حوار مع حاكم إقليم الفونج الجديد القائد داؤود إدريس نصر
حوار : أنس ادم : يابوس : Splmn.net
المكون العسكري لايريد معالجة أزمات البلاد من جذورها و تحقيق سلام شامل
إتهم حاكم إقليم الفونج الجديد القائد داؤود إدريس نصر المكون العسكرى بأنه لا يريد معالجة أزمات البلاد من جذورها، و كذلك لا يمتلك الإرادة الحقيقية لتحقيق سلام عادل و شامل فى السودان يخاطب جذور المشكلة السودانية.
و قال الحاكم في حوار له مع الموقع الإلكترونى للحركة الشعبية ” Splmn.net “أجرى معه فى يابوس _ رئاسة إقليم الفونج الجديد، أنّه حال فرضت الحكومة الإنتقالية و مجلسها العسكرى سيناريوهات أو خيارات أخرى كالحرب مثلاً، فالحركة الشعبية و الجيش الشعبى جاهز للدفاع عن الأراضي المحررة و التصدى لكل عدوان.
و أضاف قائلاً: إن التصريحات العُنصرية لِقادة نظام الجبهة الإسلامية القومية و الأنظمة التى تعاقبت على الحُكم فى السُّودان تَكفى لإثبات مُخططات الإستهداف المُمنهج و المنظّم ضِد شعبنا.
و أوضح إدريس أن الدولة الوطنية الحديثة هي علمانية بطبيعتها تقوم على الفصل التام بين الدِين و الدولة بحيث يكون لكل دينه و الوطن للجميع و الدولة الحديثة لابد أن تعكس واقع التعدد و التنوع الثقافى و الدينى و العرقى.
و قال إن اللجنة الأمنية للنظام البائد الذي إعتلى عرش السُلطة بعد ذهاب البشير و معها قوى الحرية و التغيير لم يغيروا شيئاً في السُّودان لإفتقادهم الإرادة السياسية لإحداث تغيير حقيقى و إنزال شعارات الثورة على أرض الواقع.
و وصف الحاكم العلاقة التاريخية التي تربط بين شعبى إقليمى جبال النوبة و الفونج بأنها بالروحين فى الجسد الواحد.
إلى تفاصيل الحوار،،،،
بداية أرجو أن تعرف نفسك لِقُراء الموقع الإلكترونى و الإعلام و الرأى العام؟
شكراً جزيلاً، أنا القائد داؤود إدريس نصر حاكم إقليم الفونج الجديد. لقد نضالتُ في صُفوف الجيش الشعبى لتحرير السودان، لفترات طويلة مُنذ الحرب الأولى و الثانية و تقلدتُ مناصِب و مواقع تنظيمية كثيرة فى الحر كة الشعبية و الجيش الشعبى لتحرير السودان، أما الآن فقد تم إنتدابى و تعيينى حاكماً للإقليم. أنا سعيد أن إلتقى بالموقع الإلكترونى الرسمى للحركة الشعبية و كما نُرحب بِكم بيننا فى رئاسة الإقليم يابوس- إقليم الفونج الجديد.
أرجو إعطاء نُبذه عن العلاقة بين شعبى الفونج و جبال النوبة و نِضالهما المُشترك؟
بالرجوع إلى العلاقة بين جبال النوبة و الفونج بالطبع تُوجد علاقات بين الشعبين و هى علاقات ضاربة في الجذور مُنذ القِدم يرجع تاريخُها إلى عهد الممالك. إنّها علاقات تربط شعبى الإقليمين عرقياً و ثقافياً و كذلك مصيرهُما المُشترك. فمُعظم قيادات الحركة الشعبية من أبناء جبال النوبة و على رأسهم القائد يوسف كوة مكى، كانت تربطهم علاقات وطيدة مع أبناء و قيادات الحركة الشعبية من إقليم الفونج. فهذه العلاقة التاريخية التي تربط بين شعبى الإقليمين كالروحين في الجسد الواحد. و أكثر ما يجمعنا و يربطنا الآن هي الرؤية و المبادئ و الأهداف المشتركة وكذلك النضال الطويل جنباً إلى جنب و ليس هنالك ما يفصلنا حتى نحقق النصر المؤكد و إنجاز أهداف الثورة.
مِن المُلاحظ وجود حكومة و مؤسسات في الأراضى المحررة – إقليم الفونج، هل لك أن تشرح لنا بتفصيل أكثر عن مؤسسات السُّلطة المدنِية للسُّودان الجديد بالإقليم من حيث طبيعة عملِها و علاقاتِها البينية؟، و هل يوجد مبدأ الفصل بين السُّلطات؟
تم تشكيل هياكل و مُؤسسات السُّلطة المدنية للسُّودان الجديد بإقليم الفونج بدءاً من الحاكم و نوابه و سكرتيرى إدارات السٌّلطة المدنية للسودان الجديد المُتمثلة فى إدارات التعليم، الصحة، الزراعة، الإعلام و الإستثمار و مُحافظى المُقاطعات …الخ. هذه الإدارات تقوم بآداء واجباتِها و مهامِها بالصورة المطلوبة و بكفاءة عالية مكّنها من تقديم الخدمات للمواطنيين في الأراضي المُحررة، و على سبيل المثال لا الحصر تقوم سكرتارية إدارة الزراعة بتقديم التقاوى و البذور للمُزارعين و والإرشادات الإستشارات العلمية في مجال الزراعة و كذلك يتم عقد الوِرش التثقيفية و التوعوية في المجال الزراعى و تُنظّم الدورات التدريبية لِرفع قُدرات الكوادِر العامِلة في الحقل الزراعى عِوضاً عن الإشراف على المزارعين من خلال الطواف الميداني فى الأراضى المحررة للوقوف على سير عمليات الزراعة فى مراحِلها المختلفة. كما تقوم سكرتارية إدارة الصحة بدورها في تقديم الخدمات الصحية من توفير الأدوية و تدريب و تأهيل الكادر الطبى بالتنسيق و التعاون مع بعض المنظمات كما تقوم بالإشراف على المراكِز و الوحدات الصحية في الإقليم. فالسُّلطة المدنية للسُّودان الجديد بالإقليم بِها هياكل و مؤسسات مكتملة تقوم بتقديم هذه الخدمات وفق الإمكانات و الموارد المتاحه مع مراعاة الأولويات.
نرجو أن تعطينا نُبذه عن الإنتهاكات ضد شعب الفونج خلال الحربين الأولى و الثانية؟
لا شك أن الأنظمة الإسلاموعروبية فى السودان و التى ظلت تنتهج السياسيات العنصرية ضد شعبنا المهمش، قامت بإرتكاب إنتهاكات واسعة النطاق خلال الحرب الأولى و الثانية. و هذه الإنتهاكات ما زالت مستمرة بشكل مُمنهج و ذلك بشهادة منظمات إقليمية و دولية. و عند التجوال داخل الأراضى المُحررة يمكن مُشاهدة حجم الدمار الذى تعرضت لها المؤسسات. حيثُ تعرضت المستشفيات و المراكز الصحية للتدمير الكامل عبر القصف الجوى بطائرات الإنتنوف. كما تم تدمير المدارس، مراكز المياه، المنازل، و دُور العبادة من مساجد و كنائس و فُقدان الآلاف من الأرواح من نساء و أطفال و كبار السن و تشريد مئات الآلاف إلى معسكرات اللجوء في دولتى جنوب السودان و إثيوبيا و حتى البيئة لم تسلم من الدمار. كل هذه الإنتهاكات ضد شعب الإقليم تمت بصورة مُمنهجه.
كيف تصف الأوضاع الإنسانية عموماً بإقليم الفونج الجديد؟، و هل توجد أي جهات محلية أو إقليمية أو دولية تقدم مُساعدات إنسانية لإنسان الإقليم المنكُوب؟
هُنالك بعض المُنظمات الإنسانية تُقدِم خدمات محدودة فى مجال الصحة و التعليم.. الخ. و مع ذلك فإن شعب الإقليم لم يستسلم لإفرازات الحرب و ما خلفتها من مأساة إنسانية، و لم يقف مكتُوف الأيدى بل قاوم الأوضاع المأسوية التى حاول النظام أن يفرضها عليهم، بالعزيمة و الإصرار فلجأوا للزراعة و التعدين التقليدى فضلاً عن الأدوار الكبيرة التى تقوم بها السُّلطة المدنية للسُّودان الجديد تجاههم.
مرت كاميرا الموقع الإلكترونى للحركة الشعبية بقرى و مناطق عديدة بالأراضى المحررة و وثقت كثيراً من المرافق و المؤسسات و المنازل التي تم تدميرها بالقصف الجوي والمدفعى مثل يابوس – شالى الفيل – ودكة و من المُلاحظ قد طال هذا الدمار حتى دور العبادة من مساجد و كنائس، كيف و لماذا حدث كل ذلك؟
كما أسلفتُ الذكر أن الأنظمة في الخرطوم إتبعت نهج و سياسات عنصرية ضد شعبنا. فالإنتهاكات التي طالت مناطق مُختلفة في الإقليم عبر طائرات الأنتنوف و القصف المدفعى و الهجمات الأرضية على المدنيين العُزل بواسطة المليشيات لا تعدو كونها إستهداف ممنهج على أساس عرقى و دينى. و هذا ما تُثبته تقارير المنظمات الإقليمية و الدولية بل حتى التصريحات العنصرية لِقادة نظام الجبهة الإسلامية القومية و الأنظمة التى تعاقبت على الحكم فى السُّودان تكفى لإثبات مخططات الإستهداف الممنهج و المنظّم.
بوصفكم حاكم للإقليم، هل لك أن تصف لنا كيف تسير الحياة اليومية بالأراضي المحررة (حياة المواطن العادى و دور مؤسسات السُلطة المدنية في خِدمة المواطن و كذلك دور الجيش الشعبى تجاه المواطن فى الإقليم)؟
حياة المواطن تسيير بصورة طبيعية. حيث يقوم المواطنون ببعض الأنشطة كالزراعة و التعدين التقليدى و التجارة … إلخ و ذلك بمساعدة و عوّن من السُّلطة المدنية للسُّودان الجديد التى تقوم بتنظيم الأنشطة عبر القوانين و اللوائح حتى يتمكن المواطنون البسيط من الحصول على إحتياجاته الأساسية و الضرورية. كما يقوم الجيش الشعبى بأدوار كبيرة و مهمة من المساعدة فى درء الكوارث و تقديم المساعدات اللازمة للمواطنيين في مجالات الزراعة و تشييد المدارس و المراكز الصحية و صيانة الطُرق. إلى جانب ذلك الجيش الشعبى هو صمام أمان الثورة يقوم بمهام الدفاع عن الأراضى المحررة و الشعب في السودان الجديد و الحِفاظ على الأمن و الإستقرار و حماية ممتلكات المواطنين.
ما تقييمكم لِمفاوضات السلام التي تمت بين الحركة الشعبية و الحكومة الإنتقالية، أين تعثرت و لماذا؟
الحركة الشعبية لَديها تجربة ثرة و إرث كبير لا مثيل له في المفاوضات منذ عهد الراحل الدكتور جون قرنق إلى يومنا هذا. فهذه ليست المرة الأولى التي تدخل فيها الحركة الشعبية في مفاوضات مباشرة مع الحكومة. ما نود أن نؤكده هو أن الحركة الشعبية تسعى لإيجاد حل جذرى للمشكلة السُّودانية. أما الحكومة الإنتقالية و خاصة المكون العسكرى تريد الحِفاظ على الأوضاع المختلة. فمن واقع قراءتنا للمشهد السياسى و تقييمنا للمفاوضات فإن المكون العسكرى هو من يعرقل معالجة أزمات البلاد من جذورها كما لأنه لا يمتلك الإرادة و الجدية لِتحقيق سلام عادل و شامل فى السُّودان يُخاطِب جُذور المشكلة السودانية. و بالتالى هذا المكون العسكرى لا يزال ينتهج سياسيات السودان القديم. كما أن هناك قوى سياسية أخرى لا ترغب فى الحل الجذرى للمُشكلة، لذلك تأثرت المفاوضات عند قضية علاقة الدين بالدولة و رفض الحكومة لِمبدأ علمانية الدولة. و هذا الموقف لن ينهى الحرب. لذلك ترى الحركة الشعبية ضرورة معالجة أزمات البلاد من جذورها كــ قضايا علاقة الدين بالدولة و أزمة الهوية و التنمية غير المتوازنة و غيرها من القضايا الجوهرية لكى ينعم السُّودان بالسلام العادل و الشامل. و هذا الموقف يتسق تماماً مع آمال و تطلعات الشعب السُّودانى و شعارات ثورة ديسمبر المجيدة. و بالتأكيد الشعوب التواقة للحرية و الكرامة الإنسانية لن تتنازل عن ذلك. فالدولة الوطنية الحديثة هي علمانية بطبيعتها تقوم على الفصل التام بين الدين و الدولة، فالدين لله و الوطن للجميع. و الدولة الحديثة لابد أن تعكس واقع التعدد و التنوع الثقافى و الدينى و العرقى.
ما ردكم لمن يصفون مواقف الحركة الشعبية التفاوضية، خاصة فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة و حق تقرير المصير بالمتعنتة و التعجيزية؟
حقيقة هنالك بعض القوى ظلت و ما تزال تصِف مواقف الحركة الشعبية بالمتعنته و تعتبرها تعجيزية و ما إلى ذلك لكن فى الحقيقة مواقِف الحركة الشعبية موضوعية و واقعية نابِعة مِن التشخيص السليم للمشكلة السودانية. و يأتى طرح الحركة الشعبية من واقع ضرورة إيجاد حلول جذرية لأزمات البِلاد من تسييس الدين و المركزية القابضة و كافة أشكال التهميش …الخ أما الحركات التي وقّعت على إتفاق سلام مع الحكومة الإنتقالية فهى لا تمتلك رؤية و لا أهداف واضحة، كما أنّها غير موجودة على الأرض فلا يمكنها إنهاء الحرب في السُّودان، لِذلك هرعت تلك الحركات لِتوقيع إتفاق سلام هش ركز على المحاصصة على السلطة كقضية مركزية و فشلت فى مخاطبة جذور الأزمة. و ردنا لِهؤلاء بأن مواقفنا لم يأت من فراغ، بل يمثل إرادة الشعوب المهمشة في السودان و المتطلعة للتغيير الجذرى و هو موقف يمثل قواعد و مؤسسات الحركة الشعبية.
لقد أطاحت الثورة التصحيحية فى العام 2017 بالرفيقين السابقين عقار و عرمان من قيادة الحركة الشعبية، برأيكم لماذا كانت الثورة التصحيحية أصلاً، و ماذا أنجزت خلال الثلاثة أعوام الماضية؟
الحركة الشعبية فى إقليمى الفونج و جبال النوبة و عبر مُؤسساتها القاعدية (مجلسا التحرير فى الإقليمين) قامت بتصحيح مسار الثورة. و الثورة التصحيحية جاءت كمقاومة حتمية لمحاولات عقار و عرمان المستميته و المتكررة للإنفراد بالقرارات المصيرية داخل التنظيم و إتباع سياسية و إستراتيجية الإقصاء و الإبعاد للقيادات المؤثرة في الحركة الشعبية بغرض الهيمنة على مفاصِل التنظيم. فقد تخلى عرمان و عقار عن رؤية السودان الجديد و إختارا طريق الهُبوط الناعِم لِتحقيق أجندتهما الذاتية و لكن تمكن مجلسا التحرير فى إقليمى جبال النوبة و الفونج اللذان يمثلان قواعد و موسسات الحركة الشعبية من قطع الطريق أمامهما و التصدى لهما بقررات تصحيحية و مصيرية. تلت تلك الخطوة التاريخية عقد المؤتمر العام الإستثنائي فى كاودا – جبال النوبة و تمت إجازة الوثائق الرسمية للحركة الشعبية ممثلة فى المنفستو و الدستور و تم إنتخاب الهياكل و المؤسسات و تنظيم المؤسسة العسكرية (الجيش الشعبى) و قيام السُّلطة المدنية للسودان الجديد و بذلك أصبحت الحركة الشعبية و الجيش الشعبى أكثر تنظيماً و ترتيباً و حدث تحول و تطور نوعى فى الهياكل و المؤسسات.
كيف تقرأ المشهد السياسى السودانى، و ما هى السيناريوهات المحتملة فى تقديركم؟
ثورة ديسمبر المجيدة جاءت بشعارات حرية سلام و عدالة، و هى شعارات رفعها الشعب السودانى التواق للتغيير الجذرى. لكن اللجنة الأمنية للنظام البائد الذى إعتلى عرش السلطة بعد ذهاب البشير و معها قوى الحرية و التغيير لم يغيروا شيئاً في السُّودان بسبب غياب الإرادة السياسية لإحداث تغيير حقيقى و إنزال شعارات الثورة على أرض الواقع. كما لا تزال الأوضاع الأمنية كما هى عليها غياب تام للأمن و الإستقرار في مُدن و ولايات السودان المختلفة مثل بورتسودان، القضارف، كسلا و غربى السودان الذى يشهد تدهوراً أمنياً مريعاً حيثُ الإستهداف الممنهج للمواطنين العُزل في دارفور بواسطة مليشيات الحكومة. و إنهيار الإقتصاد و تدهور الوضع المعيشى يوماً بعد يوم يتجلى ذلك فى صفوف الخُبز و الوقود. الحركة الشعبية تتطلع للتغيير الجذرى الذى يخاطب جذور المشكلة و كما أنّها لم ترفض المفاوضات و قد مكث فريقها المفاوض أكثر من عام في جوبا و ذلك في إطار جهود و مساعى تحقيق سلام عادل ينهى الحرب و يُلبى تطلعات و أشواق الشعوب المهمشة و الحركة الشعبية على إستعداد تام لِتحقيق ذلك إن كانت لدى الحكومة الإنتقالية الإرادة و الجدية. أما إذا فرضت الحكومة الإنتقالية و مجلسها العسكرى سيناريوهات أو خيارات أخرى كالحرب مثلاً فالحركة الشعبية و الجيش الشعبى على إستعداد للدفاع عن الأراضى المحررة و التصدى لكل عدوان.