شكر ومحبة وجنقوجورا
عبدالعزيز بركة ساكن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنهم أبناء وبنات البلاد الكبيرة، الذين احتفوا بِـ فوزِ رواية “الجنقو مسامير الأرض“ في نسختها التاسعة بِـ جائزة الأدب العربي في فرنسا للعام 2020م بحُبٍّ وجمالٍ، ونفوسٍ طيّبة ونقيّة، تعبر عن أصالتهم، لأنهم صنّاع هذا النجاح ودونهم ما كان ليكون لنا هذا الإنجاز الجميل.
وهذا ليس بالشيء الغريب، ولا هو بالأمر الجديد، لطالما كانت وستظل علاقتي بالقراء علاقة عميقة ومستمرة ودائمة. إذ أنني على تواصل دائم بهم، ومعهم عبر صفحتى في الفيسبوك والمسنجر والبريد الإلكتروني، وأيضاً عبر الاتصال اليومي المباشر بالتلفون
لقد تعلمتُ منهم الكثير طوال مسيرتي، و هُمُ سندي الرئيسي في غربتي وترحالي المعنوي والجسدي، ولكنني دائما هنالك، أجدني وسطهم، ومحبة القلب المتتابعة حيثما كانوا وكيفما حلّوا – ولطالما قلتها مراراً وبصدق إنساني عظيم؛ بأنني أنتسبُ للكون كله، فالانسان أكبر من أن تحده الأمكنة.
شكراً جميلاً؛ لكل من قدم لي تهنئة بأي وسيط كان، وكان هناك حاضراً بكلماته الطيبة من أجل أن يُشاركني هذا النجاح،
والأثر العظيم و الطيّب الذي يتركه في أنفسنا.
الفوز لهذه الجائزة الأدبيّة المرموقة التي نالها قبلي كتّاب مهمون مثل جبور الدويهي، وسنان أنطون، وغيرهم من الكُتّاب، هي تتويج لروايتي الجنقو.
وهذا الفوز فوزكم جميعاً، كما ان رواية الجنقو مسامير الأرض وغيرها من أعمالي تستمد كينونتها منكم، إنها علامة محبتي لكم جميعا وإنشغالي المتواصل بالإنسان.
الشكر أجزله؛ للأصدقاء والكتاب العرب، والأفارقة، والفرنسيين، والنمساويين، والألمان، لتعبيرهم عن سعادتهم بفوز الرواية.
وعظيم الشكر للسيّد جاك لانج Mr.Jack Lang وزير الثقافة الفرنسي السابق، ورئيس “معهد العالم العربي”
الذي سطَّر لي رسالة معبراً عن سروره وإعجابه بروايتي الجنقو مسامير الأرض ومسيح دارفور.
وإشادته عن الرواية بقوله: “حتى في أحلكِ اللحظات، ينضم حِسّ المؤلف الفكاهي والغرائبي إلى مغامرة الإنسان العظيمة والعالمية”.
الشكر لمحرري الصحف السودانية، والعربية، والفرنسية، بحجم عطائهم وإخلاصهم، الذين أسهموا بتحرير تغطية كريمة ومُرضية عن الجائزة.
جزيل الشكر؛ للبروفسور اجزافية لوفن Xavier Luffen
أستاذ الأدب العربي وعميداً كلية الآداب والترجمة والاتصال بجامعة بروكسل، الذي استطاع إنجاز ترجمة صادقة ومتميزة لرواية الجنقو، ودخوله لتلك العوالم، والرقعة الجغرافية الحدودية، المتشابكة بتعدد وتنوّع ما فيها من ثقافات وإثنيات، شهدت على جودة ما قام به، من عمل إبداعي كبير، وقد تمّ تتويج مجهوده العظيم
خلال افتتاح أعمال الملتقى الأدبي للترجمة، بالجائزة الكبرى للترجمة؛ ( Grand prix la traduction de ca ville l‘ Arles 2020).
وقد سبق له أن ترجم لي؛ رواية “مسيح دارفور“
التي تُوجت بثلاثٍ جوائز مهمة وهي:
– جائزة الأدب الإفريقي من مؤسسة سين بسويسرا والكميرون.
– وجائزة أدب عالمي من مدينة سمالو.
– جائزة أدب المقاومة بالمرح في فرنسا.
والشكر موصول كذلك لدار النشر الفرنسية “زولما“ ومديرتها المثقفة البارعة Laure Leroy التي تعمل بجهد ممنون، يستحق الثناء، على نشر الرواية المكتوبة خارج فرنسا.
أزجي بالغ شكرى إلى معهد العالم العربي الذي نشهد له بإحترام التنوّع الثقافي والإجتماعي في إدارة الثقافة والإنتاج الأدبي، وكذلك في دعمه الحثيث للمنتج السردي والجمالي في فرنسا.
الشكر لمؤسسة Jean-Luc Lagargere التي تُعنى بالإشراف على الجائزة والأنشطة الثقافية بمعهد العالم العربي في فرنسا – باريس.
وشكراً خاصاً ومحبةً للجنقو الذين يعملون الآن في حصاد الذرة، ولا يعرفون أنهم سادة هذا الإحتفاء والتكريم العظيم في حقهم – ولا يفوتني ان أهدى هذا الفوز لهم.
وأخصُّ هنا بالشكر؛
– الجنقوجوراي؛ مختار على، الذي يعمل الآن في الحصاد في زهانة.
– محمدو ” محمد عوض كاجوك” الذي صحبني في رحلاتي إلى همدائيت والحمرا بأثيوبيا.
– أختي الرضيّة، وإبنتها خالدة وولدها لطفي الذين إستضافوني، وأكرموا الترحاب بي في بيتهم العامر في ودّ الحليو. ولجيرانهم الطيبين المرحين الذين ألهموني بشخصية عبد الرحمن البلالاوي.
– الرحمة والسلام على روح جِدّنا برتيس شيخ همدائيت وأسرته الكريمة الذين أتاحوا لي مرقداً طيباً ومجلساً للكتابةِ وحماية من رجال الأمن.
أريدُ أن ازجي شكراً خاصاً جداً، إلى صديقات طفولتي وصباي:
جهاد بت خالتي حسينة، والتي ٱكنّيها بِـ “أمُّ الكدايس”، وحواء ملوك بت أمّيْ عشة “أطلقت عليها أيضاً إسماً يشبه جنون تلك الطفولة وهو “شيطان ملك”.
الرائعة غالية بت بخيتة “غوغو” واختها نادية، والصديقة نعمة بت علوية “حبشتسوت” والذين ذهبنّ إلى بيت شقيقتي محاسن بت مريم، في خشم القربة بالحي الجنوبي، وباركوا لها فوز رواية “الجنقو“ على عبقِ البُنْ الحبشي ومزاج الزنجبيل و القرنفل، وبعض الثرثرة والقوالات المباركة،وضحكاتهُنّ اللعينة التي أعرفها، وأعرف أنهم تناولنّ سيرتي بما يكفي من الخبث والمحبة، وما زلنّ يطلقنّ عليَّ؛ عبده ود مريم المسخوت.
بالتأكيد ان هنالك قلة ما، من البشر، ازعجها فوز رواية؛ الجنقو مسامير الأرض، وهذا الأمر أيضاً ليس جديداً وليس غريباً، بل هو في إعتقادي، أمر طبيعي وجمالي أيضاً.
ليس من العدل ان يفوز النصُّ، أو كاتبه برضا الجميع، وهذا أيضاً أمر لا يسعى إليه الكاتب أو المكتوب.
فالكتابة التي لا تثير الجنون والكراهية والغضب والرفض والمنع لدي البعض، والمحبة والقبول والإمتنان والجمال لدى البعض الآخر، فإنها كتابة خالية من الحياة: على النص أن يثير شعوراً ما، لدى القارئ، سلبياً كان أو ايجابياً، أو أن يثير شعوراً بالقرفِ أو الاستحسانِ.
لقد كنتُ صادقاً ومتمسكاً بإعتقادي؛ أن رواية الجنقو مسامير الأرض رغم كل ما واجهته من عنت الحظر، والمنع، وملاحقة الرقابة، ومقص الرقيب، غير أنها جاءت في الوقت المناسب لأنها تدور حول التسامح، فنحن نعيش اليوم عالماً تمزّقه صراعات الهوية العنيفة، ونمرّ بما يشبه صدمة الحضارات.
ما يجب علىّ قوله بجانب هذا الإمتنان العظيم؛ إن هناك إبداع متواصل في المشهد الثقافي العام في السودان ومايواكبه من إضاءات؛ منها على سبيل المثال وليس الحصر؛ النجاح الذي أحرزته قصص الصديقة رانيا مأمون، وأستاذنا بشرى الفاضل، وروايات حمور زيادة، و إستيلا قايتانو، وسيناريو أستاذي مصطفى الخليفة، وأفلام عظيمة مثل الحديث عن الأشجار، وستموت في العشرين، والروائي علي الرفاعي وأمير تاج السر، وتطول القائمة بالكثيرين، لتلك الجوائز التي اُحرِزت وما تمّ تحصيله من تقدير عربي وعالمي، كل هذا في الحقيقة حصيلة فتح إبداعي شاسع، لكل الروائيين والفنانين والأدباء السودانيين وفوز للمبدعين والمبدعات في هذه البلاد الكبيرة.
إنها إكمال للمشروع الذي مهّد له العبقري الأديب الطيب صالح، والشعراء الكبار تابان لوليونق، والجيلي عبد الرحمن، و الشاعر العظيم محمد مفتاح الفيتوري، والفنان المخضرم الصلحي، والمفكر محمود محمد طه.
وعلينا أن نقرُّ بحقيقة تبدو راسخة بأن ما هو ظاهر من الإبداع السوداني للعالم الخارجي، هو ما يبدو الان جليّاً وواضحاً للعيان، من كتلة جبل الثلج، وإنّ ما لم يجد طريقة للإعلام العالمي والعربي ليس أقل أهمية مما تمت ترجمته أو نال جائزةً ما.
سيظل الروائي والقاص المخضرم ابراهيم اسحق وشيخ السرديين عيسى الحلو والروائية زينب بليل وأجمل الشعراء: عالم عباس محمد نور، وعبد الله شابو وفضيلي جماع، وكمال الجزولي، ومحمد المهدي المجذوب والنور عثمان أبكر وإدريس جماع، وصلاح محمد ابراهيم وغيرهم كثر، هؤلاء سيظلون أعلام في مسيرة الإبداع في السودان.
في نهاية الأمر، ومهما كانت معرفتنا، بأن الكتابة في الكثير من الأحيان تواجه معضلات أخرى على أساس أخلاقي وليس فني، وقلما تنجو مما سبق ذكره أعلاه؛ لكنها؛ أي الكتابة تواصل مسيرة طريقها الطويل، لا لشيء؛ سوى أن الفكرة في نهاية الأمر تنتصر، وينتصر معها الإحتفاء بالجمال والإبداع وبالكتابة أيضاً كما نفعل المبدعون الآن.
بالغ المحبة للجميع.
نقلا عن صحيفة المواكب