العدالة والمحاسبة التاريخية (9 – 10)
✍🏿 متوكل عثمان سلامات
أفردنا هذه المساحة للمقالات التي سنتناول فيها الأسس والأدوات التي يتم تنفيذ العدالة الإنتقالية من خلالها وتقود إلى تحقيق العدالة والمحاسبة التاريخية. وتتمثل في لجنة الحقائق التاريخية والمصالحة، جبر الضرر، المحاسبة التاريخية وجدل المصالحة والعفو، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة السودانية.
أسس وأدوات تنفيذ العدالة الإنتقالية
هناك أسس وأدوات ضرورية لإنجاح عملية العدالة الإنتقالية في الدولة السودانية في فترة ما بعد الإنتهاكات الإنسانية والتي نأمل أن تتوقف، وتتمثل هذه الأسس والأدوات في الآتي:
أولاً: لجنة الحقائق التاريخية والمصالحة:
وضعت الأمم المتحدة مبادئ وإفتراضات وصفتها بالجوهرية لإنشاء لجنة الحقيقة في أي بلد خارج من صراعات أو من نظام حكم تسلطي وتتمثل في الإختيار الوطني، وشمولية العدالة الإنتقالية، والتوقع نموذج فريد بالبلد، وأن تتوفر الإرادة السياسية والإستقلال في العمل، أخيراً أن تعتمد هذه اللجان الدعم الدولي.
1- إنشاء اللجنة:
من أجل إنصاف ضحايا الإنتهاكات الإنسانية فإن الضرورة تقتضي أن تكون هناك لجنة يتم إنشاؤها لتتحقق وتبحث في هذه الإنتهاكات للوصول إلى الحقيقة، ولطبيعة الصراع التاريخي بين الدولة السودانية وأحد أهم أركانها المتمثل في الشعب وقد كانت الإنتهاكات الإنسانية مرتكز أساسي قام عليه هذا الصراع.
نرى أن تكون اللجنة بمسمى (لجنة الحقائق التاريخية والمصالحة) وذلك للدور الكبير الذي ستقوم به إحقاقاً لمطالب الضحايا، ولابد أن تكون هناك مشاورات واسعة مع الضحايا وأسرهم ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء ومجتمعات مناطق الحرب وغيرهم. على أن يتم إنشاء اللجنة بقانون ينظم كل ما من شأنه مساعدة اللجنة في إنجاز مهامها ويجيزه البرلمان.
2- إختصاصات اللجنة:
نرى أن تشتمل إختصاصات اللجنة على الآتي:
√ تاريخ بداية ونهاية عمل اللجنة،
√ الفترة الزمنية المراد التحقيق فيها، والتي يجب أن تشمل الفترة من سنة 1956م وحتى الآن،
√ أنواع الإنتهاكات التي يتعين التحقيق فيها،
√ الإهتمام الخاص بمجموعات الضحايا الرئيسية مثل ضحايا جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية او الجرائم ضد الإنسانية، أو التجاوزات ضد النساء والأطفال أو لضحايا الإعتداء الجنسي، أو وضع تدابير خاصة بهذه المجموعات أو مشاركة الناجين من التطهير العرقي أو الإعتداء الجنسي،
√ الإهتمام الخاص بضحايا الإبادة الثقافية والتنزيه الثقافي.
√ الإهتمام الخاص بضحايا الإنتهاكات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
√ مراجعة تاريخ السودان وتنقيحه وإعادة كتابته.
√ يجب أن يتضمن الإختصاصات نشاطات اللجنة كالإستماع وأخذ أقوال الضحايا والشهود والمتهمين، أو القيام بأبحاث وتحقيقات وكل الأنشطة التي من شأنها أن تكشف الحقيقة،
√ يجب أن تمنح اللجنة سلطات قوية وواضحة تمكنها من القيام بواجبها دون أي تقاطعات، كأن تجد التعاون من السلطات العامة في الدولة، أو مقابلة أو إستدعاء أي شخص يستطيع تزويدها بمعلومات، وكل إجراءات الضبط والإحضار وحماية الشهود وغيره،
√ ليس للجنة أي إختصاص بالمحاكمة أو العفو عن أي متهم.
√ أي إختصاصات أخرى يمكن أن تحقق العدالة والمحاسبة التاريخية.
3- أعضاء اللجنة:
هناك ضرورة لمشاورات واسعة بغرض تشكيل لجنة فعالة تكون مقبولة محلياً ودولياً، ونتيجة لطبيعة الصراع والدور الكبير للدولة فيه، نفضل أن تشكل اللجنة من كفاءات من مهن وخلفيات مختلفة كالمحاميين والباحثين الإجتماعيين (علماء النفس) وعلماء التاريخ والجغرافيا والأثار ورجال الدين وخبراء العنف ضد النساء أوالأطفال والإقتصاديين، وينبغي أن يشكلوا محلياً وإقليمياً من الإتحاد الإفريقي، ودولياً من منظمة الأمم المتحدة.
من أجل البداية الصحيحة للجنة لابد أن يسبق بدء عملها فترة تحضيرية لاتتجاوز ستة أشهر على الأقل، حتى تستعد إدارياً ولوجستياً.
تحديات متوقعة أمام لجنة الحقائق التاريخية:
هناك عدة تحديات أشارت إليها الأمم المتحدة يمكن أن تواجه أي لجنة وتزداد فرضية مواجهتها للجنة الحقائق التاريخية للطبيعة الشاملة للإنتهاكات الإنسانية وبعدها التاريخي،وتتمثل في الآتي:
1- تعذر التحقيق في كل الإنتهاكات لأن الوقت أو الموارد التي تمنح للجنة لا يكفي أحياناً لإكمال الكشف عن الحقائق،
2- ترهل الملفات وإتساع التحقيق قد يخلق نوع من التوتر بين إستراتيجية التحقيق التي تركز على القضايا فقط، وإستراتيجية التي تراعي البيئة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية من ناحية أسباب الأحداث وعواقبها،
3- إعلان أسماء الجناة قد تشكل الأسئلة الصعبة، ويتم الإعلان بعد التحقيق والتأكد من المعلومات التي تحدد هوية جناة محددين أو محتملين وتعلنه بكل شجاعة دون تردد كالذي يحدث في لجنة فض إعتصام القيادة العامة.
4- هناك طريقة حماية وضمان سرية المعلومات قد تشكل تحدي للجنة، والإطلاع على الملفات وتحديد الجهة التي تسيطر على ذلك، كذلك مسألة الدعم النفسي لبعض الضحايا فلابد من توفير الصحة العقلية والنفسية لإمتصاص الصدمات،
5- حماية الشهود قد يعرض الأشخاص الذين يقدمون معلومات إلى اللجنة أنفسهم لخطر الإعتداء عليهم لأن المتورطين في الجرائم قد يحاولون منع تعاون الشهود الرئيسيون مع اللجنة أو إتخاذ إجراءات ضد من يتعاونون معها، ويمكن ملاحظة ذلك في شهود فض الإعتصام الذين تعرضوا لمضايقات من خلال تقارير بعض النشطاء،
6- التمويل يمثل أحد التحديات العظيمة التي تواجه معظم اللجان، حيث نتوقع أن تصل ميزانية لجنة الحقائق التاريخية إلى مبالغ كبيرة ومع ذلك قوة هذه اللجان تنبع من تبني الشعوب السودانية دعم هذه اللجان من خلال العون الذاتي.
تحياتي.. مقال جدير باالاهتمام والمتابعة في انتظار المزيد من المقالات