجنة التى يتطلعون إليها..
أما هذا التيار المحلى العنصرى غير الوطنى، الذى يبدل ثوبه كل مرة، أحتمت بالتركية ذات مرة، وبالإستعمار الإنجليزى حتى جلاءه، فإنه اليوم تموّه بثوب الإسلام المشروط بالعروبة. إنهم الشر المتجسد، وجرثومة الباطل الملازمة لهم حتى اللحد، ذلك أن أصحابها دومًا صوتهم عالٍ، يجهدون فى التغطية على الحق برفع صوتهم عليه، خطبهم مليئة بالضجيج والشعارات، والتجارب علمتهم أن الأغراق يجذب الرؤوس الفارغة، ويزعج العقول الحية. ولا غرابة إن فارقت طريقتهم أسلوب عمل المسلمين فى الأرض قاطبة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.